رأي

حوار بين العقل المسدد والنفس الأمارة

بقلم أحمد الشقيري الديني

دخل العقل المسدد بالوحي في صراع مع النفس الأمارة التي يؤزها الشيطان للمعاصي أزا فكان هذا الحوار الشيق بينهما..
تقول النفس الأمارة: أنا وأنت جيران نسكن هذا الجسد لكنك ترفض أن تنقاد لأوامري بالرغم من علمك أن السعادة في تلبية رغباتي فأنا موطن الشهوة والغرائز التي يسعد من يشبعها ويرويها ويشقى من يكبتها ويلجمها..!
فأجاب العقل المسدد بالوحي: أما علمت يا جارة السوء أنني القوة الواعية في هذا الجسد أتخذ قراراتي على ضوء الوحي الإلهي الذي ألهمني أن الفلاح والسعادة في مخالفتك، فأنت نظرك قصير لا يتجاوز لذات فانية يعقبها شقاء دائم، بينما النظر البعيد يسعى للمتعة والسعادة الدائمة التي لا تنال في الدنيا الفانية بل في دار القرار..
قالت النفس: دعك من هذه الفلسفة وانظر حولك لتكتشف أن هذا العالم تحكمه الشهوات والغرائز، فالأقوياء اليوم هم الذين أطلقوا العنان لشهواتهم فسادوا وحكموا بحسب ما أمليه عليهم وبقدر استجابتهم لهذه الإملاءات التي ينال من خضع لها السعادة والسؤدد..!
قال العقل: أنا خبير بمصالح هذا العالم وخبير بحدود الاستفادة من القوة الشهوانية التي تمثلين، وأيضا أعرف مدى الدمار الذي يلحق بمن يطلق لك العنان وينقاد لرغباتك دون لجام..!
لقد جعلك الله دافعا لعمارة الأرض واستمرار الإنسان في الوجود وجعلني حارسا عليك لئلا تظلمي وتعتدي وتطلبي ما لاحق لك فيه..فأنا مستعينا بالوحي الإلهي أحجزك عن الظلم الذي ينشأ عن صراع الإرادات والأهواء..
قالت النفس: وما الضرر في الانقياد التام لرغباتي وأوامري؟!
أجابها العقل : ما ترغبين في إشباعه لا ينال في هذه الدار الدنيا كاملا، بل لابد من الصبر على بعض ما تشتهين، فهذه الدار طبعت على كدر وتعب ونقص وابتلاء ومحن، وإنما السعادة كل السعادة في الدار الآخرة حيث ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..
قالت النفس: ولماذا الأقوياء اليوم الذين سادوا وهيمنوا هم من ينقادون لرغباتي وينزلون على أوامري؟!
أجابها العقل: هؤلاء أقوياء لأنهم استعملوني في كشوفات واختراعات وتدابير ما كان لهم أن يحرزوها من غير مساعدتي لهم، فكنت مفتاحا لهم لهذه العوالم في البر والبحر وخارج الكوكب..
النفس الأمارة: وأيضاً لأنهم جعلوا لي فضاءات واسعة في مجتمعاتهم وبرامجهم ومخططاتهم، فهل تنكر أن الحرية التي ينادون بها من شرطها الأساس إطلاق الغرائز من عقالها؟! بينما أنت تريد كبتها وحصرها في زاوية ضيقة بدعوى أن لها بعثا آخر في دار أخرى تترقى فيه لتسعد أو لتتألم في خلود لا فناء معه..
العقل المسدد: إن النظام والقوة اللذان يطبعان عالم اليوم مردهما الانضباط لقوانين العقل، بينما الظلم والفوضى والتفاوت الطبقي الموجود مردها الرغبة في إشباع حاجاتك أيتها النفس الأمارة، والشرع جاء ليقيم الوزن بالقسط بين مقتضى الشهوة وحكمة العقل فأنتج من تحاورينه وهو العقل المسدد بالوحي..
النفس: لا تعطيني دروسا في الأخلاق فهي خرافة ابتكرتها لتحد من نشاطي وقد قطعت أشواطا في التحرر منها..
العقل: الشيطان يحجب عنك الحقيقة ويحجب عنك المعاني الجميلة وقيم العدل لأنه بذلك يستطيع أن يركبك ويسخرك في تدمير هذا العالم وتدمير الإنسان والأسرة وما به صلاح الأحوال..
النفس: ما دخل الشيطان في حوارنا؟! هذا صديق يحترمني وأحترمه وليس بيننا مشاكل إلا ما تسعى إليه أنت، فدعك من إيقاد نيران العداوة بيننا..
العقل المسدد: إنما أرشدك لما فيه صلاحك وعافيتك وأعرفك بعداوة هذا اللعين الذي تتخذينه وليا وهو عدو ظاهر العداوة بشهادة الوحي الذي جاء به الأنبياء والرسل عليهم السلام.
النفس: دعك من الوعظ والإرشاد وانظر إلى النتائج والمآلات، المجتمعات المتقدمة اليوم هي التي أرأس فيها وأربع ولو كان في تقيدي مصلحة لقيدوني بالسلاسل، بينما الواقع يشهد أنني أحتل يوما بعد يوم مساحات أوسع في هذه المجتمعات المتقدمة، أما المجتمعات المسلمة أو المتأسلمة فهي متخلفة لأنك بإصرارك على ارشادات الوحي أبعدتها عن أسباب التقدم والرفاهية والازدهار مبشرا إياها بحياة أكثر سعادة وهناء..!
العقل: أنا معك في النظر للمآلات والنتائج، وسأعدد الكوارث التي أصابت تلك المجتمعات المتقدمة بسبب انقيادها لأوامرك، أما ما حققته من مصالح فقد ذكرت لك سابقاً أن مرده لاحترامها قوانين العقل والبحث العلمي..
من تلك الكوارث التي تنذر بفناء مجتمعات انقادت لداعي الشهوة ومقتضى الغريزة:
أولا: اندثار الأسرة
فلا يخفى على ذي بصيرة أن هذه المجتمعات تسير نحو الانقراض، فهي مجتمعات في طور الشيخوخة المنذر باختفاء مؤسسة الأسرة وذلك راجع لما أحدثه بعض فلاسفة الأنوار من هزات عنيفة للعلاقة بين الجنسين التي لم تعد لها حدود لا من عقل ولا من وحي، حتى بلغت بهم الجرأة لتقنين العلاقة بين المثليين والاعتراف بأسرة مشوهة من رجلين أو امرأتين..!
وهذا كله تلبية لوسوستك وما يلقيه عليك الشيطان من خواطر..
وبهذه العلاقة المريضة ستختفي الأسرة في تلك المجتمعات العقيمة..!
ومن جانب آخر هذه حضارة قائمة على الطغيان واستعباد الشعوب واستغلال ثرواتها، ومن أجل ذلك طورت أسلحة دمار شامل كافية لإفناء البشرية، وهذا أيضاً استجابة لداعي الشهوة الغضبية والسيطرة على مصالح الغير..
فإذا كانت الحرية الجنسية مدمرة للأسرة ومنذرة باختفائها في تلك المجتمعات فإن الاستجابة لداعي الشهوة الغضبية منذر بزوال العالم وفنائه..
وكل هذا وراءه النفس الأمارة والشيطان..فأنت سبب شقاء هذا الإنسان الذي كرمه خالقه بالعقل المسدد بالوحي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. النفس الأمارة بالسوء تجري وراء سراب الشهوات الدنيا فتفقد الطمئنينة. سخط الله عليها.
    النفس المطمئنة تنال رضا الله.
    { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي }

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى