مرة أخرى.. الفرق بين الدولة والعصابة
بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس //
ليست الغرابة في أن تخرق عصابة الكوكايين الحاكمة في الجزائر كل القوانين والأعراف الديبلوماسية سواء المنظمة للعلاقات الدولية أو لأخلاقيات استضافة سياح أو عمالة أو تظاهرات ثقافية أو رياضية أو في تدبير الحدود والجوار والحركة في المياه الإقليمية بينها وبين جيرانها، فلطالما اعتدت العصابة منذ سيطرتها على دواليب الحكم في الجزائر على مواطنين من دول الجوار وعلى رأسهم جيرانها المغاربة، الذين مارست في حقهم كل أنواع الترهيب والتنكيل والانتقام، واتخذتهم هدفا لسهامها لإثبات عنتريات واستعراض عضلات عجزت عن استخدامها في معارك البناء أو حتى في ساحات الوغى. وليست الغرابة أن هذه العصابة قتلت بدم بارد سياحا من الشبان المغاربة الذين ضلت بهم دراجات السباحة بين شاطئ مدينة السعيدية المغربية والمياه البحرية على الضفة الأخرى الجزائرية، ولم ترقب فيهم إلا ولا ذمة، ولم ترع فيهم ما تنص عليه القوانين المنظمة للبحار وللحدود البحرية وللتيهان بينها، والتي ليس من بينها قطعا إطلاق وابل من الرصاص الحي على أبرياء تاهوا في عرض البحر من غير قصد إلى دخول المجال البحري لدولة، خصوصا إذا كانت مياه هذه الدولة متداخلة مع مياه دولة الوطن لهؤلاء الأبرياء. فلطالما جنحت الرياح ليس فحسب بأشخاص وأفراد وإنما بسفن ومراكب جزائرية على حدود المياه الإقليمية للمغرب، التي خفرتها البحرية الملكية إلى المراسي والموانئ الآمنة، وقدمت لها المساعدات اللازمة لتواصل إبحارها في الاتجاه الصحيح، تطبيقا لالتزام البحرية المغربية بالقوانين القاضية بتقديم المساعدة لشخص أو أشخاص في خطر، وليس إطلاق الرصاص عليهم وسلبهم حياتهم وممتلكاتهم. بل لطالما كانت المياه البحرية لمدينة السعيدية ومرسى بن مهيدي الجزائري علامة فارقة في تاريخ الكفاح من أجل التحرير والاستقلال الذي جمع الشعبين المغربي والجزائري في خندق واحد ومياه واحدة تنقلت بينها الأسلحة والذخيرة والمؤونة والمساعدات واللاجؤون والثوار، لتصير اليوم مقبرة ومذبحة لأبنائنا على أيدي من ورثوا الجزائر وغدروا وخانوا العهود، وخربوا مجد شعبينا الذي بناه المجاهدون والأحرار بدمائهم المختلطة وأخوتهم الغامرة.
إن عصابة تحكم شعبها بالحديد والنار والرعب والعنف والكراهية، وتقعد على تل من الجماجم المغدورة في العشرية السوداء والمقدر عدد ضحاياها بربع مليون ضحية، ناهيك عن مفقودين ومجهولي المصير لا يعرف عددهم ولا مآلهم إلى غاية اليوم، ليس منتظرا منها أن توفق ممارساتها وتصرفاتها بل وتدبيرها لأمن الناس وحياتهم، مع القوانين والشرائع والأعراف، وأن تحتكم إلى المعاهدات والاتفاقيات الموقعة والتعهدات والالتزامات الأممية، لأنها بكل بساطة عصابة لا دولة، أشخاص متنفذون ومجرمون قتلة لا مؤسسات محترمة، فلا الرئيس المدني رئيس بكل ما تعنيه الرئاسة من وزن وهيبة ومواقف ومسؤولية، ولا العسكري عسكري في حدود مهامه واختصاصاته، الكل يطلق الرصاص على الكل، ولا أحد يسأل عن مصير البلاد والعباد والضحايا والمصالح الشرعية والآداب المرعية.
من هنا يأتي عدم الغرابة في سلوك العصابة، إذ لا يتأتى لها أن تسلك مع السياح المغاربة الذين اعتدت عليهم أو اغتالتهم أو حكمت عليهم بالسجن خارج القانون، إلا الطريقة التي تسلكها العصابة في تصفية الموالين والمخالفين وكل من يتحرك أمام أعينها… رصاصات في الرأس أو الصدر مباشرة كما فعلت مع مجاهدين ورؤساء الدولة، أو أخرى في الظهر غدرا وخديعة كما فعلت مع مواطنينا.
فإذا كان العالم المستغرب من هذا السلوك الإجرامي المنافي لكل القوانين والأعراف والأخلاق الدولية في معاملة سياح تائهين في جولة بحرية ألقت بهم على حدود دولة لا دولة فيها، لا يعلم أن لنظام العصابة سوابق كثيرة ومتكررة في مثل هذه الاعتداءات على مواطنين عزل وأبرياء، فليجرد لائحة الاعتداءات الخارجة عن كل القوانين بدءا من الاعتداء على الشعب الجزائري وقتل آلاف من أبنائه بدون أن تطال أية مساءلة أو محاسبة أو معاقبة إلى غاية اليوم المسؤولين عن مذابح العشرية السوداء الذين ترفض العصابة تسليمهم للقضاء الدولي المطالب بمحاكمتهم، ثم قبل ذلك طرد وتشريد آلاف الأسر المغربية المقيمة في الجزائر ومعاداتها فقط على الهوية والجنسية المغربية، مع كل ما تسببت فيه هذه المأساة وإلى غاية اليوم من آلام ومعاناة للعائلات المختلطة الممزقة بين البلدين، وللأطفال الذين صاروا اليوم رجالا ونساء يحملون معهم جرح تفريقهم عن آبائهم أو أمهاتهم أو إخوانهم.
الفجيعة التي تسببت فيها العصابة الموتورة المتعطشة لرؤية الدم المغدور المسفوح، ليست طارئة ومعزولة، بل سياسة ممنهجة للعصابة في صناعة الأحزان والمجازر، لأنها عملتها الرائجة وطريقتها في الحكم وأسلوبها في إبراز قوتها الضاربة عبر الإرهاب والفتنة والعربدة، بعد تجريب كل الطرق الفاشلة إلى التنمية والسلام والأمان أو إلى دخول منظمات وتجمعات إقليمية ودولية بقوة اقتراحية وإبداعية وبرصيد من المنجزات والمكتسبات للشعب الجزائري.
فإذا كان المجتمع الدولي سيبقى مندهشا ومستغربا ومصدوما مما تجترحه العصابة الدموية يوميا من خطايا وخروقات مفضوحة للقيم الإنسانية المشتركة وللقوانين الدولية، من غير أن يتحرك في اتجاه ليس فحسب التحقيق في الجرائم القديمة والجديدة للعصابة، وترتيب عقوبات عليها، ووضع حد لانتهاكاتها المتطاولة والمتصاعدة إقليميا ودوليا، بل وضع حد للعصابة نفسها، حتى تنعم المنطقة ودول الجوار بظلال القانون والشرائع المقررة والعهود والالتزامات المقطوعة والمبرمة، فإن العصابة سيطيب لها المقام فوق تلال الجماجم التي لا يكاد العد والإحصاء أن يجردها أو يوقف عدّادها. تعازينا لعائلات الضحايا من شبابنا الذين قتلوا غدرا وغصبوا في أمنهم وسلامتهم وحقهم في الحياة، ورقصت كلاب العصابة على جثثهم، لا لشيء إلا لأنهم مغاربة وأبناء الشعب المغربي، ولأن وطنهم وبلدهم الآمن والمسالم والمتعاون دولة محكومة بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية والديبلوماسية، وترفض الانجرار وراء العصابة في أتون مخططات عدوانية وإرهابية لطغمة فاسدة مستولية على مقاليد حكم دولة في غياب الدولة والمؤسسات التي يمكن أن نتعايش معها في الجوار، أو أن نجري معها الحوار بشأن مقتل مواطنين على الحدود أو اعتداء على شباب مغاربة سواء في البر أو البحر أو في الملاعب الرياضية. حتما سيجيء يوم الحساب قريبا، وتنكشف الحقيقة وتتحقق العدالة لآلاف المظلومين من ضحايا العصابة الإرهابية الغادرة والكاذبة.