الرباط- عبد الحق العضيمي
أكد مجلس المنافسة في تقريره السنوي لعام 2022، أن الاقتصاد المغربي واجه إكراهات كبيرة على مستوى العرض خلال السنة الماضية.
وأوضح التقرير، أن هذه الإكرهات التي أرخت بظلالها على إمدادات الأسواق الوطنية وعلى إنتاج المقاولات على حد سواء، نشأت نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية، أولها استمرار صدمة العرض السلبية التي انعكست، منذ مستهل سنة 2021، على جل الأسواق العالمية للسلع الأولية والمنتجات نصف المصنعة، نتيجة للتداعيات الاقتصادية لجائحة “كوفيد 19” والنزاع بين روسيا وأوكرانيا.
ثاني عامل، بحسب التقرير، يتمثل في الجفاف، الذي استفحل سنة 2022، وأفرز انعكاسات سلبية على الموسم الفلاحي وإنتاج الثروة الحيوانية، وعلى كافة أنشطة الإنتاج التي تعتمد عليهما.
أما العامل الثالث، الذي تم التطرق إليه في التقرير، فهو مرتبط بالتغييرات في الطلب والتوجهات البنيوية المتصلة به، والتي يفرضها أساسا اعتماد المنتجين العالمين على نماذج اقتصادية خالية بشكل متزايد من انبعاثات الكربون، وتراجع التبعية الصناعية للصين.
وتابع المجلس وهو يشخص وضعية عرض السلع والخدامات في الأسواق الوطنية، أن “هذه التوترات كرست ضغطا كبيرا على المخزونات سواء في الأسواق التي يجري تموينها بواسطة الاستيراد، أو تلك التي ينبثق عرضها أساسا من الإنتاج المحلي”.
وسجل المجلس، أن تراجع الإنتاج على الصعيدين الوطني والدولي، والقيود التي فرضتها بعض البلدان المنتجة على التصدير، إلى جانب حالات الانسداد التي لا تزال تشهدها قنوات النقل الدولية، كلها عوامل أسهمت في اضطراب أسعار المواد الأولية ووفرتها.
واستطرد أنه “علاوة على ذلك، واجه المنتجون على الصعيد الوطني عدة عوامل خطر ارتبطت بارتفاع تكاليف الإنتاج. كما اعترضتهم صعوبات لمضاعفة قدراتهم الإنتاجية، نظرا لضعف هوامش الربح أو حالة الغموض بالنسبة للطلب الموجه إلى المغرب”.
وحسب التقرير، فإن هذه الوضعية اختبرت صمود الاقتصاد المغربي من خلال سلوكيات المقاولات وقطاعات الإنتاج المفضية إلى التكيف مع الوضعية والحفاظ على التنافسية والاستمرار في مزاولة النشاط بالسوق، لاسيما “المهن العالمية للمغرب”، وكذا من خلال الدور الذي تضطلع به السلطات العمومية في الجوانب ذات الصلة بمراقبة السوق والتنبؤ باختلالاته.
وبالنسبة لإمدادات الأسواق بالمواد الأولية والمنتجات الأساسية، أشار التقرير إلى أنه في سنة 2022، كان هناك إمداد كاف ومتنوع في المواد الأولية والمنتجات الأساسية في مختلف الأسواق الوطنية، حيث لم تشهد هذه الأخيرة أية اضطرابات بارزة.
وأضاف التقرير، أن العرض المتوفر أتاح تغطية احتياجات طلب المنتجين والمستهلكين النهائيين على حد سواء، وذلك بشكل نسبي، لاسيما في الفترات التي يشتد فيها الاستهلاك، على غرار شهر رمضان المبارك والموسم الصيفي.
ووفق المصدر ذاته، لم يكن الإنتاج الوطني، الذي يعتبر ركيزة أساسية لتموين الأسواق بالمواد الأولية والمنتجات الأساسية، كافيا لتلبية طلب مختلف الأسواق بطريقة متجانسة ومرضية، حيث ارتبطت الأسواق التي عرفت أكبر مستوى للاضطرابات في الإمدادات بالإنتاج الفلاحي على وجه الخصوص، والذي لم يكن كافيا بالرغم من الزيادة في المساحات المزروعة.
في هذا السياق، اعتبر المجلس، أن الفلاحة البورية “لم تساعد على بلوغ المستويات المثلى من الاكتفاء الذاتي، بسبب تراجع إنتاجية المحاصيل. كما لم تساهم في توفير الكميات اللازمة لإنتاج الثروة الحيوانية نظرا للعجز الحاصل في محاصيل العلف أو القش”، وأضاف “لكن على خلاف ذلك، أتاحت الفلاحة المسقية تأمين إمدادات الأسواق نسبيا بالخضر والفواكه وبمنتجات الزيتون، وذلك على حساب مخزون المياه الجوفية”.
وأكد التقرير، أنه على الرغم من صعوبات التموين، لم تُرصد حالات ندرة ظاهرة للعيان أو طويلة الأمد. بالمقابل، أشار إلى ظهور حالات ندرة مؤقتة انعكست على المواد الغذائية، خاصة المرتبطة بالحليب ومشتقاته. وكذلك الأمر بالنسبة لبعض الأدوية، خاصة تلك التي يتم وصفها في علاج الأمراض المزمنة.
التقرير، وبعد أن ذكر بالتدابير الاستعجالية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة تداعيات الجفاف، والتي تضمنت “تعليق رسوم الاستيراد على القمح اللين، وإحداث منحة جزافية تُسترجع بعد استيراد هذا الأخير، وتكثيف استيراد الشعير المدعم”، أشار إلى أن استيراد القمح اصطدم بضغوطات شهدتها السوق العالمية، وأشعل شراراتها النزاع في أوكرانيا، وهي الوضعية التي دفعت إلى تنويع مصادر التموين، مخلفة تكاليف إضافية بالنسبة للمستوردين.
واستنادا إلى حالات الغموض المذكورة في التقرير، أورد هذا الأخير أن تقويم الاختلالات في التموين والتوقع المبكر لمخاطر ندرة المنتجات يمران بحتمية اعتماد تدابير استباقية من قبل السلطات العمومية.
وتتضمن هذه التدابير “التدخل القبلي في بعض سلاسل الإنتاج عن طريق منح مساعدات وتحفيزات للمنتجين، وإضفاء قدر أكبر من الشفافية على سلاسل الإمدادات من خلال تقليص مستويات الوساطة والمراقبة الصارمة لقنوات التموين، ومواصلة تفعيل الإجراءات الهادفة إلى تشكيل مخزون استراتيجي من المواد الأولية والمنتجات الأساسية”.
كما شدد المجلس على أنه لا ينبغي على الحكومة الاكتفاء فقط بتأمين عقود الإمداد لبعض المواد الحيوية، وبالاستيراد المكثف للمنتجات في الفترات التي تشهد تراجع الأسعار عالميا، بل يتعين عليها أيضا العمل على تقوية قدرات التخزين عبر الشروع في تطوير وتحديث البنيات التحتية المرتبطة بها.
وبعدما أشار إلى أهمية الاستثمارات التي تعتزم الحكومة إنجازها بغلاف مالي قدره ملياري درهم لمضاعفة قدرات تخزين المنتجات النفطية لمدة 10 أيام إضافية، قدم مجلس المنافسة توصيات أخرى تهدف إلى تعميم الرؤية المتعلقة بمضاعفة قدرات التخزين على كافة المنتجات الأساسية عبر تقوية الاستثمار في صوامع تخزين الحبوب، وإرساء نظام لليقظة لتخزين منتجات الصحة لدى الفاعلين في مجال الأدوية.
المجلس أشار أيضا إلى ضرورة تحديد نطاق الإمدادات الإستراتيجية بشكل مناسب، مع النظر في الفرص المتاحة لإدراج المدخلات الاستراتيجية الخاصة بالصناعة ضمن نطاقها، وتقييم مثالية التخزين العمومي مقارنة بالتخزين عبر القطاع الخاص.
وشدد المجلس كذلك على توجيه الاهتمام نحو التنبؤ بالرسم الخرائطي لسلاسل الإمدادات العالمية، ومتابعة تطور التكنولوجيات والأسواق، وذلك بالاستناد إلى مقاربة قائمة على المخاطر.