مجتمع

الحوار الإجتماعي بالقطاع العام : المكتسبات والتحديات

العالم الفيلالي

لاشك أن مطلب العدالة الأجرية وتحسين ظروف الموارد البشرية العاملة بإدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والهيئات التابعة لها،يعد أهم الملفات المطلبية شيوعا وأكثرها تداولا ونقاشا على طاولة الحكومات المتعاقبة والنقابات الأكثر تمثيلية في السنوات الأخيرة،وقد ساهمت الضغوطات التضخمية وموجة غلاء الأسعار التي طالت جميع المواد الأساسية والمنتجات الإستهلاكية، والتي أصبح معها تأمين السلة الغذائية اليومية يثقل كاهل المواطنات والمواطنين لاسيما المواظفات والموظفين الذين ينتمون في أغلبيتهم للطبقة المتوسطة ببلادنا،في ظل ثبات في الأجور والتعويضات وبطء في النقاش والمشاورات من جانب الحكومة،مما ساهم في زيادة منسوب الإحتقان بين الموارد البشرية داخل الإدارة العمومية على إختلاف رتبها ودرجاتها .لتنطلق مجموعة من الإحتجاجات والأشكال النضالية إختلفت في الوسيلة لكنها إتحدت في الغاية، والتي نتسأل عن حصيلتها اليوم ومآل مكتسباتها.
في البداية وجب التذكير على أن مأسسة الحوار الإجتماعي وتنظيمه من حيث الزمن والموضوعات كان من جملة المقتضيات التي ضمنتها الحكومة الحالية في برنامجها الإنتخابي،وعلى إثر ذلك دشنت الحكومة نمطا جديدا في تدبير الحوار الإجتماعي يجمع بين تنزيل المخططات والإستجابة للملفات، بدلا مما كان عليه الأمر في السابق والذي إتسم بنوع من الفوضوية والتعنت أحيانا وربط بين رفض الإستجابة والضرورات الظرفية لتسيير شؤون المرحلة. وقد أثرنا رصد جوانب نجاح الحكومة في الحوار الإجتماعي من خلال القطاعات الإجتماعية الرئيسية في بلادنا،حيث سننطلق من الصحة فقد تم على إثر دخول قانون جديد للمنظومة الصحية في سياق تنفيذ المشروع الملكي الطموح المتعلق بالحماية الإجتماعية،الرفع من أجور الكوادر الطبية والتمريضية وإقرار العديد من التحفيزات لمهنيي الصحة، في محاولة لوقف نزيف هجرة الكفاءات الطبية والتمريضية وتحسين دخلها. فيما عجل دخول مخطط تسريع تحول منظومة التعليم العالي مناسبة لنهوض بأوضاع رجال ونساء التعليم العالي، تغير معه النظام الأساسي المتعلق بهذه الفئة التي ناضلت سنوات عديدة من أجل أن تحظى بهذا المكتسب، الذي جاء بحوافز مالية مهمة،ومقتضيات جديدة متصلة بالترقية. في حين شكل قطاع التربية والتعليم الإستثناء على مستوى التدخل الحكومي،فقد فجر النظام الأساسي الخاص بموظفي القطاع الذي تم إصدار ضمن خريطة الطريق المتصلة بتنزيل القانون ، 51.17 موجة إضرابات وإحتجاجات إستمرت لأزيد من شهرين،قبل أن تتدخل الحكومة وتعتمد نظاما معدلا لنظام القديم بعد جولات مارطونية مع النقابات الأكثر تمثيلية للقطاع،لعل أبرز مخرجاته تتجلى في منح إدماج أطر الأكاديميات ومنحهم صفة موظف عمومي،وإنهاء الملفات المطلبية الفئوية بعد أن عمرت لسنوات،هذا دون أن ننسى الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع العام إلى3500 درهم. ومن الملاحظ أن الحكومة إتجهت للمعالجة الفئوية لقضايا شغيلة القطاع العام،بدلا من التدخل الشامل سواء عن طريق النظام الأساسي للوظيفة العمومية الذي يعتبر الشريعة العامة للتوظيف،أو من خلال إصلاح الأنظمة الأساسية وملائمة مقتضياتها بصرف النظر عن القطاع،مما يجعل مآل هذه المكتسبات على المحك،خاصة في ظل تحرك قطاعات أخرى على غرار موظفي الجماعات الترابية الذين خاضوا إضرابات متتالية في الأشهر الأخيرة،كما دعا مفتشو الشغل وفئة المتصرفين المشتركين بين الوزارات الحكومة للإنصات لمطالبهم. ونحن اليوم على بعد ثلاثة أسابيع من فاتح ماي والذي يصادف عيد الشغل،حيث دأبت الحكومة على إبرام إتفاقيات تاريخية مع النقابات الأكثر تمثيلية في إطار توطيد صرح الحوار الإجتماعي،فمن المرتقب وضع الإطار العام لإصلاح منظومة التقاعد الذي يشرف رئيس الحكومة على تتبعه بشكل مستمر،. والذي أضحى يطرح تساؤلات كثيرة حول جدوى التدبير الفئوي لملفات الموارد البشرية العاملة بالقطاع العام،وعن تأثير غياب العدالة الأجرية بين القطاعات والتباين في التحفيزات والإمتيازات على الإصلاح المرتقب لصناديق التقاعد،والذي تتوجس منه معظم الشغيلة سواء في القطاع العام أو الخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى