رأي

ثلاث مسارات في التعامل مع أحكام الأسرة

د أحمد الشقيري الديني

النقاش الدائر حول تغيير أحكام الشريعة في المدونة يبرز أن الناس إزاءها ثلاث فئات:

– الفئة الأولى تدافع عن عدم المساس بالأحكام التي تعبر عن نصوص قطعية مثل أحكام المواريث أو وجوب الصداق باعتباره ركنا من أركان الزواج وغيرها مما يثار الجدل حوله، فهذه الفئة تعتبر تلك النصوص وحي من الله وهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده.
– الفئة الثانية لا تؤمن بأن النص القرآني وحي من الله بل هو عندها من اجتهاد شخص زعم أنه نبي ليكثر أتباعه وبالتالي ليس لذلك النص أي قدسية ولا يعقل أن نربط مصيرنا باجتهاد بشري وإصلاح راعى ظروف بيئة بدوية بسيطة لم تعرف تعقيدات الحياة المعاصرة، وهذا بالطبع كفر لأنه ينكر أحد أصول الإيمان وهي النبوة..!
وهذه فئة لا تستطيع أن تكشف عن عقيدتها بشكل صريح لكنها تخترق بعض المنظمات الحقوقية التي تطالب بالاجتهاد خارج النص القطعي وتتهم الفقهاء بالجمود والرجعية لتمسكهم بالنص.
– الفئة الثالثة تطالب بتغيير الأحكام القطعية من خلال تقديم المصلحة على النص وفق التحولات التي يعرفها المجتمع ويزعم هؤلاء أن هذا يكون مراعاة لمقاصد الشريعة ويستدلون ببعض اجتهادات الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه..
فهذه الفئة تقدم ما تعتبره مصلحة على النص، فإذا أصبحت المرأة مشاركة في أعباء البيت أو تتحمل نفقة الأسرة فيجب عند الفئة تسويتها في الإرث مع الذكر..!
وهكذا أصبح النص الذي جاء من أجل تنظيم المجتمع وإعادة صياغته وفق أحكام إلهية مطالب بالتكيف وفق الواقع الجديد بلي عنقه أو إبطال العمل به..!
وهذا منهج خطير لأنه يتدثر برداء الاجتهاد لتحريف الأحكام الشرعية، وإذا سلمنا به فلا يبقى لنا دين حتى على مستوى العقائد..!
فبعض الدول الإسلامية التي ترتفع فيها نسبة العمالة الأسيوية اختارت بناء معابد بوذية واستقدام أصنام إليها مراعاة لواقع جديد يفرض احترام الحقوق الدينية لتلك الأقلية البوذية التي توشك أن تصير أغلبية في بلاد إسلامية..!

إن النص الديني جاء من قبل الله تعالى لإصلاح شؤون البشر وتغيير واقعهم من الجاهلية إلى التحضر ومن الكفر إلى الإيمان ومن الظلم والتفاوت الطبقي إلى العدالة الاجتماعية والاقتصادية..
وهذه الأحكام القطعية تدور مع العلة وليس مع المصلحة وإن كانت علة الحكم غايتها تحقيق المصلحة لكن العقول إذا ترك لها مجال تحديد المصلحة دون بوصلة النص يقع الفساد ولابد، ذلك أن العقول متفاوتة في تقدير المصالح، فما كان أمس مفسدة مثل الزنا يصبح اليوم مصلحة لتعذر أسباب الزواج..! وما هو مفسدة عند قوم يعتبر مصلحة عند قوم آخرين مثل الشذوذ الجنسي والتحول الجنسي..وهكذا ..!
الميزان يجب أن يثبت وفي هذا يقول الحق سبحانه (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ؛ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ؛ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)
فأخطر ما ابتليت به البشرية اليوم إضاعة الميزان وغياب مرجعية ثابتة للقيم؛ ولن تجد أعدل وأرحم وأحكم من ميزان الشريعة الذي أنزله أرحم الراحمين رحمة للعالمين..
فعلى المسلمين وقادتهم السياسيين والعلماء والمفكرين أن يقوموا بواجبهم تجاه البشرية الحائرة اليوم بين أبواب الضلال خصوصاً في شؤون الأسرة المستهدفة من لوبي الشواذ والمغيرين لخلق الله المفسدين الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها..
هذه مسألة خطيرة نتحمل فيها المسؤولية أمام الله وأمام الأجيال القادمة كل من موقعه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى