رأي

كلام مسهب حول ظاهرة الغش ورائحتها الفواحة التي وَسَمت وزكمت أنوف حتى الأمم النصوحة

بقلم الشيخ عبد اللطيف بوعلام

لا أبالغ إذا قلت بأن الغش أصبح الآن يطال جميع مناحي الحياة برمتها؛ حيث أضحى ظاهرة مجتمعية وعالمية ومسألة جد معقدة للغاية؛ ذلك أن المتصفح لأحوال الناس سيُصاب لا محالة باليأس والقنوط من تحلي معظمهم افتخارا بالتدليس والنصب والاحتيال مشيدين بالفاعلين وَسْما لهم بالنباهة والشطارة تحت شعار حديث التخريف والتزييف: ” لي جبر شي ضحكة أو ما ضحكش عليها ربي كيحاسبو بها “، وتطالعنا وسائل التواصل الاجتماعي بالتوازي مع برنامج ” حضي راسك ” بقصص خيالية في الغش من حِبكة الجن المردة في التزوير وقلب الحقائق والوقائع لاقتناص الضحايا بأساليب هوليودية لا يصدقها العقل مما أفقد العديد الثقة حتى في جلبابه وأهله وأفلاذ كبده، حيث جعلهم مخندقين في خانة الحيطة والحذر؛ وبالرغم من فطانتهم ونباهتهم فتراهم يسقطون في شَرَك: ” التقوليب والحشية “، ولن تجد أحدا _ إلا من رحم ربك _ لم يتعرض لعملية أو عمليات محبوكة بدقة قد تركت في نفسه آثارا سلبية، وما زال يجتر مرارتها إلى الاحتضار، ولا داعي لسرد تلكم الأحداث المنبئة عن تردي السلوك البشري إلى ما تحت الصفر، والتي تحتاج بالفعل والإلحاح إلى ضوابط أخلاقية تُعرف بهذه الآفة الحالقة المخرجة من الملة طبقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” من غش فليس منا “. ( تأمل قوله: ” من غش ” على تحريم الغش إطلاقا دون النظر إلى العقيدة، لأنه يروج في بعض الأذهان أن الغش مُحرم بين المسلمين، ومُغتفر حدوثه مع غيرهم لورود الحديث نفسه بنص آخر ذائعا صيته على الألسن: ” من غشنا “، والثابت شرعا أن أداء الأمانات والمواثيق والعهود المبرمة بين الناس من أوجب الواجبات، وما انتشر الإسلام في البلدان التي لا تدين به إلا بالتجار الصادقين في بضاعتهم والمخلصين في عهودهم ومعاملاتهم )؛ ويحتاج كذلك إلى تطبيق تلكم الترسانة الزجرية لردع كل من سولت له نفسه خيانة المسؤولية والأمانات الموكلة إليه مستمتعا بالضحك على جيوب الأمة والتسبب في هلك حرثها ونسلها.. ذلك أنه لو تم تفعيل وتطبيق القانون بصرامة على المعتدين المتسورين للحدود ما رأينا مثل هذه التجاوزات المشينة والمسيئة لسمعة بلدنا العزيز الذي كثر حساده على الاستقرار المنعم فيه، فمهما حاولوا وجندوا طاقاتهم الظاهرة والخفية للنيل منه، فلن يستطيعوا زعزعة قلامة ظفر منه، ويا جبل ما يهزك ريح؛ ذلك، فنحن مسموح لنا انتقاده بانتمائنا إليه حرية تعبيرية وثقافة اعترافية، وغيرتنا الوطنية تقتضي منا المساهمة بالتي هي أحسن في تقويم الاعوجاجات والزلل، ولن نسمح البتة لغيرنا الغارق في الإحن والمحن والوحل بأن يخوض فيه، وهو مملوء بالحقد والحَوَل لا يرى فينا سوى النقائص مهووسا مصابا بالجنون والخبل، والقاطرة تسير، ولا يضر السحاب نباح الكلاب، فاللهم اهدنا واهد بنا إلى جادة الصواب، وكفانا من هذه السلوكات المخزية الموجبة لغضب الرب، وهتك سر المتعاملين بهذه المعاوضة لأجل بعض الدريهمات بقاعدة: * والله أو ما حلفت ما تبيع أو ما غشت حتى تضيع. أو ادهن السير يسير. أو ميك علي نميك عليك * لاقتسام الغنيمة وجمع حطام الدنيا الفانية، ومهما استخفينا من الناس، وتلاعبنا بعقولهم، فهناك الواحد القهار الذي لا تخفى عليه خبيئة وخافية خير أو شر، فيحصيها ويثيب عليها دون محاباة أو تحيز: * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره *. * ووُضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه، ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضرا، ولا يظلم ربك أحدا * صدق الله العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى