رأي

الحمد لله على جهنم: في أن جهنم هي الكفيل بالانتقام لأهل غزة

عبد السلام البقالي

لا شك أن الجنة نعيم والنار عذاب. وكلاهما جزاء لما يعمله الإنسان في حياته الدنيا. فالله تعالى خلق الناس وأوجدهم في الأرض وبعث لهم الرسل وسن الشرائع والقوانين، وبين لهم سبيل الهداية وطريق الحق. فمن اتبعسبيل الله جعل جزاءه الجنة، ومن اتبع سبل الشيطان والهوى، تفرقت به في مهاوي الردى، وكان جزاؤه جهنم.

فمن المعقول أن نقول: الحمد لله على نعمة الجنة، بل إن الجنة هي أعظم نعم الله على الإطلاق؛ لأن الجنة خالية من كل صفات السلب الموجودة في الدنيا، لا نقص فيها ولا قصور، لا عذاب ولا مشقة، لا حسد ولا بغض، لا ظلم ولا فساد. كل من فيها من أحاسن الناس وأفضلهم. الجنة بهذه المكانة هي جزاء استحقاقي، لا يستحقه إلا خيار الناس وأحاسنهم، أما شرار الناس وظلامهم وخونتهم وعملاؤهم فإلى جهنم ودركاتها.

وإن جهنم وما ورد فيها من أقوال وصفات في القرآن والسنة، ما ينخلع له قلب الإنسان، ويتفطر كبده خوفا ورعبا. حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمد الله على كل حال، إلا حال أهل النار، فقد كان يتعوذ بالله منه. كيف لا وخزنة جهنم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولون جهنم أسود داكن كقطع الليل المظلم، وطعامها من زقوم تتقطع معه أمعاء أكلته وتتفتت فتا، وشرابها من صديد وقيح وعفن. والأدهى من ذلك أن تكون حياة كثير ممن استحقها أبدية خالدة، لا يرى فيها بردا ولا سلاما، إلا عذابا مقيما لا رحمة معه. ومن أقوى النصوص القرآنية التي تكلمت عن جهنم _وهي على كثرتها_ قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  وقوله: “ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ وقوله تعالى:  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا. وقال صلى الله عليه وسلم: “إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً وقال كذلك: “ لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه . وقدأفرد كثير من علماء الإسلام موضوع النار وعذابها بالكتابة والتأليف، من أشهر هذه المؤلفات ما حبره الإمام ابن رجب الحنبلي البغدادي تحت عنوان: “التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار”. 

وعودا على بدء نتساءل جميعا فنقول: هل يصح لنا أن نقول الحمد لله على جهنم؟ الحمد لله الذي خلق النار وجعلها جزاء لمن استحقها بظلمه وفساده ونفاقه وعمالته للكفار والطغاة والبغاة؟  

لقد بحثت في شرعية هذا السؤال في المواقع الخاصة بالفتوى والأحكام الشرعية فلم أجد جوابا دقيقا وقاصدا. وجدت بعض الأجوبة تتعلق بعموم الحمد، كقول العبد: الحمد لله على كل حال. ومن هذه الأجوبة ما وجدته بموقع “إسلام ويب”، والذي جاء فيه: “لا يجوز للمسلم أن يستثني شيئًا من حمد الله تعالى، وعليه أن يتأدب معه، ويرضي بقضائه، فيحمده على كل حال؛ فيقول كما كان النبي صلى الله عليه وسلم- يقول ؛ لأنه سبحانه وتعالى المحمود على جميع الأحوال.

وبالوقوف مع هذا الحكم نجد بأنه حكم عام، يتعلق بالحمد والشكر لله، وفيه وجوب الحمد على كل حال، جيدا كان أم سيئا، خيرا أم شرا، ونحن مأمورون بالإيمان بالقدر خيره وشره. بل إن ذلك يعتبر ركنا من أركان الإيمان الستة. إذا كان الأمر بهذا العموم، فهل النار تدخل فيه؟ وهل هي من خير الأمور أو من شرها؟

للجواب على هذين السؤالين لابد من الإشارة إلى أن الحمد العام المقصود فيما ذكرنا يتعلق بأمر الدنيا، وأن النار من أمر الآخرة، وليست مما يحصل للإنسان حال حياته. فنعطف على هذه الإشارة السؤال الآتي: هل يصح للعبد أن يحمد الله على وجود النار والعقاب بها لمن يستحقها غدا يوم القيامة، بسبب أنه تعرض للظلم والقهر في حياته الدنيا من طرف شخص آخر، أو من طرف جماعة أخرى؟ وهذا السؤال هو ما يجمع بين ما تفرق فيما سبق، في هذا السؤال اجتمعت الدنيا والآخرة؛ ظلم الدنيا وعدل الآخرة. نسجل هنا _على الأقل_ أن شرعية السؤال واردة، وأنه ليس من ترف القول. بل أسوق ما يؤكدها من القرآن الكريم وهو قوله تعالى: “فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وتبين هذه الآية الكريمة حمد الله نفسهوثناءه على نفسه لقاء هلاك القوم الذين ظلموا ووقوع العذاب بهم. قال الشيخ الطنطاوي: “وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تعليم لنا، إذ أن زوال الظالمين نعمة تستوجب الحمد والثناء على الله- تعالى. وقال الزمخشري: “والحمد لله رب العالمين إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة، وأنه من أجلّ النعم وأجزل القسم”.

إذا فهمنا ما سبق نستطيع أن نسقطه على واقع الحال، ونحاجج بقوة على شرعيته. فيبقى لنا فقط الواقع الذي ينطبق عليه ما قلنا، ويمثل صورته الحقيقية. ولعل أبرز مثال واقعي نعيشه اليوم، هو واقع غزة المكلومة. التي اجتمع فيها مختلف أنواع الظلم وكلياته، والخذلان واستتباعاته. غزة اليوم يجتمع فيها التقتيل والترويع والاغتصاب والتجويع والتشريد والاستيطانوالعمالة والخيانة.

الوضع في غزة هو أكثر وضع يدفعنا لنقول _مع هذا العجز الذي نحن فيه_ الحمد لله الذي خلق جهنم. خلقها لأجل الصهاينة وأعوانهم الأمريكان، خلقها لأجل كل متعاون على المسلمين، وبائع لهم بأموال الدنيا ولعاعتها، من كل المسؤولين العرب والمسلمين. الحمد لله الذي خلق جهنم لأجل المنافقين وجعل دركها الأسفل لهم خالدين فيها، ممن جعلوا القضية الفلسطينية قضية تتراقص عليها أسهمهم السياسية والدعائية، في المنافسات السياسية والخرجات الإعلامية الخبيثة. الحمد لله الذي خلق جهنم لأجل المطبعين مع الصهاينة، الوالغين في دماء الأطفال والخدج والنساء والشبان. الحمد لله الذي خلق جهنم لأجل الشامتين والمرتزقة من فنانين وإعلاميين وصحافيين. الحمد لله الذي خلق جهنم لأجل كل جبار متأله على إخوانه من بني جنسه.

ثم إننا لا ننس في الأخير أن نقول الحمد لله الذي خلق الجنة وجعل أفضلها منزلة الفردوس الأعلى، وخلق النعيم وجعل أفضله النظر إلى وجهه الكريم، الحمد لله الذي خلق من اللذات والمتع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ كل هذا لأجل السائرين على درب الحق والصابرين عليه، لأجل المجاهدين والشهداء، لأجل الثابتين المحتسبين، لأجل المرابطين على أكناف بيت المقدس. لأجل الذين استرخصوا نفوسهم في سبيل إعلاء كلمة الله، لأجل الذين لم يبيعوا ولم يساوموا وارتضوا حياة العز بمرها ومرارتها. لأجل كل هؤلاء نقول الحمد لله على نعمة الجنة، والحمد لله على وجود النار.

كتبه عبد السلام البقالي. يومه السبت 12 رمضان 1445 للهجرة، الموافق ل 23 مارس 2024.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى