رأي

هجوم الفيتنام وطوفان القسام

عام من الطوفان 1/8:

مولاي إسماعيل العلوي

اليوم 361 من العدوان

على إيقاع صفارات الإنذار في الكيان الصهيوني ووصول طلائع الصواريخ الإيرانية –قبل قليل- لفلسطين المحتلة، وبمناسبة مرور عام كامل على انطلاق “طوفان الأقصى” فلنقم بإنعاش للذاكرة، ونعود لمقارنة هجوم تيت لثوار الفيتنام بهجوم نخبة كتائب القسام، فماذا وقع قبل عام؟

بعد الهجوم البطولي المفاجئ والكاسح الذي نفذته “حماس” يوم السابع من أكتوبر السنة الماضية، شرع بعض المحللين والمتابعين في استدعاء العمليات السابقة المماثلة لعلهم يجدون بعض أوجه التشابه، فرأينا من يقارن العملية غير المسبوقة بعبور 6 أكتوبر 1973 الذي نفذه الجيش المصري ضد “إسرائيل”، كما فضل البعض الآخر مقارنة هجوم “طوفان الأقصى” بهجوم «تيت» الفيتنامي Tet offensive، في 30 يناير 1968 حيث اختار الثوار الفيتناميون الفيتكونغ (VC) صباح يوم الاحتفال برأس السنة القمرية الفيتنامية المسماة (Tet) لاكتساح جميع أنحاء فيتنام الجنوبية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، فقد خطط رفاق هوشي منه للهجوم في سرية تامة ونفذوه بسرعة فائقة، حيث هاجموا في وقت واحد أكثر من 100 موقع عسكري في شتى المدن والبلدات، بما فيها القواعد العسكرية الأمريكية، وقد وصل الاجتياح المفاجئ إلى العاصمة سايجون، واقتحم المقاتلون السفارة الأمريكية وملحقاتها، فنقلوا بذلك الحرب -لأول مرة- من مواقعهم الشمالية الى ساحات فيتنام الجنوبية..

وإن كان هجوم «تيت» قد انتهى بإمطار الفيتناميين الشماليين بأطنان من المتفجرات عبر النيران الأمريكية الغاضبة والمنتقمة من انهيار صورتها في العالم، فقد اجمع المؤرخون على أن ذلك الهجوم كان نقطة تحول استراتيجي في الحرب الفيتنامية، وهو الذي مهد لهزيمة أمريكا في فيتنام وانسحابها منها تجر تجُـرّ أذيال الخيبة، وشكل فعلا لحظة تاريخية محورية غيرت مسار الحرب كليا، وكان له ما بعده..

وإذا عدنا إلى المقارنة بين 6 أكتوبر 1973 و7 أكتوبر 2023 فيكفي أن نستمع إلى أحد قادة الرأي الاسرائيليين: ناحوم برنياع ونعود لهجوم «تيت»، إذ رفض ناحوم المقارنة بين الهزيمتين، وقال بكل صراحة : “صحيح أننا خسرنا في أكتوبر 73 عدداً أكبر بكثير من الضحايا، ولكن في غفران 1973 واجهنا أكبر الجيوش العربية، وليس “منظمة إرهاب” من الدرجة الثانية” على حد قوله.. فقد اعترف ناحوم بكل صراحة بأن هزيمة أكتوبر كانت أقل ألما لأنها كانت أمام أكبر الجيوش العربية (مصر)، ولسان حاله يقول ان ضربة “طوفان الأقصى” كانت أشد إيلاما بكثير، ولا مجال لمقارنتها بهجوم جيش أكبر دولة عربية..!
وبالعودة إلى المقارنة مع هجوم تيت الفيتنامي، الذي فضل البعض مقارنته بهجوم طوفان الأقصى، فإن هجوم رجال محمد الضيف صباح 7 أكتوبر قد تجاوز بكثير هجوم رفاق هوشي منه صباح 30 من يناير، كيف ذلك؟
​باختصار شديد، إذا كانت خطة محمد الضيف (القائد الأعلى لكتائب عز الدين القسام) ورجاله قد نضجت على نار هادئة، واستمرت لشهور عديدة تماما كما فعل هوشي منه ورفاقه، فإن الفرق الشاسع بين الرجلين والحركتين هو أن كتائب القسام كانت تستعد في ظل حصار خانق من الأشقاء والأعداء منذ أكثر من 16 سنة، فغزة ممنوعة من السلاح والعتاد، بل يتم تضييق وتقنين ما يدخلها من الماء والغذاء والغاز والدواء والكهرباء، أما فيتنام الشمالية فلم تكن أبدا تحت الحصار من العدو والجار، بل كان ظهرها مسنودا ببلد الصين العظيم، كما أنها كانت تتمتع بالدعم الكامل من الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي وأدرعه الإعلامية في العالم، وصدق الكاتب جمال خطاب الذي وصف ما قامت به حماس بأنه “معجزة” إذ قال في مقالته “هجوم «تيت» يتضاءل أمام «طوفان الأقصى»” : “إن ما قامت به غزة إعجاز عسكري في التخطيط والتدبير والتنفيذ والخداع الاستراتيجي والشجاعة منقطعة النظير ..” .
​يخبرنا التاريخ بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهجت سياسة الأرض المحروقة ضد الفيتنام، واستخدمت كل ما في ترسانتها من الأسلحة الرهيبة، وأسقطت طائراتها أكثر من 6.7 مليون طن من القنابل على فيتنام الشمالية، ولكنها عجزت وفشلت فشلا ذريعا في كسر إرادة الفيتناميين واخضاعهم، بل اضطرت إلى التفاوض معهم، بعد تجرع الخيبات والهزيمة فلملمت فلولها وانسحبت ذليلة مكسورة غير مأسوف عليها.

​وبكلمة، إن هجوم “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر قد دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وشكل نقطة تحول استراتيجي له ما بعده، ويكفي أن يطلق الكيان الصهيوني على الهجوم “كارثة أكتوبر”، بل أصبح قادتهم يتحدثون بجدية عن “لعنة العقد الثامن” وظهور “علامات” زوال كيانهم بعد حين..
ولا بأس بعد مرور عام من انطلاق الطوفان أن نتذكر ما حدث في الكيان، فكيف تلقى العدو الصهيوني ذلك الهجوم؟ وكيف كان صداه في الداخل “الإسرائيلي”؟
ذلك ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى