رأي

حوار بين حاكم عربي وطفل فلسطيني

بقلم أحمد الشقيري الديني

بعد مرور سنة على طوفان الأقصى جرى حوار بين حاكم عربي وطفل فلسطيني على هذا النحو:

الحاكم العربي: قدم لي نفسك أولا؛
الطفل الفلسطيني: اسمي محمد الدرة انتخبت رئيسا للبرلمان العربي بعد طوفان الأقصى..
الحاكم: من الذي انتخبك لهذا المنصب؟
الطفل: أطفال الوطن العربي المنتخبون من بلدانهم ليكونوا اعضاء البرلمان العربي للطفولة..
الحاكم: ما رأيك في ما يجري بفلسطين ؟
الطفل: أهلنا بفلسطين يخوضون معركة تحرير المسجد الأقصى والأرض المقدسة نيابة عن الأمة، والمفروض أن يدعمهم الجميع: الحكام بالمال والسلاح، والشعوب بالمال والدعاء والتظاهرات ضد التطبيع..
الحاكم: نحن لم ندعمكم لأنكم لم تستشيرونا في هجوم السابع من أكتوبر.
الطفل: يا سيدي متى كانت معارك التحرير بحاجة لإذن أحد؟
كل الشعوب تخوض معركة التحرير لتحقق استقلالها، وفي تراثنا الفقهي أن العدو إذا وطئ أرض المسلمين، فالمرأة لا تستأذن زوجها ولا الولد يستأذن والده في الانخراط في معركة الجهاد ضد الغازي..
الحاكم: إذن تحملوا مسؤولية استقلال أرضكم دون إدخالنا في مشاكلكم ومغامراتكم..
الطفل: لكن فخامتكم تعلمون أن العروبة والإسلام وميثاق الدفاع المشترك الذي تقره جامعة الدول العربية تقتضي منكم دعمنا بالسلاح والجنود والمال..
الحاكم: يعني تريدون نقل الخراب الذي حل بغزة لسائر الوطن العربي؟!
الطفل: سيدي الرئيس نحن في غزة نمثل الخطوط الأمامية في الدفاع عن كرامتكم، فالعدو الصهيوني لن يقف عند غزة، سينقل معاركه إلى الدول المجاورة ثم إلى كافة الوطن العربي لأنه يحلم بدولة إسرائيل الكبرى من خلال إعادة ترتيب المنطقة وفق ما يسميه الشرق الأوسط الجديد..
الحاكم: حلم “اسرائيل الكبرى” لا وجود له إلا في مخيلة بعض الحكام اليهود الذين فاتهم القطار..
الطفل: لكن مولانا هم يعملون على تحقيق أحلامهم.. ونحن ننتظر نجدتكم لنستمر في جهادنا في وجه هذا الحلم المفزع..
الحاكم: أنت تعلم أن الدخول في حرب ضد إسرائيل يعني الدخول في حرب ضد الغرب تقوده أمريكا وأوروبا..ونحن مسؤولون عن أمن شعوبنا وتنمية مجتمعاتنا، وما نراه في غزة وكيف تحالف الغرب ضدها لا يشجعنا على الانخراط في المعركة..
الطفل: نحن يا مولانا لا نريد منكم الانخراط في هذه المعركة وإن كان هذا واجبكم تجاه أرض مقدسة ليست حكرا على الفلسطينيين بل هي أرض مقدسة، جميع المسلمين مسؤولين عن تحريرها..
الحاكم : إذن ماذا تطلبون منا ؟
الطفل: نطلب منكم تزويدنا بالسلاح والمال.
الحاكم: هذا يعني الانخراط في الحرب ضد إسرائيل ودول الغرب بقيادة أمريكا، وهذا ما لا قبل لنا به..
الطفل: إذن قدموا لنا مساعدات إنسانية وأوقفوا التطبيع مع إسرائيل وادعموا حقنا في التحرير في المنتديات الدولية، فهذا الحد الأدنى للنصرة وأنتم تملكون ذلك..
الحاكم: التطبيع يا ابني مع إسرائيل هو في حقيقته تطبيع مع الغرب، ومصالح أمتنا العربية في معظمها مرتبطة بالغرب: الغذاء والسلاح والتكنولوجيا وغيرها..
الطفل: ولماذا سيدي الرئيس لم تبنوا استقلالكم الاقتصادي والعسكري بعد خمسين سنة من تحقيق الاستقلال السياسي؟..
الحاكم: نحن نشتغل على تحقيق ذلك، لكن مثل هذه الحروب في المنطقة تجعلنا بعيدين عن هذا الهدف للأسف، فنحن نعيش حروبا منذ الاستقلال السياسي، بعضها ضد إسرائيل وبعضها بيننا نحن العرب بسبب تهور بعض الحكام..
الطفل: يا سيدي أنت تعلم أن إسرائيل تم زرعها في المنطقة من أجل تحقيق مقاصد شتى، من بينها ترسيخ تخلف شعوب المنطقة وجعلها تابعة في اقتصادها وقرارها السياسي للدول الغربية..!
الحاكم: نحن نعلم هذا ولهذا نشتغل بتدرج وفق المصالح المشتركة بيننا وبين أمريكا وأوروبا..
الطفل: ألا توافقني فخامتكم أن غزة تقدم نموذجا يحتذى؟!
فهي جغرافيا صغيرة تمت محاصرتها لسنوات، ومع ذلك استطاعت أن تبني دفاعاتها وتحقق لشعبها اكتفاء ذاتيا، فوقفت في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة مسنودة بالمد الغربي بالسلاح والمال، فماذا كانت النتيجة؟
لقد مرغت غزة أنف الجيش الإسرائيلي في التراب، هذا الجيش الذي زعم يوما أنه لايقهر ..
الحاكم: كل هذا الذي ذكرته نراه لكن الثمن كان مرتفعا، فهذا الدمار الشامل لقطاع غزة وأعداد القتلى بالآلاف يجعل المعركة في غير مصلحتكم..
الطفل: سيدي الرئيس لقد درسنا أن الشعوب لا تحقق استقلالها إلا بتقديم التضحيات الجسيمة،وفلسطين بحكم محوريتها وموقعها التاريخي والجغرافي والديني فإن ثمن استقلالها لابد أن يكون مرتفعا جداً بقدر ارتفاع قدرها وموقعها..
الحاكم: قلت لك ما عندي، وهذا لسان كل حاكم عربي، والمنطقة على فوهة بركان بسبب تهوركم، فلا تنتظروا منا سندا ولا إلغاء لاتفاقياتنا مع إسرائيل أو الغرب..
الطفل: هذا سيدي حظكم من هذه المعركة والتاريخ سيسجل خذلانكم بل وتآمر بعضكم علينا والله ناصرنا ولو بقينا في المعركة لوحدنا..
الحاكم: أنت هنا تخلط الدين بالسياسة وهذا من بين أسباب انحطاط شعوبنا، فأنصحك يا ابني، وأنت في طليعة مستقبل هذه الأمة، أن تشتغل إما بالسياسة أو بالدين، ولكل مساره..
الطفل: سيدي الرئيس لماذا اليهود بعتزون بمرجعيتهم التلموذية على ما فيها من انحرافات، ونحن أصحاب الدين الحق نسعى لفصل الدين عن الحياة السياسية؟!
أما سمعت خطاب رئيس حكومة إسرائيل “النتن ياهو” كيف يستدعي نصوصا توراثية مثل سفر أشعياء وغيره وهو يخطط لمستقبل المنطقة ؟!
إن عزتنا فخامتكم في التشبث بديننا ونصرة عقائدنا والتفاؤل بالنبوءات التي جاءت في كتاب ربنا أو على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تبشر بتحقيق انتصارات على اليهود يتكلم فيها الحجر والشجر “يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله”..!
إن الدين سيدي الرئيس هو المحرك الرئيسي لهذه الشعوب المسلمة، ونحن في غزة لم نحقق هذا الصمود البطولي الذي أذهل العالم إلا كوننا جعلنا للتعليم الديني مركزيته في الإعداد، فعدونا يملك السلاح الفتاك والتكنولوجيا المدمرة بينما نحن نملك رصيدا روحيا هائلا نستمده من كتاب ربنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى