
عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله، قل لي في الإسلام قولا، لا أسأل عنه أحدا بعدك، وفي حديث أبي أسامة: غيرك، قال: “قل: آمنت بالله، فاستقم”. رواه مسلم.
هذا السائل ذكي ويتقن منهج الاستفادة من الرسالة النبوية. لأنه يبحث عن قول في الإسلام لا يسأل عنه أحدا بعد أوغير رسول الله عليه الصلاة والسلام. سؤال محكم والجواب كان جامعا وحكيما لأنه عليه الصلاة والسلام أدرك سيكولوجية السائل والسؤال، فهو من جوامع الكلم. لذلك قال النووي رحمه الله “ليس لسفيان بن عبد الله في صحيح مسلم غير هذا الحديث، وقد عينه عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسؤولا على الطائف، الطائف لها دلالات معبرة أثناء بداية الدعوة وبعدها. ومعيار التعيين الإيمان بالله والاستقامة، القوة والأمانة.
كون الرجل يريد نصيحة من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يسأل أحدا غيره لأنه يريد أن يعمل بها ومن تم سعى إلى تحرير المناط المرجعي للوصية. هذا باب كبير من أبواب طلب العلم. فيه إشارة إلى التكاملية بين القلب والجوارح، بين الإيمان والاستقامة بين التجلي والتخفي. بذلك أدرك الخير كله قال تعالى: “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” سورة الأحقاف الآية 12.
إن الاستقامة سلوك حضاري لا انزياح فيه. إنه تخلية وتحلية. يرقى صاحبه بالطاعات ويتدهور بالمعاصي. ومن شروطها كما حددها العلماء: التمسك بالخير كله والثبات عليه والصدق والوفاء، إنه ترق في سلم مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين. هذا هو طريق النجاة لأنه لا إيمان بدون استقامة. إذا كان الإيمان اعتقاد وقول وعمل فالاستقامة تنفخ فيه روح العزة والثبات والخشية. وبذلك الاستقامة اختبار للإيمان وصحته. إنها جدلية بين الباطن والظاهر تفاديا للفساد والموت المغلف بالحياة وفقدان الكرامة التي هي عمق الاستقامة.
نشير بأن الإنسان ليس ملائكة فهو يخطئ ويصيب و”كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”. كما قال الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام. وتشكل التوبة والاستغفار جزءا لا يتجزؤ عن الاستقامة، والحسنة تمحو السيئة. لذلك قال عليه الصلاة والسلام “سددوا وقاربوا”.
إن العبد عندما يتمثل هذه المعاني يرزقه الله تعالى السكينة والطمأنينة والرزق الحسن والفوز بالجنة ورؤية الله يوم القيامة والحياة الطيبة إذن فهل نحن مستعدون للاجتهاد في الطاعات، ومجاهدة النفس، والتفقه في الدين، واعتماد الإخلاص والصواب، والالتزام بقراءة القرآن والدعاء الصالح والرفقة الطيبة والمخالطة الإيجابية وتبني منهج الوسطية والاعتدال؟
من خلال هذا الجرد المتواضع لشرح هذا الحديث حسب بعض علماء الأمة يمكن استنباط المخرجات التالية:
-سؤال الصحابي حكيم وجواب النبي عليه الصلاة والسلام فيه البداية والنهاية لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورا.
-حديث شامل من جوامع الكلم شمل العقائد والأعمال.
-لا خوف ولا حزن مع الاستقامة، فهي واجبة وليست نفلا وعمدة وليست فضلة.
-العلم مفتاح الأمر كله، والعمل الصالح تزكية له، وتوظيف الجوارح في الطاعات عنوان له.
-الأصل في العبادة الثبات والاستمرار، والاستقامة قائمة بفعل الواجبات وترك المنهيات.
-محبة الله وتعظيمه عاملان مساعدان على استقامة البدن والقلب والجوارح.
-الاستقامة منهج قويم لإصلاح الفرد والمجتمع، باعتبارها التزاما بأوامر الله، وإخلاص العمل له، والتمثل لرحمة الله الواسعة لأنها الغاية الكبرى من رسالة الإسلام للعالمين.
فاللهم ارزقنا الإيمان بالله والاستقامة على ذلك. آمين يارب العالمين.