
بقية الحديث … لقد جاءت بادرة عفو جلالة الملك محمد السادس خلال مناسبة فضية جلوس جلالته على عرش أسلافه المنعمين ، على العديد من الصحافيين والحقوقيين والمؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، بخطاب جديد عن سابق عهد المملكة ، حيث منح الفرصة مرة أخرى لحرية التعبير ورد إليها الاعتبار كسلطة رابعة لتقوم بدورها الهام في الرصد و المراقبة والتوجيه والتنبيه والتوعية ، وذلك بعد جمود رهيب عرفته الساحة الإعلامية الوطنية في ظل ما يسمى بتكريس سياسة تكميم الأفواه ، وخاصة إبان الفترة التي تربعت فيها الحكومة الجديدة برئاسة عزيز اخنوش على دواليب السلطة والمال والاعمال ، رافضة اي وجه من أوجه المعارضة لطريقة تسييرها للبلاد التي أدخلتها في أجواء ضبابية ، وتسببت لها في عدة مشاكل اقتصادية واجتماعية ، بدأت تفرز العوائق تلو الأخرى وتضيق الخناق على كل من نادى بالإصلاح والتغيير وبناء دولة قوية تعتمد على أسس مثينة ومؤسسات فاعلة تبتغي خمدة المجتمع والمصلحة العامة متقبلة لكل أنواع الانتقاد والتوجيه ، وليس ما نجد الحكومة بصدد القيام به من ردع لمن يعارضها وتكميم لأفواه الأحرار وتضييق عليهم وعلى المواطنين الذين اصبحوا يشعرون بالحيرة من امرهم في آمالهم المعقودة على مخططات التنمية التي وضعها عاهل البلاد ، ومدى تخلف الحكومة عن السير في نهجها وتحقيق الأهداف المرجوة منها ، بالإضافة إلى سعيها في إفشال الورشات المفتوحة والكبيرة التي تفضل ملك البلاد بإعطاء انطلاقتها في جل ربوع المملكة منذ توليه للملك ودخول المغرب في عهد جديد بفضل سياسته الجديدة التي طبع بها حكمه ، ليجعل المملكة قاطرة نحو التقدم والرفاهية والرخاء والازدهار ، حيث فتح أبواب المشاريع والاوراش الكبرى والواعدة وسهر على ذلك بشكل مباشر ، مما جعل المغرب دولة رائدة على المستويين الإقليمي والدولي، وداب جلالته على استكمال بناء مغرب المؤسسات ، فعرفت الدولة مطلع القرن الحادي والعشرين تنمية حقيقية عبر جميع المستويات وفي شتى المجالات ، هذه الأوراش والمشاريع همت العنصر البشري كالمبادرة الوطنية للتنمية ، والبنية التحتية من موانيء و طرق سيارة والطرامواي و السكة الحديدية كخط البراق و ميناء طنجة المتوسطي و برج محمد السادس و قنطرة محمد السادس والممرات تحت الارضية التي فكت الاختناقات المرورية باغلمدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ، وفي الرياضة اكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي أعطت نتائج واضحة وسارة أثناء مجريات كأس العالم 2022 بقطر ، وعمل على تشجيع الاستثمار و تحسين جاذبيته ، وتقوية الطاقات المتجددة بمشاريع نور 1 و نور 2 ، و اهتم بالصحة حيث قرر توسيع ورش التغطية الصحية و الحماية الاجتماعية ، والاهتمام بالجانب الديني وأكد على مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني ، السياق الدولي نجد كما أن حضور جلالته البارز في السياق الدولي هو وازن في الدفاع عن الوحدة الترابية في جميع المحافل الدولية لتأكيد مصداقيتها والتعريف بمشروعيتها ، بالاضافة الى الريادة الدبلوماسية لجلالته على المستوى الافريقي والدولي والدور الكبير الذي يقوم به للمساهمة في مواجهة الارهاب و الجريمة العابرة للحدود و العصابات التي تتاجر في السلاح و والبشر والمخدرات بدول الساحل الأفريقي .. ناهيك عن اسهامات جلالته في إرساء أسس و مباديء السلم و الأمن الدوليين …
لكن مقابل هذا فإن الحكومة التي كان من واجبها تثمين هذه المجهودات الملكية الجبارة وتوظيف مهاراتها في تقوية مسيرة البلاد الاقتصادية والاجتماعية ، قد سلكت طريقا آخر غير ذلك ، وحسبما أدلت به المعارضة التي قيمت حصيلتها المرحلية ب “الضعيفة والمخيبة للآمال” مؤكدة على ذلك وذاكرة للإجراءات التي التزمت بها الحكومة في برنامجها ، فيما يتعلق بالمساهمة في تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية ، مشيرة أيضا إلى أن حكومة أخنوش قامت بتنزيل مضطرب لورش تعميم الحماية الاجتماعية، حيث من لهم الحق في الاستفادة الفعلية من الخدمات الصحية في إطار نظام التأمين الأساسي الإجباري عن المرض حتى تاريخ 30 سبتمبر 2023 هم 10.22 ملايين شخص ، مقابل 18.44 مليونا كانوا يستفيدون سابقا من نظام المساعدة الطبية المجانية “راميد” حتى عام 2022 ، ناهيك عن فقدان مجموعة من الحقوق من الدعم الاجتماعي المباشر لدى الفئات التي كانت تستفيد منه سابقا بسبب مؤشر العتبة.
بالإضافة إلى عدم وفاء الحكومة بوعودها بإلغاء نظام التعاقد وزيادة 2500 درهم في أجرة أساتذة التعليم، مما أدى إلى حدوث اضطرابات أدت إلى إضرابات ، بنسب ومدد غير مسبوقة ، أوقفت الدراسة في التعليم الأساسي وفي كليات الطب والصيدلة.
بدوره، قدم مرصد العمل الحكومي ، وهو آلية مدنية لتتبع السياسات الحكومية ، تقريرا عن حصيلة الحكومة راصد عددا من الاختلالات، خاصة تلك التي تتعلق بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتدبير برامج التشغيل ، حيث بلغت نسبة البطالة في عهد هذه الحكومة 13 بالمائة وعدم وضوح نتائج هذه البرامج ، وكذلك الامتناع الحكومي عن التدخل للحد من الانعكاسات الاقتصادية القوية لارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين.
هذا إلى جانب ما وصف بـ”غياب الإرادة الفعلية” لدى الحكومة لمواجهة مختلف أشكال المضاربة والاحتكار التي تهيمن على سلاسل توزيع وبيع المواد الغذائية، خاصة المنتجات الفلاحية كتصدير الخصر خاصة إلى دول الخارج وحرمان الاسواق الوطنية منها من ألهب الأسعار وادخل المواطنين في دوامة الحاجة والفقر والافتقار إلى ابسط المواد الغذائية الضرورية ، بالإضافة إلى ما حدث بالنسبة للأضاحي التي تم جلبها إبان فترة عيد الأضحى من أوروبا بطرق مشكوك في أمرها والدعم الذي تم رصده من طرف الدولة للجهات المستوردة بالإضافة إلى فكرة تزويد السوق الداخلية بلحوم الأبقار التي تم استيرادها من دول جنوب امريكا والتي حامت حولها شكوك كبيرة فيما يخص جودتها وصحتها وسلامتها وصلاحيتها للاستهلاك الآدمي … ناهيك عن التهاب أسعار المنتوجات المختلفة وانعكاساتها السلبية على القدرة الشرائية للمواطنين.
وتعتبر فترة عمل الحكومة بين أكتوبر 2021 وأبريل 2024 فرصة لتقييم الأداء الحكومي، وكان أخنوش قد أكد في مناسبات عدة على أن الحكومة التي يترأسها اجتماعية بامتياز، مما جعل البرامج التي أطلقتها حكومته موضع تقييم وتفاعل من المجتمع.
كما أن بعض المحللين والمتتبعين للشأن الوطني يرون أن هذه المؤشرات والبرامج لم تنعكس على واقع المواطن المغربي بالإيجاب ، وذلك لعدة أسباب لم يتم معالجتها أو الاهتمام بها من طرف الحكومة ، ومن بينها التضخم الذي لم يعد مسألة عابرة ، وتسبب في ارتفاع تكلفة المعيشة ، وهو الأمر الذي لم تكن الأسر المغربية مستعدة لمواجهته ، هذا التضخم الذي كان له تأثير كبير على شريحة واسعة من المواطنين، ووصل إلى الطبقة المتوسطة التي بقيت دون حماية لتنجرف بتيار التضخم الذي توسع على حساب هذه الطبقة من المجتمع ، وهو ما ظهر من خلال عدم قدرتها على الادخار، مما جعلها في وضعية تجرها نحو الهشاشة .
بالإضافة كذلك إلى تسجيل إشكالات على مستوى تنزيل البرامج الاجتماعية، خاصة التغطية الصحية والسجل الاجتماعي، بحيث أن المنهجية المعتمدة كانت “ارتجالية وغير موضوعية” حسب رأي متخصصين في المجال ، مما جعل العديد من الأسر في وضعية فقر وهشاشة خارج المستفيدين منها، مضيفين أن توالي الإضرابات في قطاعات مثل التعليم والصحة والجماعات الترابية وقطاعات اخرى ، كان له تأثير على السلم الاجتماعي.
ورغم ما أطلقته الحكومة من وعود وإجراءات تنظيرية وشبه عملية في النصف الأول من ولايتها في ما يخص الجانب الاجتماعي، لكن هذا العمل شابته نواقص خاصة في ما يتعلق باستدامة البرامج الاجتماعية في السنوات المقبلة.
وبينما تقف حكومة أخنوش على عتبة الشروع بالنصف الثاني من الولاية ، تجد نفسها تواجه تحديات وملفات كبرى تضعها على المحك، حيث يؤكد بعض المحللين والمختصين على ضرورة تبني الحكومة أسلوب تواصل سياسي مع المواطنين ، عوض الأسلوب التكنوقراطي الذي نهجته في النصف الأول من الولاية، ونصحوها بإطلاق حوار مجتمعي حقيقي بشأن الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وتجنب المقاربة أحادية الجانب التي اتبعتها الحكومة في الآونة الأخيرة، مشيرين إلى الحاجة إلى نقاش مجتمعي لمواجهة معضلات، مثل البطالة بحيث أوضح تقرير رسمي أن معدل البطالة في المغرب تفاقم في عام 2023 إلى 13 في المائة لتسجل أعلى معدل لها. وأضاف التقرير، أن معدل البطالة بلغ 16.8 في المائة في المناطق الحضرية ووصل إلى الذروة بـ48.3 في المائة لدى الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 ربيعاً.
وأبرز تقرير رسمي أن أكثر من ربع هذه الفئة العمرية لا يعملون ولا يدرسون ولا يتابعون أي تكوين مهني. وسجلت وضعية سوق العمل، خسارة جديدة بلغت 157 ألف منصب، ونتيجة لذلك بقي حجم الشغل أقل بنسبة 3.58 في المائة من مستواه المسجل قبل جائحة فيروس “كوفيد 19”.
وبالرغم من أن قطاع الخدمات أضاف 15 ألف وظيفة، وقطاع الصناعة 7 آلاف وظيفة، فإن هذه الوظائف لم تكن كافية لتعويض الوظائف المفقودة في قطاع الزراعة، الذي ظل يعاني من ظروف مناخية غير مناسبة ومن الإجهاد المائي ، إذ فقد 202 ألف منصب شغل، لتتراجع حصته إلى 27.8 في المائة مقابل 37.8 في المائة في عام 2008، و42.8 في المائة في عام 2000.
وأكد محللون وخبراء على ضرورة تغيير الحكومة لسياستها هذه وعلى أهمية عملها على خلق الثروة من خلال قطاعات واعدة، مثل صناعة الطيران والصناعات الغذائية والصناعة التقليدية وتشجيع الاستثمار لتوفير المزيد من فرص العمل.
ويبدو ، حسب محللين ومختصين مغاربة ، أن حكومة أخنوش ستواجه تحديات كبيرة تتعلق باستكمال عدد من البرامج المهمة والقوانين، خاصة مدونة الأسرة وقانون الإضراب وقانون النقابات.
مضيفين إلى ذلك ، بأن التحدي الأكبر يتعلق بالحفاظ على التماسك الحكومي، خاصة أن الأحزاب الثلاثة المشكلة للتحالف ستكون عينها في النصف الثاني من الولاية على انتخابات 2026، وهو ما قد يدفع بعضها إلى ارتكاب أخطاء تضر بتماسك الأغلبية … وللحديث بقية …