قراءة في كتاب صدر “من تساؤلات القارئ المتدبر/سورة الفاتحة” تأليف: سفيان أبوزيد ( 1 )
الأستاذ : عبد الرحمان الخرشي

بين يدي القراءة
.
حظيت سورة الفاتحة لعظم قدرها- كما القرآن الكريم – بعناية فائقة في التفسير؛ باعتبارها فاتحة الكتاب، وباعتبارها نصاً قرآنيا يتفاعل معه المسلم بكثرة لما له من علاقة وطيدة بالدين الحنيف إجمالاً؛ وباعتبارها أساس قوام الصلاة؛ لذلك حظيت عند العلماء بمزيد من الاهتمام سواء كانت سورة منفردة أم كانت في ثنايا القرآن الكريم إجمالاً، ومما بات ينبه عليه العلماء حرصهم الشديد على إبراز مكانتها العظيمة في القرآن العظيم وفي السنة النبوية المطهرة؛ فقد حظيت بأسماء عدة كان بعضها لا غبار عليه عند الجميع، وكان بعضها مثار خلاف بعض العلماء، لكنهم اتفقوا جميعهم على ما اشتملت عليه من الثناء على الله وتمجيده، وتوجيه العباد نحو طريق الهداية، وأنها ركن الصلاة الأعظم، لذا وجب التشديد على وجوبها ووجودها فيها بالنصوص الصحيحة؛ ومما ورد من ذلك في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم:( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )(1).
وقد عرض لتفسير هذه السورة العظيمة علماء أجلاء كثر متقدمين ومتأخرين ومعاصرين سعوا إلى أن يكون لهم إسهام علمي في تأصيل لفظ” التدبر ” وإبراز أهميته ومنهجه في تدبر كتاب الله؛ سواء في ثنايا كتب التفسير المعروفة عند كل ذي بصر وبصيرة، أم في حلقات العلم وجلساته العلمية في المساجد وغيرها؛ ولم يكن وكد الواحد من هؤلاء غير إبراز مكانة هذه السورة العظيمة واستنباط فوائدها الجمة، التي وقفت على خباياها ضمن كتب وتسجيلات الصحوة، وفي أشرطة عدة نتيجة ما عرفته الثورة الإليكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي من حضور ضاغط أفرز على صعيد جديد العلم توفر اجتهادات في الموضوع استفاد منها جيلنا اليوم، وسيتعزز بما شاء الله غداً!
ومما هو جدير بالاهتمام قي شأن هذه السورة العظيمة التي أبانت عن خبايا مفيدة في دلالاتها الغميسة نتيجة ما وصل إليه ذكاء وتطور العقل الإسلامي والمغربي بخاصة عند بعض المتخصصين في الموضوع نتيجة الاحتكاك بهبة إسلامية خارجية، وداخلية وطنية، ونتيجة واقع أفرزته وضعية ثقافية وسياسية خاصة، لغاية معلومة بالضرورة.
ولعل القراءات المحسوبة على مفهوم التدبر ” وتلك التي تسلحت بآلياته، عند علماء كثر في شتى الأقطار في مذاهب فقهية؛ وقراءات تسلحت بلغة يعرب بن قحطان، وبعلم الحديث وبسيرة السلف الصالح؛ وأنا أستحضر هنا تلك الجهود الجبارة والإضاءات النيرة المنقطعة النظير بعمق وأبانت عنه مدارك واجتهادات وفهوم الفقيه الجليل والعالم النحرير نسيج وحده الذي أضاعه أهل زمانه المتفرد في نتائج فتوحاته العلمية الشيخ المراكشي مولاي أحمد المحرزي- أبو عبيدة –( رحمه الله ) الذي فسر هذه السورة في حلقات عدة بمسجد حي ابن صالح في سنوات السبعينات من القرن الماضي وكنت من بين من حضروها ولعل بعضها يتداول في أشرطة !
كما بدت هذه السورة في تفاسير مشروحة، أو محللة في كتب أبانت عن عمق محتواها القابل للدراسة والبحث بشكل مباشر؛ أذكر منها: كتاب” تفسير سورة الفاتحة ” عبد العزيز بن داخل المطيري، وكتاب” تفسير سورة الفاتحة ” عبد الحي حسين القرماوي، كما أستحضر هنا كتاب ” أول مرة أتدبر القرآن/دليلك لفهم وتدبر القرآن من سورة الفاتحة إلى سورة الناس ” وهو كتاب تفسير مبسط لألفاظ القرآن، جمع وإعداد الدكتور عادل محمد خليل…
ومن بين الكتب التي اشتغلت على تدبر هذه السورة العظيمة لا تفسيرها- التدبر ليس هو التفسير وإن كان بابهما واحد من حيث الأصل – وذلك من زاوية تختلف عما ألفناه.
