
مولاي اسماعيل العلوي
اليوم 367 من العدوان
في مثل هذا اليوم انطلق “طوفان الأقصى” وبعد عام كامل من الجرائم والمجازر والإبادة الجماعية والتهجير القسري للمواطنين الابرياء لم يحقق الصهاينة أيا من أهدافهم المعلنة، حيث فشلت “إسرائيل” في استعادة أسراها لدى حركة حماس، ولم تتمكن من طرد الحركة من القطاع، وعجزت عن إفراغ غزة من سكانها، وهانحن بعد عام من العدوان سمعنا الناطق العسكري “أبو عبيدة” قبل قليل يقول “أسقطنا آلافا من جنود العدو قتلى وجرحى وأخرجنا من الخدمة مئات الآليات العسكرية”، واعترف الجيش الصهيوني بأن لواء غولاني فقد 92 من ضباطه وجنوده في هجوم كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر الماضي والمعارك التي أعقبته، وكشف معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن عدد مصابي الجيش الإسرائيلي خلال سنة من الحرب بلغ نحو 5 آلاف بينهم 695 جراحهم خطيرة. هذا فقط ما سمحت به الرقابة العسكرية!
ووفق المعهد ذاته فإن عدد المصابين المدنيين الإسرائيليين بلغ 19 ألفا، وعدد اليهود الذين نزحوا من الشمال والجنوب خلال الحرب بلغ 143 ألفا..
هذه حرب تخوضها “إسرائيل” ومعها أقوى الدول في العالم على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا دون الحديث عن بعض مساعدة بعض الاشقاء!
وعلى ذكر أمريكا لابد في هذا السياق أن نتذكر ذلك الخروج المُذل للقوات الأمريكية من أفغانستان، فقد كان هروباً أذاق المعتدين طعم الهزيمة، وذلك على غرار الانسحاب المهين للقوات الأمريكية من سايغون في فيتنام عام 1975 عندما كان بايدن حينها لا يزال عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي، خصوصاً بعد أن سيطرت حركة “طالبان” على أجزاء كبيرة من أفغانستان بما فيها العاصمة كابول..
وقد خرجت القوات الامريكية من الأراضي الأفغانية بعد تجرعها الكلفة الباهظة لحرب استمرت منذ العام 2001، حين غزاها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بذريعة محاربة تنظيم “القاعدة” بقيادة أسامة بن لادن..
وتتشابه تجربة امريكا في أفغانستان، بعد بقاء قواتها المسلحة عشرين عاما دون نجاح، مع تجربتها الأليمة في فيتنام، و مع ذلك لم تستوعب النخبة السياسية الأمريكية الدرس الفيتنامي والأفغاني ، والذي يمكن تلخيصه في “فشل التدخل العسكري الأجنبي في دول أخرى في تحقيق أهداف استراتيجية”
وإذا استعدنا شريط الأحداث نجد أن الولايات المتحدة قد أعلنت وقوفها التام خلف حكومة سايغون، بل إن الرئيس الأمريكي كنيدي وقع معاهدة صداقة وتعاون اقتصادي بين بلاده وفيتنام الجنوبية في أبريل 1961. وفي ديسمبر من السنة نفسها أعلن كنيدي عزمه مساعدة حكومة الرئيس ديم اقتصاديا وعسكريا.
وصلت طلائع الجيش الأمريكي إلى سايغون وكانت في البداية أربعمائة جندي عهد إليها بتشغيل المروحيات العسكرية. وفي السنة التالية بلغ عدد الجنود الأمريكيين في فيتنام الجنوبية 11 ألف جندي، كما أسست قيادة أمريكية في سايغون في يناير 1962.
مع ارتفاع خسائر أمريكا بشريا وماديا، ظهرت في الشارع الأمريكي دعوة إلى إنهاء الحرب الفيتنامية، تمثلت في المظاهرات المكثفة التي عمت المدن الأمريكية وفي الحملات الصحفية. وازدادت قوة الدعوة المطالبة بإيقاف الحرب، خصوصا لما نشرت وسائل الإعلام الأمريكية الممارسات التي وصفت بالبشعة وغير الإنسانية، التي عامل بها الجيش الأمريكي المواطنين الفيتناميين. ومن أشهر تلك المظاهر قتل الملازم الأمريكي وليام كالي لمدنيين عزل، كما فضحت الصحافة الأمريكية -وعلى رأسها جريدة نيويورك تايمز- ما قامت طائرات بي52 التي صبت نيرانها على المدنيين في قصف لم تعرف الحرب الفيتنامية نظيرا له، إلا أن المقاومة استطاعت أن تسقط 15 طائرة معادية، كما فقدت امريكا 93 ضابطا من سلاح الطيران.
لم تترك أميركا أي وسيلة عسكرية للضغط على هانوي إلا استعملتها، بدءا بالتجميع
القسري للسكان ومرورا بتصفية الثوار الشيوعيين الموجودين في الأرياف الجنوبية
واستعمال طائرات بي52 لتحطيم الغطاء النباتي، وانتهاء بتكثيف القصف للمدن والمواقع
في الشمال الفيتنامي خاصة تلك الواقعة بين خطي العرض 17 و20.
ومع ذلك لم يؤثر الرعب الأمريكي والآلة الحربية المتطورة في معنويات الفيتناميين ولا في
مقاومتهم، بل تفرقوا في الأرياف ومراكز الإنتاج الزراعي وتعززت فيهم معنويات
المقاومة، ولم تستطع أمريكا -رغم محاولاتها المستمرة- أن تقطع طريق “هوشي منه”; الذي تمر منه الإمدادات نحو ثوار الجنوب.
والخلاصة أن أمريكا رغم همجيتها وكثافة نيرانها الجهنمية أجبرت على الانسحاب ذليلة في كل من فيتنام وأفغانستان.. وها هي مازالت لم تتعلم الدرس وتقف وراء الصهاينة المعتدين بتزويدهم بالذخيرة وآلاف الأطنان من القنابل لإرهاب أصحاب الأرض في غزة ولبنان، وقد اخبرنا التاريخ بأن أصحاب الأرض دوما ينتصرون على العدوان وإن استعمل القنابل الضخمة في عمليات الاغتيال! وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقة الأخيرة ان شاء الله