رأي

حذار من مخطط طمس معالم اللغة العربية وأفولها بعد بضع أعوام

بقلم الشيخ عبد اللطيف بوعلام

تعرف الساحة في هذه الآونة الأخيرة هجمة محمومة شرسة على اللغة العربية من قِبل عرمرم من المنتسبين إليها بدعوى أن مادة النحو هي السبب في عرقلة وتطور مسارها بتلكم الهندسات الببغاوية والتركيبات المعقدة التي ابتكرها القدامى صونا لها من اللحن والانحراف والميلان، وبزعمهم على أن إحكام قواعدها يتم اكتسابه إضمارا بالسليقة كما كان عليه العهد في الجاهلية، والمقامات السبع متناسين عمدا ألمع العبقريات الفطاحلة الضباط لها كالخليل وسيبويه والفارسي وابن جني وتلامذتهم النحارير الكثر.. والغريب العجيب أن أغلب المنافحين عن هذا اللسان العظيم والدين القويم _ مع كامل الأسف _ ليسوا عربا على كل حال. إنما دفعهم إلى ذلك حبهم الصادق قربانا وفداء لها على مذبحة كلام ذي الجلال وأفصح الناطقين الضاد قاطبة نبينا محمد الرحمة المهداة لكافة الناس أجمعين من قبل الكبير المتعال. وهذا التجني والتسور في حق هذا الصرح المنيع الذي بناه الأولون مسألة مقصودة هدفها الإجهاز على مكتسبات الأمة بتجهيلها وتشكيكها في دينها. إذ تحركها بالفعل أجندات وثلة من الحاقدين بقياسهم وإيهامهم المغلوط من باب تسهيل مأمورية التحدث للناشئة بطلاقة حتى تولدت لدينا مجتمعات يعج فيها ذوو الكفاءات العليا بالأخطاء الفظيعة، ومنهم من هم أعلى على مستوى الفهم لا يميزون الفعل من الاسم. ناهيكم عن تعبيراتهم وكتاباتهم الممزوجة بلهجاتهم المحلية. ترانيمها كالصاعقة بادية في المحاضرات والاستجوابات وأرجاء الأقسام السفلية والعلوية إلى درجة أن معلما ما إذ يعرب مزهوا وهو يلقن لطلبته متهكما على النحاة واضعي القواعد للهداة: “ضرب: فعل خطير. المعلم: مجرم كبير. التلميذ: طفل صغير. في القسم: جار ومجرور بالسيما والياجور”. ذلك أن دراسة القواعد الإعرابية هي من الضرورة بمكان لمن أراد أن يضبط التراكيب اللغوية، وهي الحكم الفيصل في تقويم كل الاعوجاجات المحتملة.
قال إمامنا مالك رضي الله عنه:
” إن الإعراب حلي اللسان، فلا تمنعوا ألسنتكم حليها “. وقديما قالوا:
النحو زين للفتى ^ يكرمه حيث أتى
من لم يكن يعرفه ^ فحقه أن يسكتا
وقارئ يلحن ^ كحمار يطحن
وهذه الدعوى لإلغاء هذه المادة التقويمية للفصيح قديمة جديدة يسعى الداعون إليها جاهدين لإدخال أجسام غريبة على لغة الضاد لمحاولة تشويه هيكلها وضربه في الصميم مناشدة للمياسرة لا المعاسرة. وليس هناك أدنى صعوبة في ضبط الإعراب خاصة وأن المكتبات تعج بالآف المؤلفة من المراجع في مبتدآته الأولية كالآجرومية إلى الاختصاص في الألفية لإثبات الأهلية، ذلك أن الحلم بالتحلم، والصبر بالتصبر، والعلم بالتعلم، والمعلمون والأساتذة القدامى كانوا يجدون حلاوة وطلاوة في تدريس هذه المادة التي قلاها المعاصرون بحجة عسر إدراك هندستها للمتمدرسين الصغار بإضمارها في المحادثة دون شرح البنية والوظيفة والدلالة… والكلام في هذا يطول إلى درجة أنه هناك فئة تنادي بكل صلافة وصفاقة وفظاظة ممجوجة إلى إقحام الدارجة واللهجات المحلية مزاحمة للعربية، ولقد حضرت أمسية شعرية ابتدرها أحدهم بشعيره: ” راني كليت فالصباح الحرشة، أو فالليل تبعت لها الكرشة، ولي هضر معاي كنعطيه طرشة “. اللجنة تشيد، والجمهور يصفق ويطالب بالمزيد “. فلا غرابة إذاً من تعاليق النخبة المثقفة في تصريحاتهم الشفوية والكتابية التي تدلل على التردي الذي أصاب العربية في نخاعها الشوكي وهيكلها العظيم حتى أصابها بالشلل التام متهمين إياها بعجزها عن مواكبة مستجدات العصر، ومشجعين على مزجها بخليط من اللغات الحية الأجنبية الراقية انصهارا في التحضر داخل القرية العالمية؛ والسبب يُعزى إلى أن هناك فئة حاقدة على الإسلام وسنة خير الأنام الممثلة في أصح الكتب الضامة للأحكام التفصيلة للشريعة وحياة الرحمة المهداة للبشرية، فلا خوف على العربية البتة، فهي باقية إلى الأبد لأن القرآن هو ضامنها ومحفزها، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الناطقين بها مصدرها وملهمها، والبلغاء والشعراء والعلماء جامعوها ومحفظوها وباعثوها، ولو كره الخراصون في حربهم للغة التي اختارها رب العزة ملخصا وهيمنة وختما لرسالاته، وحفظا لكلامه مهما حاولوا ساعين لطمس معالمه، فهو محفوظ في الصدور والمصاحف بقدرة العزيز الغفور القائل في محكم كتابه: * إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون*. كان هذا مجرد تنبيه وتوصيف للحالة المتردية التي يرزح تحتها ويصطرخ فيها اللسان العربي مضايقة لنشره وذيوعه عسى أن تستفيق الأمة المحمدية والإسلامية جمعاء لاسترجاع ماضيها المجيد، وما ذلك ببعيد عن المخلصين المحبين للقرآن العظيم وسنة نبيه الكريم ببعيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى