
بقلم مولاي اسماعيل العلوي
اليوم 366 من العدوان
من حسن حظ هذا الجيل أنه عاش عملية “طوفان الأقصى” التي يحتفل المجاهدون هذه الأيام بمرور عام كامل، دون أن يحقق العدو أيا من أهدافه المعلنة، فقد فشل فشلا ذريعا في إنجاز أي هدف ولم يفلح إلا في استهداف المستشفيات والمدارس والمساجد ومراكز الإيواء وارتكاب المجازر اليومية في صفوف الأطفال والنساء والمدنيين والنازحين الأبرياء، ولكي يقارن الجيل الجديد بين نظرته إلى العدو الصهيوني الذي عجز أمام مجموعات من الفصائل المسلحة منذ عام كامل لم يستطع الأنصار عليها، لا بد ان نقوم بإطلالة على جيل النكسة أو حرب الأيام الستة..
إنها ذكرى أليمة لم يسمع عنها الجيل الجديد كثيرا، ولكن الجيل الذي عايشها ما زال يحمل في وجدانه ذلك الشعور الأليم بالهزيمة النكراء التي كان بطلها “الزعيم الخالد” جمال عبد الناصر القائد الأعلى لأقوى جيش في الشرق الأوسط، حيث خاض هذا القائد الملهم حربا يوم الخامس من يونيو 1967 مدعوما بالجيوش السورية والاردنية ضد دويلة صغيرة في سنها العشرين يقال لها “إسرائيل”، وقد هدد غير ما مرة بأنه سيرميها في البحر! ولكن هذه الدولة المارقة المراهقة قد انتصرت على اكبر جيش في المنطقة في حرب دامت 6 أيام فقط! نعم قد هزمت كل الجيوش العربية هزيمة ساحقة، بل كانت اسرع حرب في التاريخ!! وإضافة إلى الهزيمة المعنوية التي لحقت بالحكام العرب والشعوب التي كانت تنتظر انتصار الزعيم، خلفت الحرب خسائر بشرية ومادية كبيرة، إلى جانب احتلال أجزاء واسعة من الأراضي العربية بما فيها القدس الشريف، مع تدمير أغلبية العتاد العسكري العربي، الذي كان بعضه أو أكثره غير صالح للاستعمال! ولا يصلح للهجوم أو الدفاع لانتهاء صلاحيته !
ولكي نقترب من أجواء النكسة وما عاشه جيل الزعيم الخالد، فلنقم بإطلالة سريعة على استعدادات الجانبين المتحاربين، فإذا كان العدو قد كشف عن اطماعه ورغبته الشديدة في توسيع حدود “إسرائيل” التي يرى بأنها تضم كامل فلسطين التاريخية، واستعد لذلك من اول يوم، وقبيل الحرب قام بتعيين موشي ديان وزيرا للدفاع لكفاءته، فإن الجيوش العربية كانت في وضع لا يحسد عليه وغير مستعدة بتاتا لخوض أي حرب، والغريب العجيب أنه في الوقت الذي كان الزعيم يهدد بأنه سيرمي “إسرائيل” في البحر استغل اليهود هذه “التهديدات” من أجل التعبئة الداخلية، حيث حذروا “شعبهم” من هولوكست جديدة على الأبواب، وأخافوهم من النهاية المرتقبة، إذا لم يستعدوا للدفاع عن انفسهم فهي مسالة حياة او موت! وقالوا لهم “سنباد جميعا”..
وإذا اقتربنا من مصدر هذه التهديدات وعلى رأسها القائد الأعلى للقوات المسلحة فإننا نجده قام فعلا باستعراض عسكري ضخم للقوات المصرية بهدف الردع ، حيث جابت القوات الشوارع وملأت المكان ونشرت الفخر والاعتزاز بأقوى جيش في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه قام بترقية صديق له وعينه على رأس الجيش معتمدا على الولاء فقط بغض النظر عن الكفاءة او التدرج في سلم الترقي، مع تهميش الكفاءات العسكرية التي يخشون تململها وعدم ولائها..
أما الإعلام العربي وخصوصا إذاعة صوت العرب فقد صنعت الانتصارات في نفوس ذلك الجيل مدعومة بالصحف العربية الكبرى، حتى ظنت الشعوب العربية أن النصر سيكون عبر نزهة خفيفة، وثالثة الاثافي انخراط أم كلثوم وعبد الحليم حافظ في تسخين الأجواء!
ففي 1 يونيو قبيل الحرب صدحت ام كلثوم بأغنية “راجعين بقوة السلاح” :
راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى
جيش العروبة يا بطل الله معك
يا شعب يا منصور الله معك
وكان الشعب المصري والشعوب العربية تستمتع بأغنية عبد الحليم حافظ “يا أهلا بالمعارك”
يا اهلاً بالمعارك
يا بخت مين يشارك
بنارها نستبارك
و نطلع منصورين
ملايين الشعب تدق الكعب
تقول كلنا جاهزين
أما الجرائد المصرية فقد كانت تبشر بالانتصار وبالعنوان العريض تجد :
اننا ننتظر المعركة على أحر من الجمر
وأثناء الحرب يقرأ الجمهور المتعطش للنصر :
الجيش العربي يزحف لتل أبيب
ويستمع للمذيع الشهير يقول بأن الجيش العربي اسقط 75% من طائرات العدو
في هذه الأجواء المبشرة بالنصر المؤزر من القائد المظفر، تنقشع الحقيقة وتكشف النكسة عن وجهها القبيح، ويظهر للجماهير العربية بأن الجيوش المحاربة هي من ضربت طائراتها وهي على الأرض وبقي الجيش بدباباته القديمة بدون غطاء جوي، وجاءت الأوامر بالانسحاب بدون أي خطة كما هو الشأن في الانتشار، وتبين أن اغلب الجيش المحارب هو من قوات الاحتياط التي لم تخضع للتدريب، إضافة إلى القيادة غير المؤهلة، فقد كانت الهزيمة حتمية بوجود شروطها واسبابها المتراكمة، وخلاصتها أنه في الوقت الذي كان العدو يستعد ل”معركة التحرير” وكان يملك المعلومات الدقيقة عن الجيوش العربية وقدراتها واستعدادها لخوض الحرب، كانت مخابرات الدول العربية منشغلة بالدول العربية حيث المعسكر التقدمي يسعى لتغيير أنظمة “عرب أمريكا” تاركا المجال للعدو ليقوم بتحقيق طموحه بالتوسع، وترسيخ مقولة “الجيش الذي لا يقهر” التي بقيت سارية المفعول إلى السابع من أكتوبر، حيث قلبت كتائب القسام قواعد اللعبة باعتمادها شعار “اليوم نغزوهم ولا يغزوننا” فتشكل بذلك نقطة تحول استراتيجي، ومنعطف له ما بعده حيث يشعر العدو بقرب الزوال ويتلمس المقاومون طريق التحرير، فهل هي نهاية الانكسار وبداية الانتصار؟ ذلك ما سنعرفه في الحلقة السابعة ان شاء الله