
إن القضية الفلسطينية هي أم القضايا، لقد تعرضت منذ انطلاقها لكل أصناف الإستغلال، حيث تمت المتاجرة بدماء هذا الشعب و عذاباته و محنه، ولم يسلم من هذه المتاجرة الرخيصة إلا الصادقين، وقليل ما هم حيث يمكن عدهم على رؤوس أصابع اليد الواحدة، والتجار كما يعلم الجميع هم نوعان، فهناك تجار الجملة الكبار وتجار التقسيط الصغار، و البداية مع تجار الجملة الكبار وهم الحكام، لقد عملوا على استغلال القضية بشكل وقح، في الحقيقة لم يقصروا في هذا الباب وقاموا بما يلزم، وذلك من أجل تثبيت كراسي حكمهم المهزوزة، حيث ركبوا ظاهريا موجة تحرير فلسطين، لتهدئة الجماهير الثائرة و خداعها بشعارات براقة، وهذا داخل في إطار ( استحمار الشعوب)، كما جاء في كتاب (النباهة والإستحمار) للأديب علي شريعتي، و لقد تمت تصفية الكثير من المعارضين، بدعوى العمالة و (التخابر) مع الصهاينة، وهذه من التهم التي وجهت للشهيد محمد مرسي، طبعا كل هذا يعد مجرد مزايدات سياسية فارغة، ليتم مؤخرا تعرية الكثير من الحكام بسبب ملحمة غزة، و هكذا سقطت الأقنعة عن وجوه بعض الأنظمة، حيث ظهر أنهم هم المتخابرون والعملاء بحق، لقد زودوا العدو بالمال والسلاح والغذاء، كما تم تقديم معلومات خطيرة للعدو عن المقاومين، كما أن هناك حكام يستغلون القضية لدواعي طائفية، وذلك من أجل نشر مذهب معين على حساب دماء الشهداء، المهم عندهم هو سيادة المذهب و ليذهب الجميع للجحيم..!!، وقبل أن نغلق ملف المتاجرين الكبار بالقضية الفلسطينية، ومن باب أن الخيرين في هذه الأمة باقون إلى يوم الدين، نذكر بعض القادة الذين دفعوا حياتهم في سبيل القضية، سواء أكان الإغتيال بطرق مباشرة، أو غير مباشرة أي التصفية بأساليب ملتوية و تحت ذرائع مختلفة، وذلك منذ أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى يومنا هذا لكن المجال لا يتسع لذكر الجميع، سأكتفي بذكر ثلاثة فقط من الحكام واحد في القرن الماضي، أي زمن التصوير بالأبيض والأسود، واثنين معاصرين في زمن الفضائيات والتصوير بكل الألوان، والبداية مع شهيد القضية الفلسطينية، فيصل بن عبد العزيز رحمه الله الذي استعمل سلاح النفط، حيث قررت السعودية في حرب أكتوبر 1973، قطع إمدادات النفط عن الدول الداعمة للصهاينة، وقرر كذلك عدم الإعتراف بدولة الإحتلال، فتم اغتياله بعملية إرهابية من داخل البلاط، والثاني القائد الشهيد إن شاء الله صدام حسين، أول رئيس عربي يقصف عاصمة الإحتلال، انطلاقا من عاصمة الرشيد بغداد بصواريخ (اصكاد)، والثالث الرئيس الشهيد إن شاء الله محمد مرسي، الذي وقف مع غزة موقفا بطوليا أثناء العدوان الصهيوني، وقدم لها دعما كبيرا وغير مشروط، لقد فتح المعابر بكل حرية ذهابا وإيابا ولم يخرب الأنفاق، بل هدد كذلك بتدخل مصر عسكريا إلى جانب المقاومة، مما أجبر العدو الصهيوني على وقف الحرب فورا، ثم ننتقل للمتاجرين الصغار بالقضية الفلسطينية، هؤلاء البؤساء رغم أن استغلالهم للقضية الفلسطينية، لا يرقى لما تقوم به بعض الأنظمة من استغلال لها، لكن يبقى على كل حال توظيف بئيس لقضية كبرى، ولهم في ذلك عدة طرق وأساليب وأهداف، قد تختلف من فرد إلى آخر وذلك حسب الإمكانات المادية والتقنية لكل واحد، وقبل الدخول في صلب الموضوع لابد من التذكير بهذا الأمر : أنا لا أعمم هذه الأحكام على الجميع، فهناك أفراد وحكام صادقون في دعمهم، لكن المشكل أنهم قليلون لدرجة أن تأثيرهم بسيط، لكن نرجو من الله أن يبارك في عملهم و يجزيهم، عودة إلى موضوع المتاجرة بالقضية الفلسطينية، هناك من يوظف القضية لأسباب شخصية تافهة، باختصار رغبة منه في حب الظهور، واحتلال مساحة معتبرة في وسائل الإعلام بتصريح هنا وتصريح هناك، المهم أن يشار إليه بالبنان وأنه سيد الميدان بلا منازع، وهذا بمنطق ( أنا وحدي نضوي لبلاد) أو ها اناذا…!!، لكن هناك من هو أذكى منه حيث يستغل القضية الفلسطينية، لرفع نسبة المتابعين لموقعه ليجني من ذلك أموالا كثيرة، والأقذر من كل ذلك هو الإستغلال السياسي للقضية، فقد يأتي عضو برلماني سابق أو وزير يريد ركوب القضية، وذلك من أجل ترميم شعبيته المنهارة، أو الإستعداد للترشح في الإنتخابات النيابية أو النقابية المقبلة، إن فلسطين لن يحررها إلا شخص أخلص النية لله، الذي يطلب الجنة بصدق ولا يهتم بزخرف الدنيا الفاني، يبدو أن وزارة الداخلية هذه السنة جد ( سعيدة)، و مرحبة بوقفات ومظاهرات واحتجاجات الشعب المغربي، مادام الأمر يتعلق بفلسطين لا مشكل في الترخيص، يكفي فقط أن تقدم الطلب حتى تكون وزارة الداخلية في الخدمة، مظاهرة في العاصمة لا مشكلة قد تجد كل التسهيلات، هنا تكون الشرطة فعلا في خدمة الشعب، تسهيل المرور والعبور للحاج كبور، لكن تعامل الداخلية قد يختلف عند المطالبة بترخيص لمظاهرة، حيث يكون الموضوع هو الإحتجاج على ارتفاع الأسعار، أو ضد ضرب التعليم العمومي أو ضد خوصصة قطاع الصحة، إذا كان الشعب جاهلا مريضا فقيرا، بسبب سياسة الحكومة الفاشلة، في الميدان الإجتماعي والصحي والتعليمي، فلن يستطيع الشعب مساعدة فلسطين ولا غيرها، في نظري وزير الداخلية مرتاح لمظاهرات فلسطين، وهذا استغلال من نوع آخر للقضية الفلسطينية، بشكل يبعد الناس عن همومهم اليومية مع الغلاء الفاحش، لقد سمحت الداخلية ب 5 الآلاف بين مظاهرة ووقفة، منذ السابع من أكتوبر إلى اليوم، وهذا كرم حاتمي وأمر غريب من وزارة تتشدد في منح التراخيص، فهل ستسمح مثلا بعدد أقل من المظاهرات دفاعا عن حقوق الشعب..؟، لست ضد الوقفات مع القضية لكن شيء من الإعتدال، يجب كذلك أن نلتفت إلى مصاصي دماء الشعب، والدفاع عن المدرسة العمومية والمستشفى العمومي، إن مطالب الشعب في العيش الكريم لها أهميتها كذلك….✊🏼