
تزامنا مع القصف الهمجي الصهيوأمريكي للمدنيين بقطاع غزة وقطع جميع أسباب العيش عنهم من ماء وكهرباء وغذاء ودواء، وفي الوقت الذي ترتفع فيه الضغوط والأصوات الداعية لفتح المعابر وعلى رأسها المعبر الرئيس الذي يعتبر شريان حياة الغزاويين، معبر رفح المصري، تقفز الدولة العميقة هروبا إلى الأمام لتلفت الرأي العام عن هذه المعضلة التي تورط نظاما مترهلا فاقدا للشرعية وللمشروعية ولأسباب الاستمرار، وذلك من خلال إصدار أحكام بالإعدام شنقا على مرشد الإخوان المسلمين الشيخ مبديع وقيادات من إخوانه، وهي جماعة سلمية تشتغل في مجالات الدعوة والسياسة والثقافة والاقتصاد منذ ما يقرب قرنا من الزمن، لم يسجل عليها عنف أو إرهاب إلا ما كان من انفلات التنظيم الخاص الذي تم تأسيسه لمقاومة الاحتلال البريطاني والذي تم حله ، وعد كتاب الشيخ الهضيبي (دعاة لا قضاة) مرحلة فاصلة في تاريخ الجماعة حيث نبذت العنف بشكل نهائي، بل عانت القمع والاعتقال في ظل نظام عسكري قمعي طيلة عقود من وجودها، أشهرها أحداث رابعة التي اهتز لهولها العالم وذهب ضحيتها المئات من المعتصمين سلميا بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي أحد أبرز وجوه الجماعة والذي توفي في قاعة المحكمة بسبب الإهمال الطبي الذي تعرض له في سجنه عقب الانقلاب..!
فلو كان الإخوان جماعة إرهابية تتوسل العنف طريقا للإصلاح لكانت هذه الأحداث الرهيبة كفيلة باستفزازها لتخرج عن السيطرة وتضرب يمينا وشمالا انتقاما لكرامتها؛ لكنها رفعت شعار “سلميتنا أقوى من الرصاص” وصبرت وصابرت..
بعد وفاة الرئيس مرسي صرح الكاتب والمحامي الأردني محمد نواف العودات للعربي21 معلقا على هذا الشعار السلمي بالقول: “إن عبارة المرشد حكيمة، وقد ظهرت حكمتها ونجاعتها بعد كل هذه السنوات، بتجنيب مصر وشعبها ويلات الاقتتال الداخلي، وإبعاد شبح المواجهات المسلحة عنها، والتي عصفت بكينونة دول عربية قوية كسوريا واليمن وليبيا.
ووصف العودات عبارة بديع بـ”عبارة القرن” معللا ذلك بقوله: “خسارة التنظيم أو ظلم 40 ألف شاب إذا ما تم مقارنتها بخسارة الدولة المصرية التي تمثل ثلث العالم العربي، في حال عسكرة الثورة، وإشعال فتيل المواجهات المسلحة، تعتبر أقل الضررين، والمرشد قدر الأضرار فكان حكيما ومرشدا بحق في ذلك” على حد قوله..وواصل شرح فكرته لـ”عربي21″ مشيرا إلى أن نماذج “عسكرة” الثورات والمواجهات، كما حدث في سوريا وليبيا اليوم والجزائر في تسعينيات القرن الماضي نماذج دموية، دمرت البلاد، وقتلت العباد، وجرت على الدول العربية وشعوبها ويلات كثيرة”.
فكيف كان رد فعل النظام إزاء هذا الشعار وما هي رسائل النظام المصري التي يبعث بها للرأي العام الدولي وللداخل المصري من خلال هذه المحاكمات التي يعلم الصغير والكبير جورها وظلمها؟!
يجيب عن هذا السؤال مستشار وزير الأوقاف المصري سابقا الدكتور محمد الصغير بالقول:”ومع شدة تمسك الجماعة بالسلمية، تمسك النظام في مقابلة ذلك بالعنف والدموية، وهو ما نتج عنه آلاف الشهداء، وأكثر من ستين ألف معتقل” مشددا على أنه “ليس مع المواجهة، لكنه يعتبر ما حدث بعد الانقلاب مواجهة بغير إعداد”.
وطبقا لدعاة السلمية ومناهضي العسكرة، فإن تحول الثورات والحراكات من حالة السلمية إلى المواجهات المسلحة المفتوحة يؤدي إلى مخاطر كبيرة، ويوقع في محاذير شديدة، تُضعف الضعيف، وتقسم المقسم، وتفكك الدول، وتشعل الحروب الداخلية بكل دمويتها ومصائبها، وتجعل البلاد ساحة مستباحة لكل العابثين والطامعين، وهو ما يمكن معاينته في الدول العربية التي فُرض على حراكاتها مسار العسكرة.
بشكل مستمر وجهت وسائل إعلام إسرائيلية ورجال دولة اسرائيل اتهامات مباشرة لمصر بتسليح حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، زاعمة أن معظم الأسلحة التي حصلت عليها الحركة جاءت عبر الأنفاق من سيناء.
هذا الاتهام بقيام القاهرة بتسليح حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، والسماح بدخول أسلحة مضادة للدبابات عبر الأنفاق وبالشاحنات القادمة من مصر إلى غزة تنكره بشدة مصر، خصوصاً في عهد السيسي حيث قام الجيش المصري بتعليمات من الرئيس بهدم الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، بتفجيرها تارة وإغراقها بمياه البحر المتوسط تارة أخرى، فيما أقام منطقة عازلة على الحدود المصرية مع غزة، قبل تهجير سكان المنطقة بالكامل، ما اعتبره مراقبون تجفيفا لمنابع “حماس”، وزيادة في حصار قطاع غزة، الذي يمثل صداعا في رأس كيان الاحتلال..!
وبما أن حماس محسوبة على حركة الإخوان المسلمين فإن النظام المصري يبعث من خلال توزيع أحكام الإعدام على قيادات الجماعة برسائل طمأنة للكيان الصهيوني ولسان حاله “نحن وإياكم في خندق واحد ضد الإرهاب “!!
فإلى متى والصراع دائر بين السلطة والجماعات الإسلامية؟!
أما آن الأوان لعقد صلح تاريخي يحقن الدماء ويوحد وجهة الصراع تجاه عدو تاريخي ظهر شره وعدوانه للقريب والبعيد؟!
ألا يتذكر هؤلاء الطغاة يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار؟! أما سمعوا قوله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
وقوله سبحانه في حق من يقتل القائمين بالقسط بين الناس، الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)
وهل قامت هذه الجماعات إلا من أجل إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة القسط بين الناس؟!
فحتى لو صدر من بعض أفرادها ما يخالف منهجها العام لا يجوز أن يعتدى على قادتها بهذه الصورة المشينة..!
فلا حول ولا قوة إلا بالله