متصدرو الفتوى والمتصدرات المساهمون بفضولهم وتدخلاتهم في شتات العائلات.
بقلم الشيخ عبد اللطيف بوعلام

لقد استرعى انتباهي وأنا أجيل النظر كعادتي الاعتيادية في شاشة هاتفي بحثا عن أي فائدة أو فكرة مثيرة وجود مجموعة من الناصحين والناصحات الاجتماعيين المُنبرين لنجاح الزواج بالمطالبة بالحقوق الندّية بين الشريكين في هذه المؤسسة التربوية والاقتصادية معتقدين أنهم بتحريضهم وانحيازهم لحساب طرف على طرف بأنهم بفِعلهم هذا يحسنون صنعا، ويقدمون خدمات جليلة لاستمرارية العهد والميثاق الغليظ…واخترت لكم فتوى إحدى المهووسات بالتنمية الذاتية، وهي تدغدغ عواطف الرجال بكلامها المعسول حول القيمة التي حظيت بها الأمهات من قِبل رب الأرضين والسموات ناهيات وآمرات في التعسف على نساء أبنائهن بتفضيلهن عليهن في كل شيء، ولو أدى ذلك إلى تطليقهن دون مبرر مبالغة في الطاعات استنادا بالخصوص على مضمون الحديث الصحيح المأثور عن نبي الهدى المبعوث رحمة للعالمين حين سأله أحد الصحابة: * من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك *، واستنادا كذلك على الحديث الدارج على الألسن اشتهارا: * الجنة تحت أقدام الأمهات * متبجحة بقولها مزهوة ومشرِّعة: ” تمشي مرا وتجي مرا. أما الأم ما عندكش باش تبدلها بأخرى”، فأوضحت لها ولغيرها من المعجبين المنتقصين من شأن صويحباتهم في السراء والضراء الصالحات القانتات الحافظات لأسرارهن الولودات لأفلاذ الأكباد من البنات والأولاد ما يلي:
هذا الكلام _ أيتها الناصحة الجريئة الأمينة _ فيه نظر ومجانب للصواب من جهتَي السنة والكتاب، ذلك أن الله سبحانه وتعالى الحكَم العدل أوصى بالوالدين حُسنا في قوله تعالى: * وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا *، ورسوله الكريم المبلغ عنه جعل رضى الله في رضى الوالدين، وسخطهما في سخطه بتحقيق مناط أن ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ” قاعدة مطردة في كل نازلة ومسألة، لكن بالمقابل وموازاة مع ذلك، فقد أوصى صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا. حيث كان من بين آخر وصاياه: “. “رِفقا بالقوارير”. “اللّهَ اللّهَ في النساء فإنهن عَوَان عندكم” عوان: أي أسيرات في أيديكم لا يتحركن إلا بأمركم، وطاعة أولادهن لهن مرهونة بطاعتكن لكم، فاتقوا الله فيهن، وحيث إن ديننا الحنيف أمر الرجل بأن يحسن العشرة لزوجته بخطاب إلهي واضح في قوله تعالى: * وعاشروهن بالمعروف *، وأمر بالإحسان إليها وإكرامها: “استوصوا بالنساء خيرا “، وبأن يجعلها أولوية في حياته: “خيركم خيركم لأهله”، فزوجتك أحق بالابتسامة من كل النساء والناس أجمعين (بعد والديك)، ذلك أن زوجتك مصروفها عليك واجب ولو كانت غنية بدليل قوله عز وجل: * الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم… * إلا إذا أرادت مشاركة زوجها في تكاليف أعباء الحياة عن طيب خاطر، وهي أولى بالصدقة والصداقة والمحبة والمعروف؛ وللبيان والترغيب في قِطاف وتكثير الحسنات أن نفقتك على أهل بيتك صدقة.. بل وأجرها وثوابها أعظم من غيرها لأن خير الدنانير ما تجعله في صالح إدخال السرور عليها، وبأن تعاملها بلين ورفق وتدللها: “أعظم الصدقة اللقمة يضعها الرجل في فم امرأته”، وبالصبر عليها: * فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا *، وألا تنسى ما بينكما من خير: * ولا تنسوا الفضل بينكم *..و” لا يفرك مؤمن مؤمنة، إِن كره منها خلقا رضي منها ٱخر”، ولأجل ذلك وجب تحكيم العقل بالموازنة في هذه المسألة الحساسة: “فالظلم _ كما هو معلوم لدى الجميع _ ظلمات يوم القيامة..”، والرفق بالزوجة واحترامها دليل على اكتمال الرجولة: قال صلى الله عليه وسلم: ” الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ “. رواه مسلم… لذا فالمؤمل والمظنون في المسلم الحقاني ألا يميل ويرجح كفة طرف على طرف بشِق فيه نوع فاضح من الحيف والغُبن، وعليه بتطييب الخواطر ولو أدى به الأمر إلى الحلف والكذب لإرضاء الطرفين دون استعمال الكلام الجارح المفضي إلى السخط والطلاق لأن الشارع أباح الكذب في تهدئة تقلبات عواطف المرأة لإرضائها، وعلى العدو في حالة الحرب، ولإصلاح ذات البين بين المتخاصمين؛ والغريب العجيب الذي يحير كل لبيب أن كل من هب ودب، وليس له نصيب وزاد كاف لفهم مقاصد الشريعة سوى دغدغة عواطف المعجبين والمعجبات لحصد اللايكات جمعا لبعض الدريهمات أو رغبة في شهرة الأحياء الأموات، فتراه يوصي ويُفتي في هذه الأمور الدقيقة عن قصد أو بغير قصد، فيُسبب بتدخله وقِصر نظره وقلة زاده مشاكل للناس دون أن يدري؛ ذلك أن الشأن كله في حقيقته متروك لأهل العلم في تفصيل المراد، فهم الذين يتحملون المسؤولية البالغة في تبيان ما استشكل أمره. أما من حشر أنفه، وأقحم ذاته دون علم ودراية، فله وزر ذلك، ولن يجر على نفسه وعلى الأمة سوى الخيبات بدليل أن ميلان الكفة لطرف دون طرف مُسهِم في شتات الأسر، وما فينق الطلاق وطوفان خراب البيوت ببلدنا العزيز تخفى سرعته الحالقة على كل ذي نظر، فاللهم اهدنا واهد بنا إلى جادة الصواب والسببل الأقوم. إنك بنا أعلم وأرأف وأرحم. وصبرا مأجورا معنا على هذه الإطالة التي أملاها ظرف هذه الحيثية المتعلقة بهدم عُرى المحبة بين المرء وأمه وأبيه وصاحبته التي تؤويه.