
أقول بداية، أنني كلما قرأت للزعيم علال الفاسي كتابا من كتبه المتنوعة، أقول، غفر الله لمن حجب عنا ثراء وثراث واثارات هذا العالم المغربي الكبير، فقد كتب في كل شيء، في الشريعة والقانون والاقتصاد والسياسة، وها هو يؤكد ذلك عندما استدعي من طرف رابطة العالم الإسلامي أثناء موسم الحج عام 1388 الموافق ل 05 مارس 1968 ليلقي محاضرة بعنوان ” نحو وحدة إسلامية ” بين فيها سبل تحقيق هذا المطلب في خضم ما كان يعرفه العالم من سباق نحو السيطرة والاستكبار، داعيا إلى تجديد اساليب التنظيم والتكييف لمسايرة روح العصر، ومجاوزة لاساليب الاستعمار الغربي وأفعاله في تمزيق الأمة وتشتيت مقدراتها، وذلك بما يلزم من الترميم والتصحيح ،خاصة وأن الإسلام دين التوحيد والوحدة، فاكد رحمه الله على أربعة أو خمسة سبل وآليات للوحدةوهي:
1)الوحدة العقدية القائمة على أساس الوحدة في الألوهية والوحدة في الربوبية.
2) الوحدة في المواطنة.
3) الوحدة في اللغة.
4) الوحدة في العرق وسماها الوحدة الجنسية.
ففي الأولى أكد على أهمية العقيدة الصحيحة في توحید المسلمين شعوبا وقبائل، وأكد على وحدة الألوهية بعدم الشرك بالله باتخاذ غيره خالقا،فالله هو القوي القادر الفاعل، له الحكم كله، وهذا لايكون إلا بالقضاء على الجهل والتضليل بطرق التأويل والتحريف، فطريقة الوحدة تصحيح العقيدة، وطريق الحرية عبودية لله خالصة.
واثبث مع وحدة الألوهية وحدة الربوبية، بالإيمان بالله ربا وسيدا و مشرعا، فالربوبية له،والسيادة له، والتشريع له، مؤكدا على أن باب الاجتهاد مفتوح للقادرين عليه، بشرط عدم اتباع الهوى،وشهوة النفس، والرؤساء، أو التملق للملحدين و الأدعياء ، وأكد رحمه ألله على أن ما يحز في النفس أن ثراث الأمة كبير، لكن تم الاستعاظ عنه كليا أو جزئيا بالتشريعات الأجنبية الغربية والشرقية.
واعتبر الزعيم أن المواطنة سبيل آخر للوحدة والتوحيد، وسماها وحدة المواطنة، ووحدة الخلافة، ووحدة الحكم، منطلقا من أساس مهم، وهو ان الخلافة عن الله سبحانه قائمة على تكليف الإنسان بأن يكون خليفة له، بغرض العمارة المادية والمعنوية، فالناس خلفاء مواطنون مسلمون مكلفون، وهذا المعنى جدير بأن يوحدهم، وذلك بالخدمة العينية أو الكفائية وذلك في مجال العلم والاقتصاد و السياسة، والثقافة وهذا معنى العبادة بصفة عامة، فالمسلم خادم لأخيه في مضمار العدل والإنتاج و الدفاع عن حوزة الأوطان.
فالمواطنة تضامن بين المسلمين في كل مكان، المواطنة تبوؤ للدار وتبوؤ للإيمان، المواطن من استوطن الدار،واستوطن الإيمان.
وأكد الزعيم كذلك في موضوع توحيد اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، وخطاب للعرب والعجم، فالاسلام يؤكد العلامة علال الفاسي جعل من مقاصد الإسلام مقصد تعليم اللغة العربية ونشرها، فهي للصلاة أساس، وللاذان أجراس، وللشريعة وسيلة ومقاصد، فعلى المسلم تعلمها والتزود من ثقافتها، كما على الأمة نشرها وتجويد استعمالها لذى الشعوب والقبائل العربية والعجمية.
وربط الزعيم بين الوحدة في اللغة العربية الوحدة في العرق، وسماها بالوحدة الجنسية، فاكد أن لا فوارق بين المسلمين سواء كانوا احباشا أو روما،أو من الصين أو الهند أو من افريقيا، فالاسلام هو هوية المسلم ،والتقوى هي معيار التنافس والتفاضل، فالمسلم مواطن حيثما حل أو ارتحل، في أرض الإسلام، له ما للمسلين وعليه ما على المسلمين، وأعطى أمثلة تطبيقية من سيرة ابن خلدون الذي ولد في تونس وعاش في المغرب و الأندلس والجزائر ومصر والشام، فحيثما حل مارس القضاء أو التعليم أو ناظر اقرانه من العلماء.
وكذلك ابن بطوطة الرحالة المغربي، فهو من طنجة، لكن رحل إلى افريقيا السوداء، والسنيغال وغانا وغينيا والتشاد ، وفي كل بلد كانت له أسرة ووظيفة، كما أنه وصل إلى الهند والصين وإيران، كما ضرب العلامة علال الفاسي بمثال معاكس بمجيء المولى إدريس الأول الذي حل بالمغرب من المشرق مرحبا به ،ومتوجا أميرا للبلاد بشروط البيعة المعروفة في الإسلام. هكذا يؤكد العلامة علال الفاسي سنة 1968 بمكة وفي موسم الحج العامر بالدلالات الوحدوية، على أهمية الوحدة الإسلامية المبنية على وحدة العقيدة ووحدة المواطنة ووحدة اللغة ووحدة الهوية الجنسية، فغفر الله لمن حجب عنا ثراء وثراث واثارات هذا العالم المغربي الجليل.
تحياتي
انتظر تفاعلكم خصوصا في موضوع حجب العلماء وطمس علمهم لاسباب سياسية وايديولوجية.