رأي

أحمد كافي يكتب :أخطاء الفقيه مولود السريري

الدكتور احمد كافي

حدثني صاحبي عما كتبته من الرد على الفقيه مولود السريري المدرس بالمدرسة العتيقة تنكرت
وكان من قوله لي: لو كلمته فيما بينك وبينك لكان للكلام أثر ومكانة عنده.
ولربما مال القلب إلى قولك يا صاحبي، لكن لم أر رأيك مع محبتي واحترامي لما ارتأيت، للأخطاء الآتية التي ارتكبها أخونا مولود:
الخطأ الأول: عدم الرغبة في سماع الرأي المخالف
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن الغلط إذا اعتقد العالم أو العامي أنه غلط، فيجب أن يقوموا به لله تعالى، ولا يعفى من تركه وعدم القيام به كبير القوم أو من دونه. ولقد أذاع رأيه، فعليه أن يستمع موافقة إخوانه له أو مخالفتهم إياه.
وإن من غلطات السيد مولود أنه لا يريد سماع المخالف، بل ويذهب حد عدم الاعتراف به فقها.
الخطأ الثاني: إبطال عمل جمهور المسلمين
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لماذا تخافون من النقد، وهل العالم إذا تكلم يسلم له بكل أقواله، إن هذا هو الجنون. أليس العالم واحد من الناس يخطئ ويصيب. أليس علماؤنا الأجلاء وقد ألفوا الكتب النافعة، وحرروا الفتاوى الراشدة يختمونها بالقول: فإن كان من صواب فمن الله، وإن كان من خطإ فمني ومن الشيطان…
عجيب أيها القائلون قولكم هذا، تنكرون على بعض المذاهب القول بالعصمة لأئمتها، ولا تقولون أنتم بذلك وتعارضونهم، لكن أفعالكم تقول بعصمة العلماء.
وإن الذي أعرفه أن الأخيار لم يكونوا يتحرجون من النقد، أو إيقافهم على الغلطات. ومما أعرفه أن امرأة من حطمة الناس ردت على عمر رأيا له في تحديد المهور، وقامت وسط الناس تقول له: ليس ذلك لك يا عمر…ولما أوقفته على غلطه رضي الله عنه، قال كلمته المشهورة: أصابت المرأة، وأخطأ عمر.
وإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يردون على بعضهم البعض في الفقه من غير تحرج الراد أو المردود عليه. وإذا أخذت واحدة منهن وهي عائشة رضي الله عنها، وما خطأت فيه أباها، وما خطأت فيه عمر، أو عثمان، أو عليا، أو أبا هريرة…كثير جدا، حتى ألف العلماء في الذي استركته عليهم، مما بان لها خطؤهم فيه.
فألف الزركشي كتابه المشهور: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة.
وألف السيوطي: عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة.
ولقد أخطأ الفقيه مولود السريري إذ أبطل صلاة جمهور المسلمين علنا، فاستوجب البيان تصحيح غلطه علنا. وقديما قال العلماء: توبة السر لذنب السر، وتوبة العلن لذنب العلن.
الخطأ الثالث: مخالفته لأصول المذهب المالكي وفروعه
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن المذهب المالكي الذي ينتسب إليه الأخ مولود السريري هو من أوسع المذاهب في تصحيح تصرفات الناس لا إبطالها. وهو أوسع المذاهب أصولا وفروعا في باب التصحيح.
وإن نظرة خاطفة لكتب الفتوى والنوازل عند السادة المالكية تجدهم يقررون المسألة على وفق أصول المذهب وفروعه المختارة، فإذا ما وجدوا عمل الناس قد انتهى إلى ما انتهى إليه، قالوا: وحيث وقع ونزل…في تصحيح منهم لتصرفات المسلمين بهذه العبارة التي درجت على ألسنتهم.
ومن أصول المذهب: أصل مراعاة الخلاف. ومعناه عندهم أن القول الفقهي الذي لا يؤمنون به، وليس قولا لهم، إذا وجدوا الحاجة إليه، أي حاجة من الحاجات الشرعية، إلا وتركوا قولهم وما يدينون الله تعالى به، للقول الذي قاله المخالفون.
الخطأ الرابع: الدعاوى العريضة في القول
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن للفقيه مولود الحق في أن يقول الرأي، وينسبه لأهله، ولو نسب القول لمشهور المذهب أو لقول في المذهب معلوم…ما اعترض عليه معترض، ولكنه أساء من جهتين:
الجهة الأولى: أنه اعتبر هذا إجماعا من أهل القبلة على القول، وهذا خطا جسيم لا يليق السكوت عنه. ونحن ننكر عليه دعواه الإجماع فيما ليس فيه إجماع.
الجهة الثانية: أنه رتب على قناعته هذه إبطال صلاة كل من قال بخلاف قوله، وهذا غلط باليقين، فإن إبطال الصلوات لا تكون بسبب ما تحمله النفوس من أفكار فقهية عنها، بل بسبب ممارسات…ولذلك عندما عرفوا الفقه، قالوا: هو العمل وليس الاعتقاد، فقالوا: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية…
الخطأ الخامس: انعدام الأدب
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن مما أصبح الأخ مولود مشتهرا به هو انعدام الأدب مع المخالفين له، ويجتهد في أن يقذعهم بسيء القول، وينتقي عبارات الذم لهم. فإذا أخذنا مسألة التقاشير التي أهمته منذ زمان، وبعد أن أبطل صلاة الماسح على الجوارب، وأبطل صلاة القائل بصحتها وإن لم يكن ماسحا عليها، تجده لا يتحرج في أن يختم كلامه بالقول للمخالفين له: إن كلامكم تحت قدمي.
لا يليق عند الحديث مع المخالفين، ولفيف منهم من أهل العلم أن تذهب هذا المذهب، وتصرح بأن ما عندكم وما تقولونه تحت قدمي.
الخطأ السادس: فوبيا السلفيين
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن أخانا مولود السريري عنده فوبيا السلفيين، ويهتبل كل فرصة للنيل منهم بقوارص الكلم. وهذا معيب من أمثاله.
وعندي أن السلفيين هم إخواننا، نحبهم ويحبوننا، هذا هو أصل الإسلام الذي يجمعنا معهم. ومشكلتنا في هذا البلد ليست معهم، بل مع اللادينيين، وكارهي الإسلام وأحكامه.
نعم، بعض السلفيين فيهم قلة أدب وصلافة ورعونة وخشونة…لكن فيهم أفاضل وعلماء وصالحين ومؤدبين…وهم وفقهم الله لا يقبلون من إخوانهم هذا التسفل. فلا يليق أن إذا وجدت فرصة للطعن فيهم، أن تنطلق منها بغير هوادة.
فإذا اختلفوا معنا أو اختلفنا معهم، فلا يحق لنا ولا يحق لهم أن يستطيلوا علينا أو نستطيل عليهم. هذا عمل محرم وكبيرة علينا وعليهم.
إنني أعلم من ديني أنه يجب أن يكون المسلم مع إخوانه من اهل القبلة هينا لينا، ومع أعداء الإسلام شديدا، قال تعالى:” محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم” [الفتح:29].
لكن قوما عكسوا منطوق الآية، نسأل الله الهداية لنا ولجميع المسلمين.
وإني إذ أكتب هذه الكلمات، ولم أرد أن أدخل في ترجيح قول على قول، لأني أعتقد أن لكل وجهة في الفقه هو موليها، وأنه يقبح بي أن أنتقص قولا له أهله واعتباراته. لكن يجب على أمثال الأخ مولود السريري أن يسمع هذه الكلمات، وأن ينظر في تصرفاته وأقواله كي تأخذ مكانتها من معين أدب الإسلام وقواعده التي إذا ما تمسك بها كانت العواصم من عدم الإنكار على المخالفين، وليتمدد كما شاء في بيان اختياره وما عنده.
وإن من مصائب بعض أهل العلم، أنهم بكثرة وعظهم وإرشادهم للناس…اعتقدوا أنهم ليسوا بحاجة هم أيضا لمن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم القول الذي يجب عليهم سماعه. فكما تنصحون الناس وترشدونهم، عليكم أن تسمعوا جيدا لهؤلاء إذا ما نصحوكم أو بينوا غلطكم، وإن دين الاسلام قد أمرهم كما أمركم. وإن قاعدته الشهيرة: لا خير فيكم أيها الناس إن لم تقولوها، ولا خير فيكم أيها العلماء إن لم تسمعوها وتنتفعوا بها.
والله الموفق لصالح الأعمال والأقوال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى