
بدايةً، لا بد أن نتفق على أن خلق مناخ للحرية من شأنه أن يخدم الدولة، ويعزز مكانتها سواء في الداخل أو الخارج. وأن إغلاق المجال العام، في المقابل، على المستوى السياسي ومحاصرة الأقلام الحرة وقمع المُعارضة من شأنه خلق هوة بين الحكومة والمجتمع ما يُشكل خطراً على الوطن والمواطن.
الجو السياسي، اليوم، يسوده نوع من انعدام الثقة وعدم الارتياح والارتياب من المستقبل.
وكنتيجة طبيعية لهذه الصورة القاتمة تستدعي الضرورة إعادة الثقة بين المواطن والحكومة عن طريق فتح الأفق المُغلق بتشكيل سياسي مُطمئِن يُمكنه فتح قنوات الحوار واستيعاب المطالب الشعبية، وبعث الروح في الصحافة الحرة النزيهة، والأقلام المُنتصرة للديموقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بعيداً عن «أبواق الباطل» التي ما تفتأ تطبّل للبؤس والقهر وتسويقهما على غير صورتهما الحقيقية.
ولاشك، حتى نكون منصفين، أن الحكومات السابقة، في المغرب، تتحمل جزء من المسؤولية لما وصلنا إليه في مختلف القطاعات، إلا أن الحكومة الحالية باتت أمام المواطن هي «المشكلة» في نهجها، في رؤيتها، وفي طريقة تدبيرها وتعاطيها مع الملفات، وذلك راجع بالأساس إلى كم المشاكل التي تعيشها كل القطاعات والتي لا عد لها ولا حصر.
ومع كل ما تتخبط فيه هذه القطاعات من مشاكل إلا أن الحكومة كثيراً ما آثرت دفن رأسها كالنعامة، وحتى في حال تعاملها مع الملفات فإنها تتعامل مع الأخيرة ككرة نار كل وزارة تُلقيها إلى الأخرى معولة في كثير من الأحيان على تركها عرضة للتقادم والنسيان.
ولأنه من الضروري للمجتمعات من حكومة حتى وإن كانت عاجزة عن تحقيق تطلعات مواطنيها. فإنه على الحكومة ألا تكون «العقبة الكؤود» في سبيل الإصلاح، منتظرة أن تنصلح الأوضاع من تلقاء نفسها دون الاستماع لأي صوت سوى صوت «التطبيل» و«العام زين» مستنكرة أي صوت مُعارض.
وينبغي، كما يقول نايف الروضان(*)، أن تتيح الحكومة فرصة لكل من لديه فكرة جديدة لعرضها وتنفيذها، وإلا لن تتحقق النهضة ولن يرضى الشعب. ومن ثم سيزداد السخط الشعبي الذي قد يبلغ مداه بسبب حالة الإحباط العام وضعف مقدرة الحكومة على تلبية احتياجات المواطنين وتفهمها.
لا يُمكن على أية حال اتهام الحكومة الحالية بضيق الأفق، غير أنها ماتزال تتعاطى مع الإصلاحات بكثير من السطحية وليست على أنها ضرورة ملحة. وإن نجاح أي حكومة هو مرهون، كما يُشير جيوف مولغان (**)، بالكفاءة والخبرة، والمعرفة والفعالية.
وإنه من غير المحبذ أن تجد الدولة نفسها في مواجهة المجتمع، خاصة إذا ما اتضح أن هذا المجتمع يفتقر إلى التأطير السياسي، وهو الدور الذي تضطلع به الأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام والحكومة نفسها. ومن شأن الاستخفاف بهذا الدور الهام وإعطاء أذن من طين لكل صوت معارض التسبب في انسداد الأفق وهو ما من شأنه خلق فجوة بين المجتمع والدولة ما يعني دق ناقوس الخطر، وجعل المجتمع في مواجهة الدولة.
________________
(*) رئيس برنامج العوامل الجيوسياسية وتحديات المستقبل العالمي بمركز جنيف للسياسة الأمنية.
(**) المسؤول التنفيذي بمؤسسة “نيستا” للابتكارات
أحمد المهداوي