والغوا فيه لعلكم تغلبون..!

عنوان هذا المقال جزء من آية في سورة فصلت وهي قوله تعالى ( وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) ..

ومعنى قوله تعالى : ( والغوا فِيهِ ) من اللغو ، وهو الكلام الساقط الذى لا فائدة فيه يقال : لغا فلان فى كلامه يلغو ، إذا نطق بكلام ساقط لا خير فيه .
ويبدو أن هذا الكلام قد قاله الزعماء من كفار مكة لأتباعهم ، فقد ورد عن ابن عباس أنه قال : قال أبو جهل – لأتباعه – : إذا قرأ محمد فصيحوا فى وجهه ، حتى لا يدري ما يقول.وقال مجاهد : المعنى والغوا فيه بالمكاء والتصفيق والتخليط في المنطق حتى يصير لغوا . وقال الضحاك : أكثروا الكلام ليختلط عليه ما يقول . وقال أبو العالية وابن عباس أيضا : قعوا فيه وعيبوه لعلكم تغلبون محمدا على قراءته فلا يظهر ولا يستميل القلوب..!
مناسبة استدعاء هذه الآية الكريمة ما يروج في بعض قنوات اليوتوب من تحريف للقرآن ولغط حوله بآلات الموسيقى باتخاذه نظما لأغاني الراب من بعض أحفاد أبي جهل الذي نزلت فيه وفي أمثاله الآية الكريمة..!
ليس عند المسلمين أقدس من كلام الله إذ هو صفته سبحانه، وبالتالي فنحن إزاء حملة من نوع مختلف عن الحملات الفكرية التي قادها ويقودها مستشرقون يطعنون في القرآن والسنة وسار على نهجهم تلامذتهم من بني جلدتنا أمثال حسين مروة وخلف الله والقمني وأركون وأصحاب القراءة المعاصرة للنص القرآني وعلى رأسهم شحرور و مدرسته التالفة..!
فلما تبين لخصوم الإسلام أن هذه الحملات الفكرية بقيت حبيسة التطارح الفكري لدى النخبة في الصالونات المكيفة ولم تنفد إلى الجمهور الواسع من المسلمين أفتاهم إبليس بأن يتخذوا القرآن مزامير وغناء بأسلوب الراب الذي يستهوي الشباب..!
وهذه ليست تهمة سمعتها بل رأيت وسمعت بأذناي أغنية الراب لمجموعة عبدة الشيطان بلباسهم المعروف وسلاسلهم التي سيسحبون منها لقعر جهنم إذا لم يتوبوا..!
إن اللغو بالقرآن والاستهزاء بآيه كفر بواح لا خلاف حول كفر المتلبس به، ويستحق صاحبه أشد العقوبات، فهو مرتد خارج من الملة سواء كان جادا أو مازحا..!لقوله تعالى:(قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؛ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) [التوبة:65-66].
قال عبد العزيز الحنفي في (كشف الأسرار) معلقا على هذه الآية: فصار المتكلم بالكفر بطريق الهزل مرتدا بعين الهزل لاستخفافه بالدين الحق لا بما هزل به، أي لا باعتقاد ما هزل به.
وقال ابن قدامة في المغني:ومن سب الله تعالى كفر سواء كان مازحا أو جادا، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو بكتبه، قال تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)
لقد كان الإبداع مجالا للرقي بالذوق ومدخلا لترسيخ معاني القيم النبيلة في النفوس، فإذا نحن نستفيق على اتخاذ الإبداع مدخلا للطعن في العقيدة وتحريف كلام الله والاستهزاء به وخلطه بآلات الموسيقى والرقص، وهذه والله مصيبة أخرى تحل بأمتنا المكلومة، فهل من ذي سلطان يغار على دينه يؤدب هؤلاء الشياطين الذين ظهروا في جثمان إنس؟! سيما أن بعض هذه الفيديوهات جاء مصحوبا بتعليقات تتهم دولا إسلامية برعاية هذا العفن وتقديمه في مهرجانات غنائية، وقد تأكدنا أن هذه التهم عارية عن الصحة، فحق على مثل هذه الدول التي يتم تلطيخ سمعتها أن تغضب للقرآن ولدستورها فتنزل أشد العقوبات بهؤلاء السفلة إذا كانوا بأرضها أو تتابعهم قانونيا إذا كانوا خارج أرضها ف(إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) كما صح عن سيدنا عثمان رضي الله عنه..!
وأختم بهذه الفتوى لأحد أئمة المالكية في الحكم بردة هؤلاء:
جاء في الشرح الكبير للدردير المالكي -في موجبات الردة-: (إلقاء مصحف بقَذَر – ولو طاهرًا- كبصاق، أو تلطيخه به، والمراد بالمصحف ما فيه قرآنٌ ولو كلمة، ومثل ذلك تركُه به أي عدم رفعه إن وجَدَه به؛ لأن الدوام كالابتداء، فأراد بالفعل ما يشمل الترك إذ هو فعلٌ نفسي، ومثلُ القرآن أسماءُ الله، وأسماء الأنبياء، وكذا الحديث؛ كما هو ظاهر). اهـ.