
مما لا شك فيه ، اننا كلنا من آدم عليه السلام ، وكلنا يعلم أن آدم من تراب ،فنحن إخوة في الادمية ، إخوة في الدين الذي هو عند الله الاسلام، لا يستغني الواحد منا عن الاخر ، ولهذا كانت الصناعة و الفلاحة و التجارة و السياحة ، و اللقاءات الخاصة و العامة ، لكن لماذا يكره الواحد منا ان يتكلم مع الاخر ، ويقول لا يعجبني هذا ،لأنه ليس من قبيلتي ، وليس من بلدي ،وليس من حومتي ، ولا اتكلم معه لأنه ليس من حزبي ، ولا من جمعيتي ،ولا ينتمي لهياتي ،و اطاري الايديولوجي و الفلسفي ،وقد يقول اخر ، انا اتجنب الجلوس مع هذا لأنه لا يحسن الكلام ، ولا يتقن الحديث ، ولا يعرف ما أعرفه ، لأنه أمي ، او بدوي غير متعلم ، نسمع هذا الكلام ، ونرى المواقف الكثيرة ، التي تعبر عن الانحراف السلوكي غير الاجتماعي ، غير المدني ، فما السبب قد يتساءل العاقل منا ؟ وكيف السبيل لتجاوز هذه المواقف المخجلة ، غير الانسانية ،و لا الاخوية ، علما انه لا فرق بين عربي و لا أعجمي ، ولا بين ابيض و لا اسود الا بالتقوى ، ولم نعلم ، ولم نتعلم أن الفروق بالقوة ، وباللون ، وبالمكانة ،و بالعرق ، فكلنا يحتاج للآخرين ، يحتاج الى عقولهم ، ومهاراتهم ، كما يحتاجون الى ما نتقن ، وما نحسن ، وما كانت الحروب و المعارك الا بسبب هذا الاحساس المنحرف ، وهذا السلوك المتعجرف ، فكيف السبيل الى أخوة دينية ، وانسانية منتجة و نافعة ، عادلة و فاعلة ، راقية ونقية؟
نقول وبالله التوفيق ، أننا نحتاج الى فقه للتعامل فيما بيننا ، جامع غير مفرق ، نافع غير ضار ، هاد غير ضال ، فقه ينبني على القواعد التالية :
1. لتربح الناس وتكسب ودهم ،و تفوز بأخوتهم وتصيب من حسناتهم ومنافعهم ، عليك ان توطن نفسك وتلزم ذاتك بان لا تتعامل مع الناس الا بالمعاملة الحسنة، على اساس من الاخلاق الحسنة ،و السلوك المنضبط في القول و الفعل ، فقد قال صلى الله عليه و سلم :” إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق” فمهما كان وصف الناس وسلوكهم ، أضبط نفسي فلا أتعامل معهم إلا بهذا التوطين ، وهذا الالزام باعتبارهما ميزتين للإنسان العاقل ، السوي ، ثم لان حسن الخلق يجلب الود، ويثمر الوفاق، وينفي الفرقة ، ويزيل الشقاق، كما يؤثر في صاحب الفظاظة ، ويلين أصحاب القلوب الغليظة ، ويسكت ألسنة القساة ، ثم لان صاحب الخلق الحسن ، لا يخيب أبدا ، لأنه لا يحمل في قلبه حسدا ، ولا يؤذي أحدا .
2. ان تتعامل مع الناس بحسب طبائعهم ، لان الله سبحانه وتعالى كما قسم الارزاق ، قسم الاخلاق ، والناس فيهم حر الخلال ، وأريحي الطباع ، وفيهم فظ الاخلاق ، قال صلى الله عليه وسلم :” إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض ، فجاء بنو آدم على قدر الارض ،فجاء منهم الابيض و الاسود و الاحمر ..وجاء منهم الخبيث و الطيب ، و السهل والحزن وشيء من ذلك” وقال أيضا” إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، من تركه الناس اتقاء فحشه ” ، وهكذا كان يتعامل الرسول صلى الله عليه و سلم مع أصناف الناس ، كما يتعامل المزارع مع أنواع التربة.
3. أن تعامل الناس حسب منازلهم ومراتبهم ، لان فيهم العالم ، والجاهل ، والسائد و المسود ، والغني و الفقير ، و الكبير و الصغير ، قال صلى الله عليه و سلم ” أنزلوا الناس منازلهم ” فقد دخل رسول الله مكة فاتحا ،فقال ” من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ” وهو على شركه ، وعلى عداوة كبيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وارسل رسالة الى هرقل الروم ، قال فيها صلى الله عليه وسلم : ” الى هرقل عظيم الروم “عظمه لأنه عظيم عند قومه، محترم في مملكته ،وعليه فللأمير حق، وللعالم حق، وللوالد حق وللولد حق، وللزوج حق، وللزوجة حق، وللكبير حق ، كما للصغير حق، وللتلميذ حق، كما للمعلم حق، وللإمام حق، وللمأموم حق، لان في هذا الانزال ، وهذا الاحترام تقوية لأواصر الالفة ، ونبذ للشقاق وسوء الاخلاق .
4. ان تعامل الناس بحسب ظواهرهم ، فلا تغوص في المقاصد و النوايا ، ولا تنشغل بالظن و الريبة ،قال تعالى :” ياايها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ” وقال صلى الله عليه وسلم : ” إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث”، وقال أيضا” إني لم أومر أن أنقب في قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم” .
5. أن تعامل الناس مستحضرا أن الخطأ طبيعة الانسان ، وان لا عصمة إلا للأنبياء و الرسل ، قال صلى الله عليه وسلم : ” كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” فلا مثالية في التعامل مع الناس بل واقعية ومعايشة وتجربة.
6. التغافل و التجاوز ، لان العقلاء يستوجب فيهم عدم الاكتراث بحماقات وسفاهات المبطلين ،يقول الامام الشافعي :” الكيس العاقل ، هو الفطن المتغافل”
7. أن تقبل في تعاملك مع الناس أعذارهم ، وتسامح عثراتهم ، وزلاتهم ، قال تعالى :”ولا تستوي الحسنة و السيئة ادفع بالتي هي احسن ،فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم” وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه” لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن الا خيرا”
8. الاعراض عن الجاهلين ، قال تعالى :” خذ العفو وامر بالعرف ، واعرض عن الجاهلين” وقال في نفس السياق ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا ،وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” فكن عبدا لله ، صالحا مصلحا، امش في الارض بسكينة ووقار، واذا خاطبك الجاهلون السفهاء بالأذى فأجبهم بالمعروف من القول ، وخاطبهم بخطاب سلم وسلام ،بخطاب عفو ومعروف ،إذ لا حيلة مع هؤلاء النوع من البشر الا الاعراض ، و الابتعاد، و الانفكاك ، باقل إثم وذنب ممكنين ، وقل ” اللهم انك تحب العفو فاعف عني ” ، واخيرا ، هذه قواعد متينة ، وامور بليغة ، واركان رفيعة ،اخلاق، وتقدير للناس، واحترام لطبائعهم و ظواهرهم ، وأدميتهم ، مع تغافل عن أخطاء هم ، وقبول لأعذارهم ، وإعراض عن الجهلة منهم ، بها نفوز برضا الناس، ورضا رب العالمين .
الجمعة 18/06/2021 موافق 06 ذو القعدة 1422