
عندما أقدمت على تأليف كتابي “الأقلية الخادعة عبر التاريخ حامية للفكر الظلامي والسلطوي والسياسي”، فلأنني على بينة تامة من كون الظلاميات الدينية أداة للاستغلال والتباهي والتفاخر في يد ثلة من الإسلاميين والعلمانيين في الوقت ذاته؟
فالمؤرخ الذي تحدث مع عصيد على شاشة التلفزة المغربية، من المتخرجين معي من معهد محمد الخامس بتارودانت والمعروف بالمعهد الإسلامي قبل تغيير هذا الإسم، مما يعني أن الرجل إسلامي الهوية بالمعنى المفهوم المطلق. فقد ترجم القرآن الكريم إلى الأمازيغية كما هو مشاع. في حين أن رفيقه ـ وهما على الشاشة يتحدثان عن سبعة رجال ـ علماني قح إلى حد مشاركته في النظر إلى دين الإسلام نظرة مشينة مع أمازيغي آخر معروف باسم “رشيد أيلال”! يعني طعنه في الإسلام وأنه غير إلهي المصدر، وأن الفتح الإسلامي الذي عرفه المغرب مجرد لون استعماري لأغراض مادية قبل كل شيء؟ مما يثير استغرابا هو بالذات: الاتفاق التام بين أمازيغيين: عصيد، وجهادي على الإشادة بسبعة رجال منطقة شياظمة المعروفين لدى العامة والخاصة ب «الركراكة الأحرار”. والذين كانوا إلى الأمس القريب يمارسون التسول مقابل إغداقهم للبركة على من يمدونهم بأعطيات مالية أو حيوانية! وكنت أنا بالذات من خدعوا بما يدعونه ويزعمونه؟
ففي “الحلل السندسية في الأخبار التونسية” نقرأ ما يلي: “وحدثني شيخنا أبو العباس أحمد برناز قال: أخبرني شيخنا احمد المغربي في أيام قراءتي عليه ببلاد الزواوة، أن ببلاد المغرب مقبرة فيها عشرة من الصحابة، بعثهم أهل المغرب رسلا لرسول الله ص، فدخلوا مسجده الشريف، فلما وقفوا سألوا عنه ص بلسانهم: آدامازان إيربي”. وهي كلمة بربرية، فآدا معناها: أين وآمازان معناها رسول. وإرب معناه ربي. فأجابهم رسول الله ص بقوله: “آشكاب”؟ معناها والله أعلم: أي شيء تريدون؟ انتهى من خطه”؟؟؟
والخرافة هنا مفخرة للأمازيغ أينما وجدوا، وفي مقدمتهم: جهادي الحسين. وأحمد عصيد. ثم إنها معجزة لرسول الله الذي تحدث إلى الرجال الأمازيغ بلغتهم الخاصة. إضافة إلى أنها تثبت كيف الصحبة تمت للعرب ولغير العرب. إذ الصحابي هو كل من قابل رسول الله، وأسلم على يديه، ومات على الإسلام (وبشرى للأمازيغ على لسان ممثليه المثقفين)؟؟؟
فها هو عقبة بن نافع الفهري يقف بالمواطن التي يقال إن أضرحة الرجال السبعة، أو العشرة المذكورين، توجد بها، والواقع أن المدعو منهم بوخابية والمدعو بالشماس لم يظهرا في الصورة التاريخية، لا في “تاريخ الأمم والملوك” للطبري، ولا عند ابن كثير في “البداية والنهاية”، ولا عند ابن الأثير في “الكامل”، ولا عند ابن عذاري المراكشي في “البيان المغرب”، ولا عند ابن خلدون في “كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر”، ولا عند البلاذري في “فتوح البلدان”، ولا عند الناصري في “الاستقصا”. يعني أنه لا أثر للركراكيين السبعة أو العشرة في نشر الإسلام بالمغرب؟ ولا أثر لقصة اتصالهم المؤكد بالنبي ص؟ مما يعني أن حكايتهم ملفقة موضوعة مصنوعة؟ بحيث يكون من باب التضليل والتخلف أن يمد أمازيغيان عنقيهما لاقتفاء أثر ظلاميين، لم يخطئ الدكتور محمد الفايد في وصفهم بالكهنوتيين؟
ونشير مرة أخرى إلى ارتكاب متن الكذب من طرف ظلاميين مغاربة، ومن طرف ظلاميين تونسيين، مع إلحاحنا الشديد على فضح ما ارتكبه هؤلاء وأولئك من بهتان عظيم؟
يقول صاحب كتاب “رياض النفوس الزكية” التونسي ص 1/7 قال رسول الله ص: “بساحل قمونية باب من أبواب الجنة يقال له المنستير، من دخله فبرحمة الله، ومن خرج منه فبعفو الله”؟ وقال عن أنس بن مالك عن رسول الله ص: “من رابط بالمنستير ثلاثة أيام وجبت له الجنة. قال أنس: بخ بخ يا رسول الله”!
وحتى نوضح أكثر ما يمكن تسميته بالتنافس الظلامي البدعي بين كهنوتيي الشمال الإفريقي الإسلامي والعربي، نورد ما روي عن النبي ص بخصوص مدينة فاس. فقد وجد في كتاب إمام المغرب: دارس بن إسماعيل الفاسي، المعروف بابن ميمونة، بخط يده قال: حدثني ابن أبي مطر بالإسكندرية قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن المواز: عن عبد الرحمان بن القاسم (تلميذ مالك وشيخ سحنون)، عن مالك بن أنس، عن محمد بن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا قوله ص: “ستكون بالمغرب مدينة تسمى فاسا، أقوم أهل المغرب قبلة وأكثرهم صلاة، أهلها على السنة والجماعة ومنهاج الحق، لا يزالون متمسكين به لا يضرهم من خالفهم، يرفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة”؟؟؟
وأتذكر هنا كيف أنني خصصت مقالة لواحد من العلماء الرسميين هو مصطفى بن حمزة، بخصوص غرقه في الترويج لبدعة قراءة القرآن جماعة، فطلبت منه تقديم دليل واضح على أن قراءته كذلك من فعل الرسول أو من قوله، أو من تقريره؟ لكنه لزم الصمت لكونه في صف واحد مع الكهنوتيين المنهمكين في تنويع التبدع المنهي عنه عقلا ودينا بحجج دامغة؟ إذ لما قدم الاستقلالي شباط ما اعتبره هوية خاصة بالفاسيين للافتخار على غيرهم من المنتمين إلى مدن مغربية أخرى غيرها، ثارت ثائرة بن حمزة مستنكرا الحديث النبوي المذكور عن فاس، موضحا بأنه حديث موضوع لا أصل له، وأن في سلسلة رواته الإمام مالك بن أنس وأبي هريرة.
والواقع أن نقده للاستقلالي الفاسي الذي استشهد به، يريح النفوس الزكية، غير أن سكوته كبقية من يعدون أنفسهم علماء رسميين، سكوت يلام عليه، وهو عملية يشارك فيها كافة المنتمين إلى المجلسين العلميين: المجالس العلمية الجهوية، والمجلس العلمي الأعلى. ولكل راغب في التأكد من هذه الأطروحة أن يعود إلى أكثر من مؤلف لي: “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية”، وقبله مؤلفي عن “التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر”.
مع التصريح مني بأن مركز الظلاميات الصوفية الطرقية على وجه التحديد هو مدينة فاس! يكفي أن قمة البدع بها ظهرت، ومنها انتشرت، إنها التجانية التي ينطق كتاب مؤسسها “جواهر المعاني” بأقبح وبأبشع ما نسب قوله إلى الرسول ص! فالتجاني يجلس إليه في اليقظة على حد زعمه، ويستفتيه، ويستفيد منه ما لم نجد له سندا في أحاديثه ص، كما أننا لم نجد له قبولا في العقل. فقد ذكرت في الحلقة الأولى من هذه المقالة مسمى “صلاة الفاتح لما أغلق”، والتي قال التجاني بعظمة لسانه أن النبي ص أخبره بكون أجر تلاوتها مرة واحدة، يعدل أجر من ختم القرآن ستة آلاف ختمة. وأن النبي ص، ومعه صحبه الكرام، يحضرون عندما يصل التجانيون في أذكارهم إلى مسمى “جوهرة الكمال”، والتي هي بدورها من كلامه ص! إلى آخر ألوان من الضلال الذي يتضمنه المرجع الأساسي للتجانية، نقصد “جواهر المعاني” المذكور قبله؟
وما أوضحناه هنا يحملنا على التساؤل عما إذا كان في الحديث الموضوع الذي يفتخر به أهل فاس، يمثل واقعة سكان هذه المدينة حتى الآن، أو أي وقت آخر قبل الآن؟ فهل أهلها فعليا “أقوم أهل المغرب قبلة” وأنهم على منهاج السنة والجماعة، أكثر من سكان أي منطقة أخرى بالمغرب؟
فلو خصصت للفكر الديني الفاسي مقالة أو مقالتين، لاندهش أهل فاس مما صدر عن علمائهم وصوفييهم من البدع التي تدل على تفننهم في الإساءة إلى الدين الحق؟؟؟ وهذا ما سوف أقدم براهين قاطعة على صحته وواقعيته إن شاء الله عز وجل!!