رأي

إن في ديننا فسحة.

محمد كندولة

تحدثنا عن قص الشعر و الأظافر في العشر الأولى من ذي الحجة وسكتنا.
تحدثنا عن موضوع الاقتراض لشراء أضحية العيد ثم سكتنا. تحدثنا عن الصلاة و الصوم والصدقة في هذه الأيام المباركات وسكتنا.
تحدثنا عن قواعد الاستعمال الجيد للحوم الأضاحي ثم سكتنا.
وكل هذا جميل ، لكن أليس للحديث عن عطلة الصيف الطويلة من فوائد هامة وضرورية ، خاصة وأن الكل يتحرر من الأعمال الجادة المضبوطة بالزمان والمكان خروجا ودخولا ، المضغوطة بترتيبات بيروقراطية قاسية ، للتفرغ والتجوال والاسفار و الأعراس والافراح ، بما يقتضيه ذلك من إعداد مادي ومعنوي ؟، أليس سيحضر بيننا ضيوف اعزاء من الجالية المغربية ، التي عاشت أقصى مرارات العيش تحت وطأة الأمراض النفسية والضغوطات الاجتماعية، في الحال والمآل ، في السفر والترحال؟؟
فالواجب التحضير لاستقبال هؤلاء الضيوف الأعزاء بما يلزم من الحفاوة وحسن الضيافة على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يستقبل الوفود بأحسن لباس ، وألذ مأكل، وأجمل خدمة ، وبأرقى حديث فيما يشغل الناس ، زد على ذلك ، كان صلى الله عليه وسلم يقدم الهدايا عند عودتهم إلى بلادهم البعيدة بالإضافة الى زاد الطريق الطويلة ، بل من الواجب إعداد البرامج للعطلة الصيفية لكل التلاميذ والتلميذات الناجحين والناجحات ، دون نسيان الرجال والنساء و الكبار والصغار ، حتى لا يتعرضوا لسموم البرامج والمخططات الداعية للاستهلاك والهلاك، والترفيه والتسفيه، الشيء الذي يضر بالهوية الوطنية و الإسلامية.
إن الخطاب الجاد ، الحاث على الأعمال والأفعال مع تحسينها ، لا يستقيم إلا مع خطاب اليسر والترويح والترفيه، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:” قال رسولُ اللهِ ﷺ يومئذٍ: لِتَعْلَمَ يهودٌ أنَّ في دينِنا فُسْحَةً، إني أُرْسِلْتُ بحنيفيَّةٍ سَمْحَةٍ ” .
هكذا أعلن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الإسلام ، دين علم وعمل ، دين جد و ترويح وفسحة ، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يقف ضد كل تنطع أو تحجر أو غلو ، فعن حنظلة بن الربيع الكاتب الأسيدي:قال، أنَّهُ مرَّ بأبي بَكْرٍ وَهوَ يَبكي، فقالَ: ما لَكَ يا حَنظلةُ؟ قالَ: نافَقَ حنظلةُ يا أبا بَكْرٍ، نَكونُ عندَ رسولِ اللَّهِ ﷺ يذَكِّرُنا بالنّارِ والجنَّةِ كأنّا رأيَ عينٍ، فإذا رجَعنا إلى الأزواجِ والضَّيعةُ نسينا كثيرًا قال فواللَّهِ إنّا لكذلِكَ انطلِقْ بنا إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ فانطلقْنا فلما رآهُ فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ قالَ: ما لَكَ يا حنظلةُ؟ قالَ: نافقَ حنظلةُ يا رسولَ اللَّهِ، نَكونُ عندَكَ تُذَكِّرُنا بالنّارِ والجنَّةِ كأنّا رأيَ عينٍ، رجَعنا عافَسنا الأزواجَ والضَّيعةَ ونسينا كثيرًا، قالَ: فقالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: لَو تدومونَ على الحالِ الَّتي تقومونَ بِها من عندي لصافحَتكمُ الملائِكَةُ في مجالسِكُم، وفي طرقِكُم، وعلى فُرُشِكُم، ولَكِن يا حنظلةُ ساعةً وساعةً ساعةً وساعةً.”
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوب فهم وعمل وسلوك أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ويقوم من فهم الفهم الخطأ، ونادى بغير ماجاءت به الحنيفية السمحة، فعن أنس بن مالك:قال، جاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْواجِ النَّبيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عن عِبادَةِ النَّبيِّ ﷺ، فَلَمّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقالُّوها، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ ﷺ؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمّا أنا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنا أصُومُ الدَّهْرَ ولا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنا أعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجاءَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذا وكَذا؟! أَما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي.البخاري.
فما هي نظرية الإسلام في الترفيه والترويح والفسحة، ونحن نعيش أجواء العطلة الصيفية، بما لها وعليها؟؟
الجواب في الدرس القادم. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى