
من مدينة فاس، ومن أحيائها الجامعية ومدرجاتها، انطلقت المسيرة العلمية للدكتور عبد الفتاح فهدي، حيث نال الإجازة ودبلوم الدراسات العليا فالدكتوراه من هذه المدينة العتيقة، ومن جامعتها ظهر المهراز. ثم أستاذا متدربا للفلسفة بالمدرسة العليا للأساتذة، حيث عين بإقليم الرشيدية. وهو من الرعيل الأول الذين اختاروا التوجه للفلسفة التي كانت لليسار، فنبغوا حتى أصبحوا أساتذة للفلسفة بدخول التيار الإسلامي لهذه الشعبة، وهم الإخوة: محمد يتيم، عبد الرحمان اليعقوبي، الفاضل العسري، ومحمد تيغزوان، لحسن صابر، وعبد الفتاح فهدي.
ولا يعرف هذا الأمر إلا من عاصر تلك المرحلة التي كان التوجه للشعب يتم من خلال حاجات الدعوة، وفتح آفاق العمل الإسلامي فيها، تحت شعار ساعتها: ادخلوا عليهم الباب.
الانخراط العلمي والثقافي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور عبد الفتاح فهدي واحد من أبناء هذا الوطن البررة، عشق العلم والمعرفة والثقافة، فنخرط فيها منذ نعومة أظفاره، كما انخرط في الحركة الإسلامية، فتقلب بين صفوف الشبيبة الإسلامية، فجمعية الجماعة الإسلامية، فحركة التجديد والإصلاح، فحركة التوحيد والإصلاح.
انخرط رحمه الله تعالى منذ أواخر القرن الميلادي الماضي في جبهة العمل الإسلامي، الثقافية والفكرية خاصة. فأسس بديار تافيلالت التي عاش فيها ردحا من الزمن يفوق العقدين كأستاذ لمادة الفلسفة بأرفود، ثم بمدينة الرشيدية.
وأسس مع مجموعة من الأفاضل منارة للعلم والثقافة والدعوة والتربية جمعية الفتح الوطنية، فكانت منارة إشعاع وجذب من أبناء المنطقة كلها. التف حول أنشطتها مشاركين ومؤطرين ومستفيدين مفيدين، الأساتذة والطلبة والتلاميذ والنساء والأطفال والإداريون…وغيرهم من النشطاء في مجال الفكر والثقافة والعلم، أو الباحثين عن الهوية لأنفسهم وأبنائهم.
التقائي به:
ــــــــــــــــ
كان رحمه الله تعالى أحد أربعة أسسوا العمل الإسلامي والثقافي بإقليم الرشيدية، حيث التحقت بهم في مطلع التسعينيات، فوجدتهم في استقبالي للعمل والنشاط منذ أول يوم وطئت قدمي إقليم تافيلالت. وهؤلاء الأربعة، هم: عبد الفتاح فهدي رحمه الله، والحبيب الشوباني، والحسن أنزار، وعبد الهادي اليماني بارك الله في عمرهم جميعا، ورحم أخانا عبد الفتاح.
وحضرت اللقاءات معهم منذ أول يوم، فرأيت الود والصفاء بينهم منقطع النظير، مع اختلاف حاد وبيّن بينهم في القضايا التي يعرضون لها، بحكم تخصصاتهم المختلفة.
الرحلات الدعوية:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومع هؤلاء الأربعة، وعلى رأسهم أخونا الدكتور عبد الفتاح فهدي رحمه الله تعالى بدأت منذ أن وطأت قدماي أراضي تافيلالت الجولات الدعوية لجملة من مناطق إقليم الرشيدية، حيث رحلت معهم إلى كل من: بوذنيب، والريش، وكلميمة، وألنيف…وغيرها المناطق النائية لإقليم الرشيدية الممتد.
دينُ إقليم الرشيدية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان رحمه الله كلما التقيته أو التقيت مع صديقه الدكتور الحبيب الشوباني إلا وبادراني القول: إن لإقليم الرشيدية دين عليك يا أخي أحمد، فلا تنس زيارتها، والقيام بأنشطة علمية وثقافية وتربوية ودعوية لأبنائها…فهم في أمس الحاجة إلى الأخيار من هذا البلد.
الشجاعة الأدبية:
ـــــــــــــــــــــــ
لم يكن أخونا المشمول برحمة الله، يتهيب أي نشاط يقبل عليه أو يعرضه الغيورون عليه، فيتقدم من غير تردد أو حسابات. وكان شعاره: نتوكل على الله، ولا نضع الموانع أمامنا، فإذا صادفتنا ندبر أمرها مع من يهمهم الأمر بنفس دعوي.
وأذكر أن إحدى المؤسسات رفضت القيام بنشاط مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بمدينة الدار البيضاء. وفور اتصالي به، رحب وقبل على الفور، وطلب عقد اجتماعات يومية لمتابعة أشغال المؤتمر من أجل إنجاحه. فاحتضن مع زمرة من إخوته بمؤسسة المهدي بن عبود هذا النشاط بكل حيوية وأريحية. وكنت أحد الأعضاء المؤسسين لمؤسسة المهدي بن عبود وعضوا بمجلسها الإداري، فكان يقول لي: هذه مؤسستك، فتوكل على الله، وهيا للعمل.
لقد دخل رحمه الله في نشاط تهيب الكثيرون منه، واستحضروا الحسابات السياسية وغيرها. فلم يضع أي شرط لإقامة المؤتمر مع سعي قوي لإنجاحه، بل ذهب بعيدا، إذ رحل إلى الرباط للقاء بمجموعة من المفكرين والمثقفين يعرض عليهم الحضور والمساهمة لإبراز وجه المغرب، وأعلام المغرب، مع ثلة من وجوه وأعيان وعلماء المشرق. فأخذ الموافقة منهم، وعلى رأس هؤلاء مستشار جلالة الملك الدكتور عباس الجراري الذي سعد باللقاء، ورحب بالمشاركة، وأثنى على رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ثناء عطرا، وهو الدكتور احمد الريسوني ساعتها.
المسؤوليات:
ـــــــــــــــــــــ
تولى الدكتور عبد الفتاح فهدي رحمه الله تعالى مسؤوليات عديدة، منها:
** مسؤول الجماعة الإسلامية وحركة التجديد والإصلاح عن إقليم الرشيدية.
** مسؤول الملف الثقافي للجماعة الإسلامية.
** رئيسا لجمعية الفتح منذ تأسيها حتى انتقل إلى مدينة الدار البيضاء.
**عضوا بالاتحاد العالمي للمنظمات الأهلية: وقد نظم مؤتمر لها بالمغرب.
** عضوا عاملا في رابطة الأدب الإسلامي عند تأسيسها. وعضوا في مكتبها الإقليمي بالمغرب مع ثلة من أدباء الدار البيضاء ووجدة وغيرهما من المدن المغربية.
** رئيسا لمؤسسة المهدي بن عبود إلى أن وافته المنية.
الأعمال المشتركة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودخل رحمه الله تعالى في شراكات علمية وفكرية وثقافية مع أي مؤسسة يعرض نفسه عليها:
فدخل في شراكات علمية مع المؤسسات المعنية بشعر الملحون بمنطقة الرشيدية، وبالضبط في مدينة الريصاني. وساهم معها في مجموعة من الندوات الوطنية والمؤتمرات التي نظمت لهذا الغرض. فقام بإحياء تراث الملحون الذي يعبر عن الهوية المغربية، والمعبر بصدق عن الثقافة المغربية الأصيلة التي تمتاح من دين الإسلام العظيم.
كما نظم مع مجموعة من المؤسسات العلمية قراءة في مجموعة من الكتب النافعة، كان آخرها مع مركز المقاصد للدراسات والبحوث، حيث تم الاجتماع على قراءة كتاب:” الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية”.
وأقام بمدينة الدار البيضاء: الندوة الوطنية حول شعر الملحون: الواقع والآفاق.
كما دخل في أعمال علمية مع النادي الجراري ومع رئيسه الذي كان يقدره ويستجيب لاقتراحاته الدكتور عباس الجراري، الذي كان بيته مفتوحا في وجهه في أي ساعة من ليل أو نهار.
الإصدارات:
ـــــــــــــــــ
سطر الدكتور عبد الفتاح فهدي رحمه الله تعالى مجموعة من المقالات والبحوث في مجموعة من المنابر الإعلامية، منها: الإصلاح، والراية، والتجديد، وحراء، والعلم، والفرقان… وغيرها من المؤسسات. كما سهر على إصدار مجموعة من المؤلفات، منها:
** رصد الخاطر: في ثلاثة أجزاء، وهي مجموعة مقالات وبحوث وأعمال الدكتور المهدي بن عبود.
** شعر الملحون: الواقع والآفاق.
بالإضافة إلى أطروحته التي لم يكتب لها النشر بعد، حول القضايا الفلسفية والكلامية عند إمام الحرمين، عبد الملك الجويني. اشتغل عليها في زمن كانت مؤلفات الجويني مخطوطة. فتعامل معها مخطوطة وخاصة كتبه في علم الكلام.
الوفاة:
ــــــــــــ
انتقل أخونا عبد الفتاح فهدي إلى دار البقاء مغرب يوم الخميس، المستقبل لليلة الجمعة: 18 صفر الخير من عام 1446هـ الموافق ل: 22 غشت من عام 2024م. ودعاؤنا الخالص لله تعالى أن يتقبله في الصالحين، ويخلفنا وأهله في الغابرين، ويسكنه فسيح جناته. آمين، آمين.