رأي

الدبلوماسية الترابية في قضية الصحراء بين مبررات التراجع ومقومات الترافع

العالم الفلالي

شكل الخطاب الملكي بمناسبة إفتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في شهر أكتوبر المنصرم فرصة لاستعراض المكتسبات المحققة في قضية الصحراء المغربية،بين الاعترافات الصريحة بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية والإقرارات الضمنية بمغربية الصحراء لعل أخرها الإعتراف الفرنسي الرسمي بأن حاضر ومستقبل الصحراء يندرج ضمن السيادة المغربية، وهي الخطوة التي أشادت بها العديد من الدول المؤثرة وإستقبلتها القوى السياسية والمدنية الوطنية بالكثير من الإرتياح، وكرست المنهج الملكي القويم في عقد الشراكات وتوطيد الأواصر والعلاقات مع مختلف الدول والمنظمات، والقائم على أن قضية الصحراء المغربية تلك النظارة التي يزيل المغرب من خلالها ضبابية المواقف ويهتدي بها إلى جدية المعاملة والحسم في القرار وإنهاء المجاملة. فجاء الخطاب الملكي أمام ممثلي الأمة تتويجا لهذا المسار ودعوة صريحة للنواب والمستشارين البرلمانين وكافة الفاعلين في مجال الدبلوماسية الموازية من أجل التعبئة وحشد المزيد من الدعم في ظرفية تتزامن مع صدور قرار المحكمة الأوربية القاضي بإلغاء اتفاقية الفلاحة والصيد البحري التي تربط الاتحاد الأوربي مع المغرب، وقد خلف هذا القرار سيلا من الإدانات وطرح عديد التساؤلات حول التناقض الحاصل بين الدبلوماسية الملكية على صعيد السياسة الخارجية، التي راكمت نجاحات لافتة والدبلوماسية الموازية بما فيها الترابية التي تقودها المؤسسات المنتخبة وهيئات المجتمع المدني إلى جانب مكونات اجتماعية أخرى لاسيما شيوخ واعيان القبائل الصحراوية، حيت نطرح تساؤلا محوريا ينطلق من الكشف عن مبررات تراجع الدبلوماسية الترابية ومقومات تعزيز ترافعها في أفق التكامل المنشود بين كافة الفاعلين في الدفاع القضية الوطنية الأولى في المستقبل المنظور.
إن تراجع الدبلوماسية الترابية لديه مجموعة من العوامل التي تفسره والمبررات التي تشرحه، فبداية من ضعف تأطير أبناء الصحراء المغربية والذين وجه لهم الملك محمد السادس تحية شكر وامتنان لتفانيهم وولاءهم ودفاعهم الدائم عن مغربية الصحراء غير أن هذه الفئة تعاني عجزا في أداء الأدوار المنوطة بها نتيجة تراجع الأحزاب وهيئات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والدراسات في تكوين والمواكبة والتحفيز والمؤازرة ،وذلك برغم من استفادتها من التمويل العمومي، أضف إلى ذلك انعكاس مؤشرات التنمية السوسيواقتصادية على ساكنة الأقاليم الجنوبية والتي تبقى دون مستوى التطلعات، بدليل التقارير الوطنية التي أفادت أن معدل البطالة بجهات الجنوب وصل إلى مستويات غير مسبوقة برغم من وجود عناية ملكية ترجمها النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية والذي فاقت الإعتمادات المرصودة له 80 مليار درهم، كما لا ننسى أن الرهان على نفس الوجوه والعقليات والأشخاص والفئات في الترافع عن مغربية الصحراء لم يعد مجديا ولعل القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية والذي برغم العيوب القانونية التي تشوبه، إلا انه كشف بشكل ملموس عيوب الدبلوماسية الترابية في هذه النقطة ،فضلا على أن ممارسة السلطة في الصحراء المغربية تقوم على مقاربة اجتماعية تقوم على الولاءات القبلية والإصطفافات الحزبية تتفق حسب المصالح وتتنافر عن الإجماع على المطالب، مما ساهم في ظهور نوع من الاحتكار السياسي والسوسيواقتصادي الذي سيقوض لا محالة الحكم الذاتي كمشروع مستقبلي مترافع على جديته ومصداقيته في أفق الطي النهائي للملف،كما أن تكريس الهيمنة يدفع إلى الإبقاء على الوجوه المعتادة وإقصاء الكفاءات المحلية والطاقات الشابة التي يمكن تسخيرها للترافع عن مغربية الصحراء. وتأسيسا على ما تم تقديمه وبيانه فإن مقومات الترافع عن مغربية الصحراء والتي يجب على الفاعلين في الدبلوماسية الترابية إستحضارها ترتكز على ثلاث محددات جوهرية التنمية والتكوين والديمقراطية،فأولى تنطلق من ضمان التنزيل الأمثل للبرامج الملكية والجهوية الموجهة للأقاليم الجنوبية العمل على وصولها لمستحقيها، فيما ينبني التكوين على إعداد جيل من مراكز البحث والدراسات وفتح شعب في المؤسسات الجامعية تهتم بالترافع عن مغربية الصحراء مع اتخاذ الجمعيات وهيئات المجتمع المدني شريكا فاعلا في تطوير والمواكبة مهارات الفئة الراغبة في دخول مسار الترافع وتعلم تقنياته ودعمها وتحفيزها من خلال حضور فعاليات وطنية ودولية تعنى بالقضية، أما محدد الديمقراطية ينطلق من تبني ممارسة سياسية ونزيهة للسلطة وإعمال ربط المسؤولية بالمحاسبة ونبذ الإحتكار والإحتماء بالمكون القبلي لدى النخب السياسية الصحراوية المدبرة للشأن الجهوي والمحلي ونختم كلامنا بالتأكيد على أن تبوء الدبلوماسية الترابية لمكانتها ضمن المسار الترافعي عن مغربية الصحراء لا يتأتى دون تغيير عقليات المتشبعة بتوظيف نزاع الصحراء كورقة لتحقيق غايات سياسية وسوسيواقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى