
استشهاد هنية مؤلم وقاس على أحبته من المجاهدين والمقاومين، وعلى المسلمين الذين قلوبهم معلقة بالقدس وفلسطين، وبنضال الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وعلى أحرار العالم. تماماً كما كان استشهاد حمزة بن عبد المطلب مؤلماً وقاسياً على رسول الله (ص) وعلى المسلمين فضلاً عن أنه كان فرصة لإخراج غيظ قلوب أعداء المسلمين كما تجلى ذلك في السلوك الهمجي لهند بنت أبي سفيان الذي كان أكبر خصوم الدعوة الإسلامية …
وكما هو مناسبة اليوم لإخراج غيظ قلوب كثير من الشامتين ممن هم محسوبون على العرب والمسلمين.
**حمزة أسد الله**
كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقب حمزة بن عبد المطلب بأسد الله. وعند استشهاده بطعنة غادرة من عبد حبشي اسمه وحشي بإيعاز من هند بنت أبي سفيان انتقاماً لسقوط عدد من أقاربها صرعى في غزوة بدر. حزن النبي صلوات الله وسلامه عليه وبكى عليه بكاءً شديدًا.
سيدنا حمزة بن عبد المطلب هو عم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخ له في الرضاع، ولد في مكة قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين، وكلاهما قد رضع من ثويبة مولاة أبي لهب.
كان سيدنا حمزة رضي الله عنه فارساً شجاعًا يهوى الصيد والقنص، وكان يخرج دائمًا في رحلات للصيد حتى أنه كان يوصف بـ “أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة”.
تربى وسط قوم شجعان ألفوا الحروب فشهد وهو في الثانية والعشرين من عمره حرب “الفجار” الثانية، بين قومه وحلفائهم، وبين قيس وحلفائها، وكان النصر لقومه فكان تدريبًا عمليًا له واختبارًا لشجاعته.
**إسلام حمزة: أنا على دينه فردها علي أن استطعت!**
وقصة إسلامه قصة عجيبة إذ كانت بدافع استنكار فطري لما كان يتعرض له النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أذى. استنكار ولم يكن قد أسلم بعد،
وفي السنة السادسة من البعثة النبوية الشريفة، كان حمزة عائداً من الصيد، فعلم أن أبا جهل بن هشام قد لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الكعبة فتعرض له وسبّه سباً قبيحاً وآذاه، ورسول الله ساكت لا يتكلم ولا يرد عليه،
وكانت خادمة لعبد الله بن جدعان تسمع ما يقول أبو جهل، فانتظرت حتى عاد حمزة من رحلته، وكان يمسك قوسه في يده، فقالت له الخادمة:
يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام (أبي جهل)، وجده ها هنا جالسًا فآذاه وسبه، وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه، ولم يكلمه محمد.
اشتد غضب سيدنا حمزة، وأسرع نحو أبي جهل فوجده في وسط جمع من قريش، فضربه حمزة بالقوس في رأسه، وأصابه إصابة شديدة، ثم قال له:
“أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول”، فرد ذلك عليَّ إن استطعت؟
فقام جماعة من بني مخزوم (قبيلة أبي جهل) إلى حمزة ليضربوه، فقال لهم أبو جهل: “دعوا أبا عمارة فأني والله قد سببت ابن أخيه سبًّا قبيحًا”.
وفي الصباح ذهب حمزة إلى الكعبة المشرفة، ثم توجه إلى الله بالدعاء أن يشرح صدره للحق؛ فاستجاب الله له، وملأ قلبه بنور اليقين والإيمان،
ثم ذهب حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دار الأرقم وأعلن إسلامه، ففرح به الرسول الكريم والمسلمون فرحًا كبيرًا بإسلام حمزة ودعا له.
**طعنة غادرة من عبد حبشي.. واستشهاد حمزة**
في غزوة بدر الكبرى أبدى حمزة شجاعة كبيرة، وقَتَّلَ خلال المعركة اثنين من أشد أعداء الإسلام شيبة وعتبة ابن ربيعة. وكان سيدنا حمزة رضي الله عنه في ذلك اليوم قد وضع ريشة على رأسه، فظل يقاتل بشجاعة حتى قتل عددًا كبيرًا من المشركين.
ولما انتهت المعركة، كان أمية بن خلف ضمن أسرى المشركين، فسأل: من الذي كان معلَّمًا بريشة؟ فقالوا: إنه حمزة، فقال: ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل.
**اغتيال حمزة**
أقسمت هند بنت عتبة أن تنتقم من حمزة؛ لأنه قتل أباها عتبة وعمها وأخاها في بدر، وكذلك أراد جبير بن مطعم أن ينتقم من حمزة لقتل عمه طعيمة بن عدى، فقال لعبده وحشي، وكان يجيد رمي الرمح: “إن قتلت حمزة فأنت حر”.
وجاءت غزوة أحد حيث استشهد أسد الله حمزة بن عبد المطلب، وكان يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيفين ويقول: “أنا أسد الله”، فلما تراجع المسلمون اندفع حمزة نحو النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يقاتل المشركين.
وهنا اختبأ وحشي لحمزة، وهو وسط المعركة يقاتل بشجاعة المشركين، فرماه وحشي بحربته في خاصرته فخرجت من مثانته، فسقط حمزة على الأرض واستشهد.
فلما رأت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان ذلك، ولم تكن قد أسلمت بعد، أن حمزة قد استشهد ذهبت إليه ومثلت بجثته وشقت بطنه ثم أخرجت كبده فأخذته ووضعته في فمها وأخذت تلوكه ثم رمته، ولذا سميت بآكلة الأكباد.
**وجع النبي صلى الله عليه وألمه لمشهد مصرع حمزة**
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي وقد بُقر بطنه عن كبده.
فلما رآه النبي وقد مثل به لم ير منظًرا كان أوجع لقلبه منه، فبكاه قائلاً: “رحمك الله أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات”، ثم قال:
“لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع”، ثم شهد له النبي فقال عنه:
“سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب”.
ثم أمر الرسول الكريم بحمزة فدفن في بطن جبل أحد ودفن معه ابن أخته عبد الله بن جحش.
ولما رجع رسول الله إلى المدينة سمع بعض نساء الأنصار يبكين شهداءهن، فقال:
“لكن حمزة لا بواكي له” رضي الله عنه وأرضاه.
واستشهد سيدنا حمزة بن عبد المطلب في 7 من شهر شوال من سنة 3 للهجرة النبوية المشرفة، وكان عمره حينها 58 سنة.
**بين استشهاد حمزة واستشهاد هنية**
إن المشهد القاسي على النفوس مشهد استشهاد حمزة وبقر بطنه وأكل كبده من هند زوج أبي سفيان انتقاما لمقتل عدد من أقاربها، والألم الذي يثيره في النفس إلى درجة أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر عدم وجود بواكي له.. يحيلنا على المشهد القاسي لاستشهاد رمز كبير من رموز المقاومة والصمود نيابة عن الأمة وغيره من المجاهدين في فلسطين المرابطين على أكناف بيت المقدس.. في مواجهة الاستكبار الصهيوني المدعوم علناً من دعاة الحرية وتقرير المصير وغيرها من الشعارات التي تخفي من ورائها تغلغلاً للنفوذ الصهيوني في دواليب عدد من مراكز القرار وفي الدول التي تنسب نفسها إلى “العالم الحر” وترفع شعارات الحرية والديمقراطية.
كما يحيلنا على عدد من المشاهد القاسية والمؤلمة التي نشاهدها يومياً لسقوط عدد من الشهداء في غزة وهم أشلاء متفحمة أو تحت الأنقاض، وكان آخرها إسماعيل الغوا مراسل الجزيرة الشاب الذي لقي مصرعه نتيجة هجوم غادر على سيارته أثناء قيامه بمهامه الصحفية.
وفي الحالتين معاً نستحضر عدداً من المقارنات منها:
**أولاً**: أن القيادات الكبيرة هي التي تنبري لتحمل المسؤولية حين يظهر الخور والجبن والخوف في بعض حالات عدم توازن القوى وظهور بوادر التراجع والانكسار. وتبقى مقولة حمزة عند شيوع مقتل رسول الله: “قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
**ثانياً**: أن القيادات، ومن هو قريب منها نسباً وعلاقة حين تكون في مقدمة الصفوف دفاعاً عن الأمة وتقديماً.