
على إثر الحوار الذي أجرته “إطلالة بريس” مع الشيخ حسن العقاد حول رأي الدكتور تقي الدين الهلالي في الطريقة الكتانية، والذي أثار جدلًا واسعًا، كتب الدكتور أحمد كافي ما يلي :
دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع ما عرض له الفاضل الشيخ حسن العقاد من الحديث عن شيخه الشيخ تقي الدين الهلالي، ونسب إليه أنه قال: لقد أسست الطريقة الكتانية لجمع الأموال، وأن محادثة جرت بينه وبين الشيخ عبد الحي الكتاني قد أكد له هذا الأمر؟
وإذن، فكلام أخي حسن العقاد إنما هو في إثبات النسبة؟ هل قال ذلك الشيخ تقي الدين الهلالي أم لا؟
فإن قالها، فليس على الناقل من عتاب، وإن لم يقلها كان ذلك افتراء منه على شيخه، أو على الأقل إن أحسنا الظن به أن يكون اختلط الأمر عليه، وهو اختلاط فادح وقبيح.
الشيخ عبد الحي الكتاني(1):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو عالم كبير، ومؤلفاته المطبوعة تشهد على علو كعبه، وثناء المعاصرين له ممن لقيهم يدل على ذلك. وقد كنت ولا أزال أدافع عن التحامل عليه بخصوص موقفه من الحداث التي تعرض المغرب لها، وكان هو في حمئتها. وكنت لا أقبل منه تصرفه، غير أني أتأول له ما وقع منه، والذي بقي غائرا في صدره عندما تم قتل أخيه الشهيد محمد بن عبد الكبير الكتاني، وترويع أسرته، وأسره والتنكيل به..مما كتب بعضا مما نفسه على المخزن في كتابه: ما علق بالبال أيام الاعتقال”. فتصرف عندما واتته الفرصة على وفق بشريته في التخلص من ثأر قديم…والله يغفر لنا وله.
الشيخ عبد الحي الكتاني(2):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكنت قرأت ردا عنيفا في حقه وأنا طالب علم نسخة في خزانة آل سعود، لابن أخيه الشيخ محمد الباقر في تأليفه:” ترجم الشيخ محمد الكتاني الشهيد” “وقال في عمه كلاما قبيحا، وما يتعلق بموقفه من القضية الوطنية، وتبرؤا منه… وهو نفس الموقف الذي اتخذه محمد المهدي الكتاني كما نقل عنه بعض المؤرخين المغاربة. لكن (الأمانة العلمية) ذهبت حد بتر كل ذلك من الكتاب عندما تمت إعادة نشره.
الشيخ عبد الحي الكتاني(3):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما ألف كتاب:(الشيخ الشهيد) كنت قرأت فيه أن عائلته قد تبرأت من صنيعه، وذكرت فيه أمورا…لم أرتضها منهم، ولم أقبلها من تصرفاتهم، فإن أنفك منك وإن كان..ولكنهم اجتهدوا فيما قاموا به وذكروه في حق الشيخ عبد الحي الكتاني، وهم عندي على خطإ في الاجتهاد. ثم وجدتهم بعد ذلك قد حذفوا هذا الأمر في الطبعات الأخرى كما سبق لي ذكره.
الطرق الصوفية:
ـــــــــــــــــــــــــــ
ورأيي أن المؤسسين للطرق التربوية كانوا يؤسسونها على المحبة والصدق ونشر العلم، كيفما كان توجههم. ثم خلف من بعد خلف أصبحت الارتزاق بالتصوف هي سمتهم. مع أن التصوف كان لنفع الناس، ودفع الحاجة عنهم، وتعليمهم، والشفاعة لهم، والجهاد بهم، وحفظ الثغور بالصلاح معهم. فكانوا مفزع المحتاجين وطلبة العلم..فأصبحت بعد ذلك دكاكين للارتزاق للأسف…وفهم الطغاة والغزاة هذا التحول، فقربوا هؤلاء إليهم أو بعضهم، ومكنوهم من بغيتهم.
الشيخ تقي الدين الهلالي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهو من كبار علماء المغرب أيضا، وقد قرأت له ما كتب الله تعالى لي أن أنتفع به من كتبه، وخرجت بخلاصة عنه أنه حاد الطبع، وعنيف في الرد…لكني لم أجد عنده إلى الصدق فيما يعتقده، سواء في مرحلته الأولى التي كان فيها منتسبا، أو المرحلة الثانية التي تخلى فيها عن الانتساب.
تأسيس الطريقة الكتانية لجمع الأموال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعندما أنصت لأخي الشيخ حسن العقاد تعرضه لقول شيخه تقي الدين في الطريقة الكتانية، وأنها أنشئت لجمع الأموال، لم أر في ذلك غرابة، ولم أر في ذلك طعنا. خاصة وأن هذه التهمة قرأتها عن الشيخ مباشرة في إحدى كتبه. والأمانة العلمية تقتضي أن إذا ذكرنا مسألة تتعلق بالحوالة على شخص أن نكون أمناء في النقل، لا نحرف ولا نغير. وعلماؤنا يقولون: أقوال العلماء حبس، فمن غير أو بدل فالله حسيبه.
أي، أنقل الأقوال كما هي، ثم أعترض أو افق كما أشاء. المهم لا تكذب في النقل. ولذلك لم أعتبر أخي الشيخ حسن قد تجنى في هذه القضية، ولا راغ ولا افترى. فإن يكن من لوم فعلى صاحب القول، وأما الناقل إن صدق في نقله، فلا لوم عليه ولا عتاب.
ومنه، لم يعجبني صنيع من بتر كلام محمد الباقر في عمه.
الدعوة إلى الله والهدية الهادية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم أتذكر قراءتي لهذه القضية التي ذكرها الشيخ محمد تقي الدين الهلالي، لكنني واثق من وجودها عنده، وطول العهد أنساني مظنتها، وبالتأكيد لم تخرج عن أحد الكتابين: الهدية الهادية، أو الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة. ولما أن فتحت الكتابين وجدتها في الهدية الهادية.
حوار الشيخين: تقي الدين الهلالي وعبد الحي الكتاني:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد نقل تقي الدين حوارا مع الشيخ عبد الحي الكتاني في قضية تأسيس الطريقة الكتانية، ونص حوارهما كما خطته يراع تقي الدين، إذ قال:” إن الشيخ عبد الحي الكتاني قال لي منتقدا: إن الطريقة التجانية مبنية على شفا جرف، وأنه لا ينبغي لعاقل أن يتمسك بها. فقلت له: والطريقة الكتَّانِية التي أنت شيخها؟ فقال لي: كل الطرائق باطلة، وإنما هي صناعة للاحتيال على أكل أموال الناس بالباطل، وتُسَخِّرهم وتَستعبدهم، قال: أنا لم أؤسس الطريقة وإنما أسسها غيري، وهذه الأموال التي آخذها منهم أنفقها في مصالح لا ينفقونها فيها. ثم قلت له: ومن الذي حملك على الطعن في الطرائق؟ وما دليلك على بطلانها؟ قال لي: ادعاء كل من الشيخين أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر بذاته وظيفة أصحابه حين يذكرونها، وهذه قلة حياء منهما، وعدم تعظيم منهما للنبي صلى الله عليه وسلم” انتهى كلامه.
ومن أراد التفصيل فليعد للكتاب ففيه مزيد شرح وبيان.
المهم:
ــــــــــ
إن الشيخ حسن العقاد ذكر قضية تاريخية تستوجب الرد عليه من خلال التأكيد على عدم صحتها، ويمكن للحاد في طبعه أن يبالغ في الإنكار عليه. وليس معيبا الاتصال بأهل العلم وطلب المعونة العلمية وغيرها…وكم يقع لنا من ذلك معهم، ويقع لهم معنا مثل ذلك. فلا نعتبر ذلك معرة، قضيناها أو خبنا في قضائها، قضوها أو تعسرت عليهم.
وتقتضي المنهجية العلمية على المتنازعين الاستنجاد بطرق المحدثين القائمة: على وجوب التثبت، وإن كنت ناقلا فالصحة…وأما إدخال الأخلاق والأسرار في الخلاف، فليس من شيم أهل العلم، صحت أو لم تصح. وهي عندي من الفجور في الخصومة، والله أعلم.