
هذه الأيام كثر الكلام عن خطبة الجمعة، وخاصة عندما اجتهد بعض (حكماء) الزمان، وقالوا بتوحيد خطبة الجمعة في كل مساجد المملكة، وهكذا يصبح الإمام ملزما بالتلاوة فقط، دون زيادة أو نقصان لأنها خطبة كافية و شافية كاملة مكمولة، كيف لا وهي قد كتبت من طرف (الحكماء)..!!، و إذا خالف الإمام الأمر واجتهد خارج النص، عندها يكون معرضا ( للنص) بالمفهوم المغربي الدارجي، يعني ببساطة يتم فصله طبعا دون محاكمة ولا يحزنون، ولقد عارض الكثير من المصلين هذا النهج، و اعتبروا ذلك نوعا من الإستبداد و فرض الرأي الواحد، كما أن هناك من حبذ ذلك التوجه تحث ذريعة محاربة الفوضى، المهم دعك من هذا الجدال بين معارض و مساند، و لنتوجه مباشرة للخطبة و شكلياتها الجامدة و مضمونها، لقد إعتاد المغاربة سماع حديث الزجر و الإنضباط، في كل جمعة و كأني بوزير الداخلية المغربي في مشهد كاريكاتوري، يسحب وراءه الأخ الأعرج من مسجد إلى أخر و من جمعة إلى أخرى، ليذكر المصلين فقط بحديث النهي عن الكلام (.. ومن لغا..)، والشهادة لله فقد نجح سعادة الوزير في مسعاه النبيل هذا، حيث صمت ملايين المصلين المغاربة طوعا و كرها، أظن أن رجال الأمن يحبون الأعرج وما يرويه، لهذا السبب و خاصة حديثه عن الصمت ومنع الكلام أثناء الخطبة، و لربما بحث رجال الداخلية بجد في أحاديث الأخ الأعرج، لعل وعسى يجدون ضالتهم في حديث يشفي الغليل، و الذي يكون موضوعه منع الكلام حتى خارج المسجد، ولا يكتفي بيوم الجمعة وحده بل يمتد الى باقي أيام الأسبوع، ولا يعتقد أحد بأن هذا أمر مستبعد أو مستحيل، فقد تمكن رجال الأمن ( الديني) في بعض دول الخليج، من إسكات الناس خارج المسجد وطيلة ايام الأسبوع، تحث ذريعة عدم الخروج على الحكام أو ولاة الأمر، وهكذا يصبح (اللغو) ممنوع أثناء الخطبة وبعدها، داخل المسجد و خارجه يوم الجمعة وفي باقي الأيام، لكن في بلادنا لم نصل لهذا الحد بعد ولله الحمد، ولكن حذار من اجتهاد السادة (الحكماء)..!!، في رأيي توحيد خطبة الجمعة أول خطوة في ذاك الطريق، لقد أقنع حديث الأعرج المصلين المغاربة، وذلك بعد سنين من ترديده على مسامعهم في كل جمعة، وبذلك صمت ملايين المغاربة لسنين عديدة أثناء خطب الجمعة، حيث يحق للخطيب وحده الكلام، يصول و يجول و يقول ما يشاء، بلا اعتراض من أحد ولا نقط نظام من المصلين أو رفع شعارات، واليوم جاء دور الإمام كي يصمت هو الآخر، ليصبح مجرد جهاز تسجيل مبرمج مسبقا، يردد كلام (حكماء الزمان) بالنقطة و الفاصلة، وهكذا نصل إلى عنوان فيلم عادل إمام ( شاهد مشافشي حاجة)، ليصبح العنوان ( إمام أو خطيب مشافشي حاجة)، فقد يرى المنكر في الحي أو المدينة لكنه مجبر على غض الطرف عنه، ببساطة فهذا المنكر ليس هو موضوع الخطبة..!!، إذن فهو غير موجود ولا يحق للإمام الكلام عنه، قد يقول البعض أن وزارة الأوقاف تراجعت عن فرض الخطبة الموحدة، نعم لكن بعد نضال وصمود المغاربة ورفضهم هذا التوجه، فإذا كانت وزارة الأوقاف فعلا جادة في تراجعها، فلتعد الأئمة الذين فصلوا بدون حق إلى منابرهم، وإن لم تفعل فهذا التراجع يعد مجرد تكتيك، ويبقى الهدف الإستراتيجي في فرض الخطبة الموحدة قائما، لكن لابأس أن تنحني الوزارة لعاصفة الإحتجاج مؤقتا، ثم تصبح زيارة موقع الوزارة يوم الأربعاء إجبارية، حيث لا يحق للخطيب أخذ الخطبة إلا منه تحديدا، وهذا الأمر قد وقع في قضية التلقيح ضد كورونا، في البداية قالوا التلقيح اختياري ثم أصبح إجباريا بطرق ملتوية، والسبب الآخر الذي جعلني أشك في نوايا وزارة الأوقاف، هو عدم ذكرهم السبب الحقيقي وراء طرح موضوع توحيد خطبة الجمعة، لأن كلامهم عن تحسين وتجويد خطبة الجمعة، أو منع الفوضى و الفلتان هذه حجج واهية، ولا يصدقها إلا مغفل ساذج، في رأيي أن الإبادة الجماعية في غزة، وتطرق الخطباء لهذا الموضوع والدعاء على جيش العدو، ودعوة المصلين إلى نصرة إخوانهم و تأييد المقاومة، كل هذا قد أوقع زمرة التطبيع في حرج كبير مع الصهاينة، وخاصةان هناك كلام يروج حول موظفين من ديانة أخرى، يشتغلون في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لهذا كانت خطة توحيد الخطبة لتفادي الإحراج، وجعل الخطبة (محايدة) تتحدث فقط عن أكل الطيبات و مكارم الأخلاق، بعيدا عن هموم الأمة الإسلامية والشعب المغربي وقضية فلسطين، والحل في نظري يكمن في العودة إلى الأصل، يعني حرية منابر الجمعة و حماية الإمام من شطط السلطات، وأن نترك الحرية للإمام لتأطير المصلين، طبعا بعدما نعطيه تكوينا متينا في كل العلوم الإنسانية، علم السياسة و الإجتماع والفلسفة وغير ذلك، مسرور المراكشي يهمس في أذن الوزارة ومشتقاتها، إن الشعب الفلسطيني منا ونحن منه مصيرنا واحد، لا يمكن شق الماء بالسيف، نصيحة لا تجعلوا خطبة الجمعة تابعة لهوى السياسة المتقلبة، الحق حق و الباطل باطل فلسطين امانة و التطبيع خيانة✌🏼ملاحظة : لماذا اخترت الكلام عن هذا العالم الحافظ الحجة التابعي عبد الرحمان بن هرمز الأعرج ..!؟، راوي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببساطة لأن الكثير من المصلين لا يعرفون من أحاديثه، إلا هذا الحديث الذي يمنع الكلام اثناء خطبة الجمعة، في حين أن له أحاديث كثيرة تتحدث في مواضيع متنوعة، الجهاد مثلا فضل الشهيد والنهي عن المنكرات ورفض الظلم و لأمر بالعدل…. لكن أصحاب ( الأمن)الروحي في بلادنا اختاروا له هذا الحديث الذي يحث على الصمت، وهذا سر بقاء الناس في منازلهم وعدم الخروج بالملايين نصرة لغزة، حتى تفوق علينا النصارى في درجة نصرة أهل غزة…