
من تساؤلات القارئ المتدبر
(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)
العمل الصالح معيار الحياة الطيبة..
حياة ليس فيها عمل صالح ليست بطيبة وإن ظهرت أنها طيبة..
ظهر لي معنى من خلال هذه الآية وهو إجابة عن إشكال:
ما هي الحياة الطيبة؟
هل هي رغد العيش؟
هل هي الاستقرار؟
هل هي الغنى؟
هل هي الرواج والصخب والربح؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات، لابد من وقفات…
(من عمل) من تفيد العموم وهذا العموم يلتمس منه سعة فضل الله وكرمه، فأي مؤمن عمل صالحا هو داخل في هذا الفضل، وفيه من إتاحة الخير والتشجيع على الصلاح ما فيه..
وجاء التعبير بالعمل (عمل) دون الفعل للدلالة على المبدأ وعلى القصد وعلى منهجية الصلاح في العمل..
(صالحا) جاءت الصفة مكان الموصوف إذ التقدير ( من عمل عملا صالحا)، لإبراز أهمية الصفة والاهتمام به والتقدير مهما كان العمل أو الفعل أو الحركة، المهم أن يكون صالحا..
(من ذكر أو أنثى وهو مؤمن) هذا تفصيل مقصود، والقصد منه ذكر تساوي النوعين (الذكر والأنثى) في الانخراط في منظومة العمل الصالح، فالكل يمكنه أن ينخرط في هذه المنظومة ويرتقي في مراقبها ويبدع ويجتهد ويبتكر، ولا فرق أن يحمل لواءه ذكر أو أنثى، وجاء تقييد هذا التفصيل بالإيمان ( وهو مؤمن) فشيوع الصلاح مقصود، ولكن أن يكون منطلقه الإيمان، فالإيمان يكسبه القوة والديمومة والرحابة والاحتساب والتوفيق والتسديد والصلاحية في الدنيا والآخرة..
هذه الآية تقول لنا: إذا أردت أن تعرف هل حياتك طيبة أم لا فانظر إلى نسبة العمل الصالح في أعمالك، فإذا كانت الأعلى فأنت تعيش حياة طيبة..وإن كنت في عذاب أو مرض أو سجن أو فقر..فأنت تستشعر طيبوبة الحياة لأنك ترفل في العمل الصالح..
هذه الآية تصحح المفهوم والشعور..
أما المفهوم، فهي تصحح مفهوم الحياة الطيبة، ليس ذلك المفهوم العالق في الأذهان، في الرخاء، والسعة والغنى والاستقرار وما لذ وطاب… وإن كانت هذه المعاني غير ملغاة في مفهوم الحياة الطيبة التي اعتبرها الوحي ولكنها ليست معيارا، فالمعيار المعتبر والجديد هو نسبة العمل الصالح في تلك الحياة، فكلما زادت تلك النسبة كلما زاد منسوب الطيبة، هذا المفهوم هو الذي ينبغي أن يسطر ويرسخ..
أما الشعور فيأتي بعد ترسيخ المفهوم، فيصبح العمل الصالح هو مؤشر الميل والتمني والرغبة في اعتبار طيبة الحياة، فتندثر النظرة القارونية ( قال الذين يريدون الحياة الدنيا، يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ) هذه النظرة هي فطرية في الاصل فحب المال والجاه والرغد متجذر في النفوس، ولكن الجديد في التصحيح القرآني ألا تكون معيارا وألا تكون مناط التمني والميل، بل لابد من النظر في ملف العمل الصالح..فإن ارتفعت نسبته كان الميل وإن انخفضت أو انعدمت كان الفرار والابتعاد والنفور..
هذا، إضافة إلى أنه عند عملك لأي عمل صالح – لذلك جاء تنكير (صالحا) – صغر أم كبر فينبغي أن تستشعر طيبوبة الحياة وتستمتع بتلك اللحظة وتفرح وتسعد، وتسعى إلى تكريرها وتوسيعها وتنويعها هذا بغض النظر عن حالك ومستواك المادي..فطيبوبة الحياة تعرف بالعمل الصالح..
بهذا المفهوم الجديد يشيع العمل الصالح، ويصبح معيار تقييم، ومناط إعجاب وتقليد وبذلك تطيب حياة الفرد والمجتمع والعالم، ويندثر وتضيق دائرة العمل الفاسد والمفسد..
وقوله (صالحا) ما هو العمل الصالح؟ وما معاييره؟؟
للعمل الصالح ثلاثة معايير:
باعتبار الزمان
وباعتبار المكان
وباعتبار الحال
والذي يحدد ذلك هو شرع الله عزوجل..لأن الله عزوجل هو الذي سيجازي على ذلك العمل ويضع له دمغة الصلاح..
لذلك لابد من احترام هذه المعايير الثلاثة باعتبار العمل صالحا..
إذ قد يكون العمل صالحا في زمن غير صالح في زمن آخر، وقد يكون العمل صالحا في مكان غير صالح في مكان آخر، وقد يكون العمل صالحا في حال غير صالح في حال آخر، والذي يبين ذلك ويوضحه وينظمه ويرتبه هو وحي الله عزوجل وشرعه، في إطار فقه متكامل شامل عام رباني..
فمعيار الحياة الطيبة هو العمل الصالح، والعمل الصالح هو ما وضع له الشرع دمغة الصلاح سواء عقل معناه أم لم يعقل، سواء كان صلاحه دائما أو مؤقتا..
اللهم وفقنا إلى العمل الصالح لتطيب حياتنا..