
أضرم أحد عناصر القوات الجوية الأمريكية، يلقب قيد حياته بوشنيل، النار في نفسه خارج السفارة الإسرائيلية في العاصمة واشنطن، أمس الأحد، وفقًا للقوات الجوية والسلطات المحلية. وتوفي بوشنيل لاحقا جراء جروحه البالغة وفقا لما نقلته مصادر أمريكية.
كرر بوشنيل ذو الخمس وعشرون ربيعا وهو يسير نحو السفارة الإسرائيلية “لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية. أنا على وشك المشاركة في عمل احتجاجي متطرف”.
وحين سكب على نفسه البنزين وأشعل النار في جسده كان يصرخ بأعلى صوته (الحرية لفلسطين free Palestine)
تذكرنا هذه الحادثة باحتجاج الشاب التونسي البوعزيزي في 4 يناير/ كانون الثاني 2011 ،عن عمر يناهز 26 عاما بعد أن أشعل النار في نفسه احتجاجا على النظام الذي منعه من كسب لقمة عيش كريمة، وهو الذي عاش ضحية موظفي إنفاذ القانون التونسي الذين قاموا بتغريمه ومصادرة منتجاته والمكاييل التي يستعملها في تجارته، بل تم الإلقاء به آخر مرة على الأرض. وتعتقد عائلة البوعزيزي أن الإذلال وليس الفقر هو الذي أدى به للتضحية بنفسه.
فما وجه الشبه بين حادثة تونس التي كانت شرارة الثورات العربيه وأسقطت عروشا وغيرت معالم منطقة سادها الاستبداد والفساد وبلغ أوجه بعد الاستقلال عن الإستعمار الأوروبي الأخير..؟!
هناك تقاطعات بين الحادثتين غير التشابه في طريقة الاحتجاج بإضرام النار في الجسد، فماهي وماذا يمكن أن نستشرف من حادثة واشنطن؟!
أولا: كلا الشابين البوعزيزي العربي وبوشنيل الأمريكي وهما في سن واحدة قد بلغ بهما الحنق والغضب على النظام الذي يحكم بلديهما مبلغا لم يجدا معه من سبيل لإبلاغ احتجاجهما إلا هذه الطريقة القاسية والمتطرفة..!
فكلا النظامين تونس/بنعلي وأمريكا/بايدن موغلان في الاستبداد، إلا أن رقعة استبداد بنعلي صغيرة جغرافيا وإن كان لها امتداد جغرافي أوسع وهو الوطن العربي الذي يرزح تحت نير الاستبداد والفساد، بينما رقعة استبداد بايدن تعم العالم باعتبار دولته قائدة العالم، وللوطن العربي وفلسطين خاصة النصيب الأوفر من ظلم وفساد البيت الأبيض الذي ابتدع ميزان الكيل بمكيالين..!
لقد شعر الطيار الأمريكي بوشنيل بما كان يشعر به البوعزيزي، شعر بالحكرة وهو الذي تم تكليفه بقصف أطفال أبرياء ونساء ورجال ذنبهم الدفاع عن حقهم في الحرية والاستقلال..!
لم يفهم بوشنيل الأمريكي كيف يسوق طائرة ف16 أو ف35 ذات الصنع المذهل والقوة الهائلة ليقنبل بها شعبا بعيدا عن أمريكا تمت مصادرة أرضه وأمواله لمصلحة شعب آخر ودولة أخرى يتم غرسها بالحديد والنار؛ وهو نفس شعور بوعزيزي تونس أمس وهو يجر عربة بسيطة بائعا متجولا..!
ليست العبرة بعربة بسيطة أو طائرة بتكنولوجيا بالغة التعقيد..!
لا..! العبرة بالإنسان كما خلقه مولاه، إنه نفس الإنسان يحمل أشواقا وآمالا وتطلعا للحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية..إنه الإنسان في تونس أو في واشنطن..الإنسان يسوق عربة أو يسوق طائرة..
فالكرامة خلقت في جيناته يرثها كابرا عن كابر، وهذه الكرامة إذا تم هدرها تأتي مرحلة ينتفض صاحب الكرامة المهدورة ليقتص من ظالمه..!
لكن ماذا بعد احتجاج الأمريكي بوشنيل؟!
هل سنشهد ربيعا أمريكيا يجتاح الولايات الامريكيه وربما أوروبا كما حصل مع بوعزيزي تونس حيث انطلقت شرارة الثورات العربيه من مدينة سيدي بوزيد الصغيرة إلى تونس كلها ثم الوطن العربي برمته..؟!
الراجح أن بوشنيل وهو يختار طريقة الحرق القاسية لجسده كان يستحضر حادثة البوعزيزي قبل 13سنة خلت، واختيار السفارة الإسرائيلية بواشنطن له دلالاته كما لا يخفى، فهو يبعث برسائل عدة:
أولها رسالة للتاريخ لأن هذه الحادثة بزخمها وثقلها ستحفر لها في الذاكرة التاريخية مكانا لا يقل أهمية وخطورة عن حدث11شتنبر الذي هز بعنفه الشعور الأمريكي ..
الرسالة الثانية موجهة للجيش الأمريكي أن ينتفض ضد هذا الجور والفساد الذي يقوده السياسيون ويلقون بالعساكر في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل..!
الرسالة الثالثة مفادها أن إسرائيل أضحت عبئا علينا اقتصاديا وعسكريا وأخلافيا فهي توردنا المهالك والكوارث وتنسف رأس مالنا في الديمقراطية وحقوق الإنسان..
الضابط الأمريكي اليوم يشعر بنفس الشعور الذي كان يعتمل داخل الأمريكي الأسود اللون، إنه شعور بالرق في أقبح تجلياته وهي خدمة مصالح طبقة سياسية فاسدة ولوبي صهيوني متنفد مهيمن على مراكز القوة ومؤسسات المال والإعلام..
إن الأمريكي لا يمكن أن ينسى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب التي اندلعت سنة 1861و كان من أهم أسبابها الرق، وتشير الإحصائيات وتقارير المؤرخين إلى أن هذه الحرب الدامية خلّفت أكثر من 750 إلى 800 ألف قتيل من الجانبين، الاتحادي والكونفدرالي، وهذا الرقم يفوق خسائر الولايات المتحدة في جميع الحروب التي خاضتها، بما في ذلك الحربان العالميتان الأولى والثانية..!
والعديد من المراقبين اليوم يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تحضن مسببات حرب أهلية أخرى ربما تكون أكثر فتكا بالمجتمع من سابقتها فهل أطلق الطيار الأمريكي شرارتها؟.!
فالأزمة حول قانون الهجرة الذي كان السنة الماضية مثار جدل بين الرئيس الحالي بايدن وسلفه ترامب جعلت أولئك المراقبين يترقبون الأسوأ..
تواجه المدن الأمريكية على الحدود مع المكسيك والتي يبلغ طولها 3100 كيلومتر، تدفقا كبيرا لمجموعات المهاجرين. وقالت شركة الحدود إن عدد المهاجرين بلغ في الأشهر الأخيرة من عام 2023 نحو 10 آلاف يوميا.
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أصابها لهيب نار صواريخها قنابلها التي دمرت قطاع غزة.