
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في “المقاصد الحسنة” (149)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/599)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط ، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ( يعني قد تكون جماعة ) وهو متجه ، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير ، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد ، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز ، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها ، ومن ثم أَطلَقَ أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه ، وأما من جاء بعده فالشافعي – وإن كان متصفا بالصفات الجميلة – إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل ، فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد ، سواء تعدد أم لا ” انتهى من “فتح الباري” (13/295).
هذا الحديث فيه بشرى لهذه الأمة التي بعث فيها خاتم الأنبياء وكتابها آخر ما نزل من الوحي؛ فلما انقطع الوحي والنبوة بموت خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم جعل الله من رحمته لهذه الأمة خاصة وللبشرية عامة طائفة تقوم بتجديد الرسالة من خلال إحياء ما اندثر أو تلاشى من قيم الوحي وإعادة الروح فيها ينفونَ عنها تحريفَ الغالينَ وانتحالَ المبطلينَ وتأويلَ الجاهلينَ..
وبيننا وبين سقوط الخلافة الإسلامية التي كان يمثلها العثمانيون 100 سنة؛ ولاشك أن سقوط الخلافة الإسلامية كان أهم حدث في القرن الماضي ترتب عنه ظهور حركات إسلامية في شتى الأقطار الإسلامية؛ منها ما كان دوره تصفية التراث مما علق به من ثقافة مدسوسة ومنها ما كان دوره تأسيس مراكز للبحث وتعليم القرآن والسنة ومنها ما جعل همه إعادة الاعتبار لأحكام الشريعة التي استبدلها الاستعمار البريطاني والفرنسي بقوانين وضعية..
ظهرت حركات الإسلام السياسي الذي يغطي كافة مناحي الحياة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية فكانت بحق تجديدا للدين وبعثا لروح الإسلام في مفاصل الحياة؛ وهذا التجديد تمت مواجهته من الحكام ثم من التيارات العلمانية وكذا حاربه التدين التقليدي والرسمي على حد سواء..!
ثم انتقل الصراع من حدود محلية إلى صراع عالمي بعد سقوط المعسكر الشرقي بتفكك الاتحاد السوفياتي وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم وخوضها حرب العراق وحرب أفغانستان فنشأت تنظيمات جهادية قدمت صورة مشوهة عن الإسلام وهو الشيء الذي استغله الغرب الصليبي ليلصق تهمة الإرهاب بالدين العالمي الذي أمسى يدق أبوابه من خلال اعتناق الغربيين للإسلام وذلك بهدف التخويف منه..
لكن الله المدبر الحكيم الذي أراد لدينه أن يظهر على الدين كله ولو كره الكافرون سيحقق على يد القلة المجاهدة في غزة فلسطين معجزة أبهرت العالم؛ فأصبح الجهاد الذي كان بالأمس يوصف في الإعلام العالمي بأنه إرهاب وظلام هو نفسه مدخل تجديد الدين الذي سيحمل الغربيين من جديد لاعتناق هذا الدين الذي يعطي أصحابه كل هذه الثقة والصمود والصبر في مواجهة حلف صليبي بقيادة أمريكا أقوى دولة في العالم رغم خذلان القريب والبعيد لأهل غزة..!
وفضلا عن هذا الإنجاز فإن غزة ستنفخ روح الجهاد في هذه الأمة لتقوم بدورها في إصلاح ما أفسدته الصهيونية العالمية، ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله..
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
المؤمن يعرف هدفه الذي يستحق أن يعمل له ويموت من أجله.
أما غير المؤمن كلما وصل لهدف حدده، اكتشف أنه سراب لا يستحق…
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}
أحداث غزة فصلت بين الحق والباطل. وجد الناس هدفا يستحق أن يتركوا أعمالهم وملذاتهم ويقفو في وجه حكوماتهم لتحقيقه. فكان هذا الهذف طريقا أوصلهم للهذف الحقيقي الذي خلقنا الله له.