إن منهج تفسير هذه السورة العظيمة ليحيل على النزعة التأملية الفلسفية كما بدا في تفسيرها في بعض المذاهب؛ وذلك بما طرحت من أسئلة/تساؤلات بدلالتها على مفهوم” التدبر ” الذي أسس عليه أحد أبنائنا النجباء، المجبول على تدقيق آليات اشتغاله الفقيه الألمعي اللماح لدقائق المنقول باعتماد التأمل من المعقول الشيخ سيدي سفيان أبو زيد؛ وذلك في تفسيره/تدبره الذي نشره اليوم في كتاب نفيس عكس لذة التدبر بشكل ملفت، وكان أن نشره في موقع إليكتروني- هوية بريس – سنة 2019م اختص فقط بتفسير هذه السورة العظيمة” الفاتحة “.
صدر هذا الكتاب في شكل أنيق وطبع معتنى به؛ سواء من حيث الطبع أم التغليف باستعمال الألوان؛ وذلك في طبعة أولى والخط المنوع، صدرت هذه الطبعة عن دار المقاصد للطباعة والنشر والتوزيع- تركيا – جمعه ونسقه وأعده مطبوعاً في 124 صفحة فقيهنا من القطع المتوسط؛ وقد استهله بما بات يدندن حوله من عميق الفكر وثاقب الذهن وجليل المعنى في موضوعات أشتات جمعها تحت عنوان:( سلسلة من تساؤلات القارئ المتدبر ).
ا – في دلالات عنوان الكتاب:
( سلسلة من تساؤلات القارئ المتدبر/ من تساؤلات القارئ المتدبر- سورة الفاتحة )
تكرار العنوان على هذا النسق اضطرني للتعامل معه من زاويتين:
الزاوية الأولى: الكتاب باعتباره يندرج ضمن( سلسلة ) سيغذيها المؤلف بمؤلفات يعدها توالياً للطبع، وهو كذلك- على سبيل التصنيف – وليس هناك من شك في أنه يمثل باكورة اجتهاده في سياق مطبوعاته على هذا النمط، وهو يعلن أن هذه السلسلة ستتمدد بالنشر في كتب أخرى معدة للطبع- إن شاء الله -، أما ما تعلق بحرف الجر:( مِن ) الوارد في مستهل العنوانين الثاني فقد تم التشديد على مركزيته في الكتاب بذلك التكرار في صورتين؛ الأولى: تم تثبيتها في الطباعة بخط شبه مضغوط، والثانية تم تثبيتها: بخط مضغوط زيادة عن الأول، ويأتي الفصل بين العنوانين معاً- في الوسط عمودياً – بالرقم التسلسلي( 1 ).
الزاوية الثانية: باعتبار أن الكتاب يحمل في ثناياه( تساؤلات ) هي ( تساؤلات القارئ المتدبر ) بزيادة مضغوطة بشكل بارز جدا’ سورة الفاتحة )؛ وردت جميعها تحت عنوان( مِن تساؤلات القارئ المتدبر- سورة الفاتحة ).
إن حرف الجر( مِن ) ورد في مستهل العنوان للدلالة على عدد غير محدد أفاد البعض من كل؛ فالمؤلف يجعل قارئه يحس- وهو يخوض غمار جملة من التساؤلات( عددها ستة وعشرون تساؤلا ) – حول سورة الفاتحة أحس بأن ما قام به في كتابه هذا ربما حاد به عن أن يحسن سبر أغوار تدبره للسورة من حيث التفصيل- وهذا في الكاتب من لباس التواضع الذي بات يلتحف به دائماً، بل وكما نراه من تواضع كبار العلماء الذين تشبعت أرواحهم وأذهانهم بلطائف العلم – بل وهو يجعل القارئ يشعر أن له القدرة بدوره على إدراك تساؤلات أخرى غير ما ذكر المؤلف في كتابه وهي جديرة بالطرح فأعطى الكاتب لقارئه أفضلية تحفزه على التهام صفحات الكتاب، مما يغذي وينعش حرية التعبير عن إبداء الرأي في المقروء كما صار بعض القوم يوهمون القراء لغاية تداركها في طبعة لاحقة كما دعاه لأن يدله عليها( ! )…
.
من المخاطب في الكتاب، ولماذا هي تساؤلات وليست أسئلة ؟
.
أولا: المخاطب في الكتاب قارئ معين له قدرات معينة، وباحث عما ليس في كتب التفسير من إضافات ترتقى بفهمه إلى مستوى أعلى، فهو- بلا شك – قارئ مهتم بتفسير هذه السورة العظيمة تفسيراً ذهنياً معرفياً إيمانياً وقلبياً على نهج التأمل؛ لذلك جاءت الإشارة صريحة لهذا القارئ في العنوان معرفاً- بالألف واللام – أي بلفظ( القارئ ) الذي منحه المؤلف صفة( التدبر ) ملازمة له بالفعل؛ وهذا سر تعريف لفظ القارئ، والصفة الملازمة له بالألف واللام( المتدبر )؛ فهو بصريح القول:( القارئ المتدبر ) ومعناه أن الكاتب يبني للنسر بيته بالتدقيق؛ فالمؤلف يخاطب قارئا بقدرات عقلية وذهنية وإيمانية… وهذا سر مخاطبته له بالقصد، وعندي فإن وجود هذا القارئ بالذات نعده من الكبريت الأحمر لقلة وجوده من بين القراء في زمن التمرد على القراءة الجادة إلا من متخصص كما أسلفت!
وكأني بالمؤلف هنا ينظر إلى مائدة العلوم الشرعية بعامة وكما اطلع عليها اليوم- ومنها علم التفسير – مبسوطة أمام بعض العلماء الربانيين المجتهدين المنشغلين والمشتغلين على استكناه عمق ما في هذه السورة العظيمة من الإشارات الخفية والدلالات العميقة التي تبدو فوائدها جمة عن طريق التدبر والخشوع كإضافات نوعية نستطيع أن نسبر أغوار ما فيها من الفوائد ليس إلا ، فهؤلاء العلماء وحدهم من يستطيع أن يتغذى- بالقراءة المتأملة والجادة – على جديد ما انتهى إليه البحث المعمق في ثنايا هذه السورة العظيمة على سبيل الاجتهاد في البحث والتأمل…
ثانيا: هي تساؤلات وليست أسئلة؛ تساؤلات لكونها تخاطب القارئ المعين سلفاً في عنوان الكتاب وثناياه، فهي قد تأسست على اعتماد ما تم التعاقد عليه بين الكاتب والقارئ؛ أعني آلية مفهوم” التدبر ” بما دل عليه لفظه في معاجم اللغة العربية وعند اللغويين؛ فالمؤلف يبني تعاقده هنا مع هذا القارئ على أن يضعه في سياق فهم هذه السورة العظيمة وفق منهج مؤسس على اعتماد العقل وفق آلية فلسفية غير مصرح باستعمالها لكنها تفهم من السياق العام أثناء التدبر عن طريق القصد لا في فهم وإفهام هذه السورة العظيمة فقط، وإنما في فهم الخطاب القرآني بعامة.
اعتمد المؤلف ثلاثة آليات لغوية في طرح تساؤلاته وهي تحمل معها دلالتها اللغوية التي تقتضي الاستفهام؛ هي:
1 – الحرف هل:( مرتان ) بدلالتها على التخيير والاستفسار.
2 – اسم الاستفهام لغير العاقل ما:( مرتان ).
3 – الأداة لماذا؟:( اثنان وعشرون مرة ) بدلالتها على بلوغ الغاية للسؤال عن فهم الأسباب.
( يتبع )
——————–
(1) أخرجه البخاري في صحيحه( كتاب الأذان )، برقم: 714، ومسلم في صحيحه كتاب (الصلاة)، برقم: 595.
ملحوظة: للحصول على الكتاب “من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة” فهو منشور الآن ويمكن الحصول على الكتاب من عدة منافذ هي:
https://payhip.com/b/wWToC
https://publishuk.booklink.io/ekutub-Sufyan.Abuzaif.BK2
https://play.google.com/store/books/details?id=3q60EAAAQBAJ
http://books.google.de/books/about?id=3q60EAAAQBAJ&redir_esc=y