رأي

الماء و عولمة مقاصد الشريعة.

محمد كندولة

من الحقوق الحافظة للأنفس ، حق الشرب لدفع العطش، وحق الاستفادة من الماء لسقي الزرع ،و إعمار الأرض ، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالاستخدام الآمن والصالح لهذه النعمة ، وبالاستدامة بما تعنيه من ضرورة المحافظة على موارد المياه وصونها، وذلك باستحداثات جديدة في الفقه والقانون والإدارة ، كالتنظيم الجيد لاستغلال المياه و التوزيع العادل لها ، وهذا لا يتأتى إلا بفتح الاجتهاد على ضوء مقاصد الشريعة ، وليس بمعايير الأحكام الفقهية الجزئية ، خاصة وأن الماء دخل في التكوين الجمالي للمنشآت المدنية والتجارية والسكنية.و معلوم أن الحضارة الإسلامية التي كانت رائدة في إدارة وتدبير الانتفاع بالماء قصدت إدخال السرور و الراحة على النفس و حتى لا يكون الماء سببا في الاقتتال و ازهاق الأرواح. فكانت الحضارة الأولى التي أنشأت “محكمة المياه” في مدينة بلنسية بالاندلس في عهد الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصري ، غايتها الفصل في المنازعات المائية ، وتحصيل الغرامات وفق نظام إداري بديع يحول دون إهلاك النفس ، وتخريب العمران ، وإتلاف الثمار ، ودون احتراب أو نزاع مسلح.إن الدرس المقاصدي مطالب بتطوير نظرياته وتطبيقاته التي تراعي مصالح الناس في الآجل و العاجل ، فجموده يعزل النظرية المقاصدية عن المحيط الإجتماعي والاكتفاء بالأمثلة القديمة و الأساليب الجامدة و يؤخر الإجابة على قضايا العصر.فبعد فترة طويلة من الإنغلاق واعتماد إجتهاد السابقين جدد أبو حامد الغزالي البحث في المقاصد ، حيث جعل المقصود دينيا ودنيويا ، تحصيلا وإبقاء ، تحصيل يجلب المنافع والمصالح ، وإبقاء يدفع المضار والنجاسات .وأكد هذا المنهج الإمام الشاطبي ، حيث أكد أن الحفاظ على الضروريات يكون بأمرين: أحدهما ما يقيم أركانها ، ويثبث قواعدها ، وثانيهما ، ما يدرأ عنها الاختلال الواقع والمتوقع، وأعطى أمثلة من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات وغيرها.ولأن الشريعة عدل كلها ، مصلحة كلها، رحمة كلها ، ظهرت الكتابة الجديدة في علم المقاصد مع العلامة الطاهر بن عاشور التي أضافت مقاصد اخرى إلى المقاصد الكلية الخمس ، كاعتبار مقاومة الأمراض السارية كنوع من أنواع حفظ النفس ، وتوفير الضروريات للفقراء والعجزة وكبار السن ، لأن بقاء الأنفس مصلحة النظام العالمي ، وهذا لا نجد له مصوغا إلا في الشريعة الإسلامية.” وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين” لذى وجب على العلماء و المختصين في علم المقاصد العمل لتحقيق العالمية المقاصدية ، بصياغة المقاصد العامة للشريعة صياغة تستهدي بالمعاني والمبادئ التي تحقق عالمية رسالة الإسلام الذي يخاطب بني آدم أجمعين دون تمييز ، الإسلام الذي يدعو إلى توفير الغذاء والشرب والكساء والسكن والرعاية الصحية للجميع ، الإسلام الذي يدعو إلى ترسيخ المتطلبات والضروريات المعنوية كالعقيدة والقيم والتعليم والفن والثقافة والأمن والترفيه في الخطط التنموية ، تحت مظلة الرقابة البرلمانية والحكومية. إذن فالدرس المقاصدي مهمته تبيين للناس و لطلاب العلم هذه المتطلبات المحققة للجودة المعيشية الراضية المرضية باستدعاء أمثلة واقعية مصدرها البحوث والدراسات المتخصصة ، المحترمة للمعايير الصحية العالمية، لأن الصحة خادمة لمقصد حفظ النفس لا إلى اهلاكها. فثلوث المياه ، ونذرتها ، او سوء توزيعها ، وارتفاع أسعار ها من بلد لأخرى لا يخدم عالمية رسالة الإسلام ….وأخيرا نقول إن الجمود في البحث المقاصدي و درسه هما القاتلان لنظرية المقاصد ، هما المانعان من صنع واتخاذ القرارات المؤثرة في المصالح الفردية و الجماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى