رأي

الحياة الهنية كما عاشها القائد هنية

بقلم أحمد الشقيري الديني

الحياة الهنية في ثقافتنا اليوم أن تحصل دبلوما يسمح لك بولوج وظيفة وراتب شهري ثم تأسيس أسرة ترى أبناءك يسيرون على نفس الطريق، دون أن تشغل نفسك بحقوق المستضعفين والدفاع عن المظلومين ورفع الحيف عنهم، ودون أن تلتفت لقضايا أمتك، فضلا عن التفكير في النضال والجهاد فذاك طريق المحن والأكدار والابتلاءات..
بكلمة الحياة الهنية هي (تدخل سوق راسك)كما يقول المثل الشعبي المغربي..
أو كما قال الشاعر معروف الروصافي:
ناموا ولا تستيقظـوا !!!
يا قـوم لا تتكلَّـموا **إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا**ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ
وتأخَّروا عن كلِّ مـا**يَقضي بـأن تتقدَّموا
ودَعُـوا التفهُّم جانبـاً**فالخير ألاَّ تَفهـمـوا
وتَثبتُّوا في جـهـلكم**فالشرُّ أن تتعلَّــموا
أما السياسة فاتـركوا**أبـداً وإلاَّ تندمـوا
إن السياسـة سـرُّها**لو تعلمون مُطـلسَمُ
وإذا أفَضْتم في المبـاح**من الحديث فجَمْجِموا
والعَدلَ لا تتوسَّمــوا**والظلمَ لا تتجَّهـموا
من شاء منكم أن يعيش**اليوم وهــو مُكرَّمُ
فلْيُمْسِ لا سـمـع ولا**بصر لديه ولا فــمُ
لا يستحـق كرامــة**إلا الأصم الأبكــمُ
ودع السعـادة إنمــا**هي في الحياة توهُّــمُ
فالعيش وهـو مـنعٌّـم**كالعيش وهو مذمّـمُ
فارضوا بحكم الدهــر**مهـما كان فيه تحكُّمُ
وإذا ظُلمتم فاضحكـوا**طربـاً ولا تتظلَّمـوا
وإذا أُهـنـتم فاشكروا**وإذا لُطمتم فابسـموا
إن منهج القرآن الذي يعلمنا معنى الكرامة والحياة الهنية مختلف عما يعتقده الكثيرون حول معنى العيشة الهنية، فهذا الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري يقول : لما أعز الله دينه ونصر رسوله قلنا فيما بيننا (إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر الله نبيه فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها)!
فأنزل الله تعالى ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فالتهلكة بالمعنى القرآني هي الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد؛ فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى كان آخر غزوة غزاهابقسطنطينية في زمن معاوية فتوفي هناك ودفن في أصل سورها.
وأكد نبينا صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في أكثر من مناسبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق “.
إن من المعاني العظيمة التي أحياها طوفان الأقصى جمالية الجهاد في سبيل الله بعد أن اشتغلت الآلة الإعلامية الصهيو/صليبية لتشويه هذه الفريضة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر مستغلة أخطاء بعض الجماعات المسلحة من أجل تثبيت هذا التشويه أو من خلال أعمال إرهابية أنكرها كبار علماء المسلمين.
اليوم يعود الجهاد إلى معناه الصحيح في الأرض المقدسة على أيدي ثلة من المجاهدين قدموا أرواحهم فداء للأقصى، ولعل استشهاد القائد هنية قبل أيام واحتفاء الأمة الإسلامية بتلك التضحية الكبيرة يعيد المعنى الحقيقي للحياة الهنية المذكورة في قوله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ۝ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ۝ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ۝ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ۝ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
إن عز هذه الأمة وكرامتها في الجهاد في سبيل الله حيثما وجب لصد العدوان والاحتلال؛ وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا كما صح عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فلولا جهاد عبد الكريم الخطابي وإخوانه بالمغرب وابن باديس بالجزائر وعمر المختار بليبيا والغنوشي بتونس والبنا بمصر وأحمد ياسين بفلسطين، وغيرهم ممن جاهدوا المحتل الغاشم وجاهدوا الاستبداد والفساد، لولا هؤلاء الكرام في كل عصر ومصر (فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا) لعاشت الأمة عيشة الذل والهوان..
وماستشهاد إسماعيل هنية إلا عنوانا بارزا للحياة الهنية..
وهذا هو الطريق الصحيح لمن أراد أن يلقى الله بقلب سليم.
فالجهاد في سبيل الله إحدى الآليات السبع الداعمة لاستمرار الإسلام وتعميق تجذره في المجتمع وانتشاره كما سنبينه في مقال آخر بحول الله وقوته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى