
بقلم مولاي اسماعيل العلوي
اليوم 363من العدوان
من المعروف عن العدو أنه يحرص بشدة على إخفاء خسائره، ومن عادته عدم الاعتراف بما يتكبده من خسائر في شتى المستويات، وكل المعلومات عن الحرب تخضع للرقابة العسكرية، وإذا اضطر للاعتراف فإنه يتدرج في ذلك بعملية تقطير للخسائر حفاظا على نفسية جمهوره المنهارة منذ انطلاق طوفان الأقصى، فمباشرة بعد الرد الإيراني سارع إلى اعلان فشل العملية! ولكن بعد حين شرع يعترف شيئا فشيئا بأن الصواريخ وصلت لأهدافها وأنها خلفت أضرارا في القواعد المستهدفة!
وهاهو في يوم احتفاله السنوي يقع في كمين محكم لمقاتلي حزب الله، ولم يستطع الاعتراف إلابـ”حدث أمني خطير”على الحدود الشمالية، بل من هم من وصفه بأنه ” كارثي ” !
ونحن نقترب من إتمام عام كامل على عملية “طوفان الأقصى” لا بأس أن نتذكر مواصفات ذلك الجدار الفولاذي الذي جرفه الطوفان، رغم أن بناءه تطلب 140 ألف طن من الحديد والصلب وساهم 28 مصنعًا في إنتاج المواد المناسبة لتشييده الذي استغرق 4 سنوات بتكلفة تجاوزت المليار دولار، وقد وُصف هذا السياج المحصن بـ”الجدارالذكي” لكونه يحتوي على أجهزة استشعار قادرة على الكشف عن “دبيب النمل”! فما بالك بمحاولات اختراق بشرية أو حفر نفق أسفل منه..
والخلاصة أن هذا الجدار المزود بالتكنولوجيا الفائقة، يعد بمثابة خلاصة الإبداع التكنولوجي الاسرائيلي، فهو مليء بالرادارات والكاميرات وأجهزة الاستشعار الممتدة إلى 40 متراً تحت الأرض، بالإضافة إلى ارتفاعه ستة أمتار فوق الأرض، كما يحتوي على أسلحة ذكية يمكن التحكم بها عن بعد، فضلا عن غرفة القيادة والتحكم، وكذا أجهزة كشف التسلل في البحر، وقد نشرت هذه المواصفات، التي روج لها كفخر للعقل الإسرائيلي، شعورا بالأمن في صفوف الكيان، لأن هذا الجدار الفولاذي الذكي من المستحيل اختراقه من نمل أو “سراق الزيت” او بشر!.
فكيف فعلها رجال القسام؟
من المسلم به لدى جميع العقلاء أنه لا توجد قوة على هذه الأرض خالية من نقاط ضعف، وما دامت “إسرائيل” قد أبدعت ذلك “الجدار الذكي”، فقد زرعت بقربه نخبة يرعاها القائد المحنك محمد الضيف، إذ وضعت الجدار تحت المجهر فتأكدت من نقاط قوته الحقيقية والوهمية التي تم ترويجها في صفوف الرأي العام الداخلي وفي كل مكان، كما اكتشفت نقاط ضعفه وتدربت على اختراقه بكل سهولة وأمان، برا وجوا وبحرا، فلم تدخل نملة او “سراق الزيت” يوم السابع من أكتوبر، بل اكتسح مئات من العناصر المقاتلة غلاف غزة ونفذوا المهام كاملة بنجاح وعادوا إلى قواعدهم سالمين في عملية بطولية غير مسبوقة فاجأت “فرقة غزة” الصهيونية وكل الجيش باستخباراته الداخلية والخارجية، بل فاجأت كل العالم، وحتى بعض قادة حماس نفسها ! والجديد الجميل أن القسام كانت حاضرة بأسلحتها وبكاميراتها أيضا للتوثيق وأبلى الاعلام العسكري البلاء الحسن في المعركة مع عدو يملك ترسانة من الاعلام الحربي المدرب وسيطرة شبه تامة على معظم وسائل الإعلام العالمية، ولكن الاعلام العسكري للقسام ورفاق السلاح حطموا أيضا السردية الإسرائيلية..
وقبل الجواب عن السؤال نتذكر شعارا انبعث في صفوف سرايا القسام مباشرة بعد معركة “حجارة السجيل” سنة 2012، إذ اقتنع قادة الكتائب بأنه آن الأوان لنقل المعركة إلى “أرض العدو” فرفعوا شعار “نغزوهم ولا يغزوننا”، فشرعوا منذ ذلك الحين في انتقاء العناصر المناسبة للإعداد والتدريب، فاهتمت “السرايا الهجومية” بالتدريب على الجانب الهجومي في مناورات تناسب مهامها، فهي قوات خاصة وُجدت لتهاجم، وهي التي كان لها الدور الفعال في هجوم “طوفان الأقصى” الخاطف..
ولمن يسأل عن كيفية النجاح الباهر التي نفذت بها سرايا النخبة هذه العملية، فهي عملية “إعماء” ذكية ثلاثية الأبعاد، ساهمت فيها الحركة بدهاء، إذ مارست عملية “خداع استراتيجي” ببراعة، حيث نجحت في إقناع عدوها – أولا- بأنها غير معنية بأي تصعيد، وبلع الكيان المحتل الطعم بأن حماس قد “ارتدعت”، بل قد وصلوا إلى استنتاج “أن حماس مرتدعة جدا”! وفي السياق ذاته نجحت حركة المقاومة في إيصال الرسالة نفسها عبر العملاء وكذا عبر شبكات الاتصالات الداخلية التي يعلمون ان العدو يتنصت عليها، وقد وصلت الرسالة لمن يهمه الامر! أما العنصر الثالث والحاسم فهو عملية “إعماء الجدار الذكي”، فإذا كانت نقطة قوته في قرون استشعاره الحساسة، فقد كانت تلك القرون بالتحديد هي الهدف الجوهري لسرب هجومي من مسيرات كتائب القسام، إذ بدأت عملية طوفان الأقصى باستهداف أبراج المراقبة المنتشرة على طول السياج الذي يبلغ طوله 65 كيلومترا، وضرب الكاميرات ومنظومات الاتصال و تعطيلها بشكل تام، فأصبحت عيون “فرقة غزة العسكرية” الإسرائيلية مغمضة، وصدقت صحيفة هآرتس في وصفها لتلك اللحظات قائلة :”ظهرت إسرائيل كعمياء تتحسس في الظلام”، هنا دخل المقاتلون بكل حرية بطائراتهم الشراعية وجرافاتهم وسياراتهم الرباعية ودراجاتهم النارية بدون أي مقاومة تذكر من الجيش الذي لا يقهر !
وبعد عملية “الإعماء” الناجحة تبقى الخطوات الموالية كلها تفاصيل زادت المشهد إثارة وتشويقا وكأنه فيلم من أفلام الاكشن او إحدى ألعاب الفيديو المثيرة، إذ اكتسحت قوات النخبة القسامية مواقع العدو برا وبحرا وجوا عبر الطيران الشراعي وأصوات الصواريخ والرصاص والجرافات وصراخ الجنود في خلفية المشهد التاريخي غير المسبوق.
وانهار الجيش الذي لا يقهر، وانهارت معنويات مجتمعه الذي تابع صور جنوده وهي تجر ذليلة بين أيدي مجاهدي نخبة القسام، والعجيب الغريب أيضا أن عقيدة بعض “المؤمنين” من بني جلدتنا قد زعزعت ولم يستطيعوا –المساكين- استيعاب ان شبابا فلسطينيين قد فعلوها حقا، وفي كل مرة يقوم محور المقاومة بعملية ضد من اعتقدوا جازمين بأنه “لا يقهر أبدا” لم يجدوا تفسيرا إلا أن كل عملية هي “مسرحية”!! فلنا وقفة معهم في الحلقة الرابعة إن شاء الله