
بقية الحديث … بسبب ما يعيشه المغرب حاليا من حالة جفاف ناتجة عن التحولات المناخية ، والمغرب يقع في منطقة مدنها أصبحت مهددة بالعطش نظرا لشح المياه ، ما جعل البلاد تعيش ما يسمى بالإجهاد المائي ، الأمر الذي جعل الملك محمد السادس يؤكد من خلال خطابه بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش على ضرورة التركيز على تحديات مشكل الجفاف الذي تواجهه البلاد بسبب توالي سنواته وتتطلب المزيد من ” الجهد واليقظة وإبداع الحلول والحكامة في التدبير ” .
وقدم الخطاب الملكي تشخيصا دقيقا لإشكالية الماء التي تزداد حدتها في هذه الظروف المناخية الصعبة والارتفاع الطبيعي للطلب فيما يخص هذه المادة الحيوية ، إضافة إلى التأخر في إنجاز بعض المشاريع المبرمجة في إطار السياسة المائية ، خاصة وأن رئيس الحكومة الحالية يعتبر منذ توليه وزارة الفلاحة والمياه والغابات والصيد البحري … مسؤولا عن تدني هذه المجالات التي عرفت ولازالت تعرف في عهده تفاقما كبيرا لقرابة 20 سنة خلت ، ولازلنا نعيش تبعاتها الكارثية على الصعيد الوطني ، ناهيك عن القرى والمداشر المتواجدة بما يسمى بالمغرب العميق ، سواء تلك المتواجدة في تضاريس صعبة كالجبال والأودية والصحاري … والتي يعيش سكانها الويلات ثم الويلات ، سواء فيما يتعلق بشح المياه او حدوث ظواهر طبيعية أخرى كالزلازل كزلزال الحوز مثلا ، والتي لازالت مشاكلها مطروحة بحدة في غياب حلول جادة للحكومة التي يبدو أنها صورية لا غير ، ولولا تدخل ملك البلاد في العديد من المناسبات لضاعت البلاد والعباد ، حيث أن سكان المناطق النائية يضطرون إلى قطع مسافات طويلة تعد بعشرات الكيلومترات لجلب المياه بوسائل تقليدية وبسيطة مما يؤدي إلى الهدر المدرسي ، مادام الاطفال يشاركون بقوة ، بل هم معنيون ، بعملية جلب الماء هذه ، بالإضافة إلى المشاكل الأخرى المترتبة عن هذه العملية من حوادث تعترض هؤلاء الأطفال في طريقهم الفاصلة بين بيوتهم ومصادر المياه ، كاعتراض الحيوانات المفترسة أو المصابة بالسعار أو غيره من الأمراض الخطيرة التي تهدد حياتهم وصحتهم وصحة من يعيش في محيطهم … و حيث اصبحت المدن بدورها تعيش محنة جلب الماء الشروب إليها بواسطة الحاويات بكل أنواعها سواء الحديدية الصدئة او البلاستيكية المهترئة ، لتزويد الساكنة بهذه المادة الحيوية التي وصفها الله تعالى بذلك في قوله ” وجعلنا من الماء كل شيء حي ” ورغم أن المملكة ، ولو بشكل متأخر شيئا ما ، انطلقت في اتخاذ عدة تدابير متنوعة في حلحلة هذا المشكل ، إما بمعالجة المياه العادمة او تحلية مياه البحر ، وإما بنقل الماء من حوض إلى آخر لإظهار نوع من التضامن ما بين الجهات في مجال الماء ، إلى جانب تفكيرها في الاعتماد على عملية الاستمطار الصناعي الذي رصدت له ماقدره 10 ملايير سنتيم ، وذلك لتلقيح السحب بحوالي 42 موقعا للاستمطار الصناعي و7 مراكز كبرى بربوع المملكة ، في إطار ما يسمى بمشروع “غيث” الذي يسعى إلى الزيادة في التساقطات المطرية بنسبة 20 بالمائة وذلك عن طريق الطائرات المخصصة لرش مواد كيماوية على السحب وجعلها تفرج عن حمولتها على شكل تساقطات ، مما يجعل ذلك يكلف الدولة صرف أموال طائلة تعد بملايير الدراهم ، وتسخير العديد من الآليات والوسائل ، ووضع الكثير من المخططات والبرامج سدى ، وتجييش العديد من الطاقات الفكرية والبشرية سعيا وراء إيجاد حلول سريعة وناجعة لحلحلة المشكل المطروح ، قبل استعصائه واستفحال تبعاته التي نحن في غنى عنها الآن .
خاصة وان المغرب مقبل على الدخول في عدة رهانات إقليمية ودولية ستوجه نحوه المنظار وتفتح له الآفاق نحو الريادة في العديد من المجالات ، إن استطاع استغلال الأوضاع بحسن التصرف وجعلها تصب في مصلحة البلاد والعباد ، ومنها التظاهرات الرياضية كاحتضانه للبطولات القارية الإفريقية انطلاقا من 2026 والدولية في كرة القدم سنة 2030 التي سينظمها المغرب بمعية إسبانيا والبرتغال ، والتي هو بصدد إعداد ملاعب في مستوى هذا العرس الكروي ، حيث أعطى ملك البلاد تعليماته بانطلاقة بناء ملعب الحسن الثاني بمدينة ابن سليمان التابعة لتراب الدار البيضاء والذي سيكون أكبر ملعب في العالم نظرا لأنه سيتمكن من استيعاب ما يفوق 115 الف من المتفرجين ، ويرتقب ان يحتضن نهاية كاس العالم خلال هذه التظاهرة الرياضية العالمية .
إلى جانب المجالات السياحية والاقتصادية والصناعية التي ستعرفها جل ربوع المملكة ، وخاصة الاقاليم الصحراوية ، التي ستشهد ولادة الميناء الأطلسي الدولي بمدينة الداخلة المفتوح في وجه دول الساحل ، بالإضافة إلى إقبال الشركات الأجنبية العملاقة على الاستثمار بهذه الاقاليم ، وعلى رأسها الشركات البريطانية والفرنسية والالمانية والكورية والهندية والصينية والروسية وغيرها في مجالات متعددة ، مما سيحول المنطقة إلى قطب صناعي واقتصادي تنافسي عالمي يساهم في إعطاء المملكة صورة جديدة ومكانة مرموقة وقوية لبناء مغرب حديث وبمعايير عالية تزيد من أهميته وقيمته في المجتمع الإقليمي والدولي …
إلا أن السياسة المتبعة من طرف مسؤولي الدولة من خلال بعض المواقف غير الشاذة يجعلها لا تسير بجدية وفق الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ، حيث كشفت منصة “فريش بلازا” المتخصصة في سوق تصدير واستيراد الفواكه والخضروات، أن المغرب يستعد لشحن 200 شاحنة محملة بالأفوكادو إلى الأسواق الدولية، رغم موجة الجفاف التي تضرب البلاد.
وأكدت المنصة أن عملية حصاد الأفوكادو المغربي ستبدأ قريبا، بحجم غير مسبوق يصل إلى حوالي 80 ألف طن، بزيادة تبلغ 33 في المائة مقارنة بالموسم السابق، مما يجعلنا نشك في نية مسؤولي الدولة من خلال مثل هذه القرارات التي يقدمون عليها ، وما خفي كان أعظم ، وخاصة بعد الخطاب الملكي السامي الأخير والذي أعطى جلالته من خلاله تعليمات صريحة وواضحة لوضع حد لهذا المشكل وتناول جوانبه بكل جدية ومسؤوولية .
كما لا نستثني دور المواطنين الذين لازالوا ، في ظل هذه الوضعية الخطيرة التي سببتها حالة الجفاف هذه والناتجة عن التحولات المناخية ، يتعاملون معها بكثير من الاستهتار والعبث بهذه المادة الحيوية في سلوكاتهم وتصرفاتهم غير المسؤولة التي لا ترقى إلى درجة الحفاظ عليها والعناية بها ، بحيث يتم تبديرها في عدد من الأمور اليومية كسقي الأعشاب والحدائق وغسل السيارات وملء احواض السباحة وأمور أخرى كثيرة ، ناهيك عما تقوم به الدولة في إطار خدماتها العمومية التي تكرس عبثية التبدير المائي عبر مؤسساتها ، التي يجب أن تسلك عملية ترشيد الماء بإمكانياتها وآلياتها المتوفرة لها وخاصة في مجال الفلاحة ، وتحديد المنتوجات التي يمكن للفلاحين الإقدام عليها والابتعاد عن تلك التي تهدر الحقينة المائية بالمغرب وتثقل كاهل السدود والأنهار والفرشة المائية ، حتى لا نسقط في مشكل الجفاف والقحط وتبعات نذرة المياه … وللحديث بقية …