
ليلة عصيبة عاشها إقليم طاطا بعد الفيضانات التي اجتاحت المنطقة، حيث خلفت أضرارًا جسيمة على مستوى الطرقات والقناطر والبنية التحتية، ما أعاد إلى الواجهة السؤال القديم الجديد حول الفساد وسوء التسيير في الجماعات المحلية. وبينما تركزت الأنظار على حجم الكارثة، فإن الأسباب الحقيقية وراء تفاقمها تُغفل عن قصد أو عن إهمال: بنية تحتية متهالكة، وإدارة عاث فيها الفساد.
لطالما كانت البنية التحتية في طاطا محط انتقاد من السكان المحليين، الذين عانوا لسنوات من إهمال واضح في صيانة الطرق والجسور والمنشآت الحيوية. هذه الفيضانات لم تكن سوى جرس إنذار جديد، كشف هشاشة تلك المنشآت التي انهارت بسرعة أمام سيول الأمطار. وما يحدث اليوم هو نتيجة طبيعية لسلسلة طويلة من الإهمال والفساد الذي استفحل في الجماعات المحلية، حيث تُنفذ المشاريع على الورق، بينما الواقع يُظهر الفجوات الكبيرة بين الميزانيات المخصصة والتطبيق العملي.
تشير أصابع الاتهام بشكل واضح إلى سوء التسيير في الجماعات التي تقع ضمن نطاق إقليم طاطا. فمنذ سنوات، تُدار هذه الجماعات بأسلوب يخدم مصالح ضيقة لأفراد بعينهم، بينما تُترك مشروعات البنية التحتية المهمة إما معلقة أو منفذة بأساليب متواضعة لا ترقى لحجم التحديات الطبيعية التي تواجه المنطقة.
ماذا عن المحاسبة؟ هنا يكمن السؤال. فالمسؤولون المحليون، الذين تتوزع مصالحهم بين السياسة وإدارة المال العام، غالبًا ما يفلتون من الرقابة والمحاسبة، مستفيدين من مظلة من الفساد الإداري والمالي. وفي كل مرة تأتي فيها كارثة طبيعية، تُدفن الملفات القديمة، ويُلقى اللوم على القدر بدلاً من مواجهة الحقيقة: الفساد.
ليس المواطن العادي بعيدًا عن تلك المعادلة. فأهل طاطا، الذين لطالما اشتكوا من غياب البنية التحتية الملائمة، وجدوا أنفسهم هذه المرة أمام كارثة مضاعفة. لا يقتصر الأمر على الخسائر المادية الناجمة عن الفيضانات، بل يتعداه إلى تعطيل حياتهم اليومية، بعدما أصبحت الطرق غير صالحة للاستعمال، والجسور مدمرة، ما يزيد من عزلتهم ويعمق معاناتهم.
إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ سؤال يؤرق سكان الإقليم، الذين يشعرون بأنهم مجرد أرقام في ملفات المشاريع التنموية التي تُعلن بين الحين والآخر، دون أن يلمسوا أي تغيير فعلي على الأرض.
لطالما كانت الكوارث الطبيعية فرصة للمراجعة، لكنها في طاطا تبدو وكأنها تمر مر الكرام، دون أي حراك فعلي من المسؤولين لتحمل مسؤولياتهم. إذا كانت الفيضانات قد فضحت هشاشة البنية التحتية، فإنها أيضًا كشفت عن عمق أزمة التسيير التي تعاني منها الجماعات المحلية. فالمواطن الذي دفع ثمن هذه الفيضانات، بات يسأل: متى ستكون هناك محاسبة حقيقية؟ وهل ستتم مراجعة المشاريع المتعثرة أم أن ملف هذه الكارثة سيُضاف إلى ملفات سابقة طويت في الأدراج؟
ما حدث في طاطا ليس مجرد فيضانات دمرتها الطبيعة، بل هو أيضًا نتيجة فساد وسوء تسيير فاقما من حجم الكارثة. في الوقت الذي يحتاج فيه الإقليم إلى إعادة بناء حقيقية على مستوى البنية التحتية، فإنه يحتاج أيضًا إلى بناء جديد على مستوى الثقة بين المواطن والمسؤول، ثقة لا يمكن استعادتها إلا عبر محاسبة جادة وشفافة، تضع حدًا للفساد وتعيد الاعتبار للتنمية المحلية.