
أجرى الصحفي كمال عصامي في قناته إطلالة بريس ،حوارا صحفيا مع الأستاذ مصطفى المعتصم، في حلقات تناول فيها الأستاذ المعتصم تجربته مع اليسار ثم مع الشبيبة الإسلامية ،و شهادته و انطباعاته عن تلك الحقبة من الزمن. و أتفق مع ما صرح به عن الفترة التي قضناها سويا مع اليساريين ، رغم الملاحظات حول ما صرح به في فترة ما بعد اليسار ،خصوصا بالنسبة للأحداث التي لم يكن شاهدا عليها و أدلى بدلوه فيها بدون علم. و أنا في هذا المقال لن أناقش الأستاذ المعتصم فيما اختلفت معه فيه ،و لكن سأناقش من ردوا عليه من اليساريين الراديكاليين.
كتب أحدهم تدوينة يتهم فيها الأستاذ مصطفى المعتصم بأنه افترى على حركة الماركسية اللينينية حينما قال بأنها بنت مشروعها على محاربة الدين.
و قال صاحب التدوينة
“من هم هؤلاء الماركسيون اللينينيون الذين يمارسون هذه الممارسة؟
إطلاق اتهامات هكذا بدون وثيقة تثبتها ليست سوى افتراء .. كل كتابات الماركسيين اللينينيين في المغرب ومنشوراتهم السرية والمجلات التي أصدرت مقالاتهم وخصوصا “أنفاس” بالفرنسية وبالعربية .. لم تطرح قط محاربة الدين
والحركة الماركسية اللينينية لم تطرح قط في برنامجها وأدبياتها ومواقفها محاربة الدين .. لأنها تعي جيدا أن التناقض الأساسي هومع النظام السياسي الكمرادوري المخزني.. لذلك بلورت ممارستها ونضالها من أجل تحقيق مشروع وبرنامج “الثورة الوطنية الديمقراطية” والانتقال لبناء مشروع المجتمع الاشتراكي وبرنامج الثورة الاشتراكية وحرب التحرير الشعبية .. !!”
حاولت الرد عليه في صفحته إلا أن الصفحة لا تسمح بالتعليق إلا لمن على شاكلة المدون. المعلقون كلهم يتهمون المعتصم بالإفتراءات على الماركسيين اللينينيين. لكن لفت انتباهي تعليق للطاهر محفوضي يقول فيه :
“كنت مؤطرا لمصطفى المعتصم في ثانوية عبدالله،في إطار ن.و.ت…(ذكر هذا بنفسه في احدى اجاباته على أسألة المساء)وكان منخرطا في الشبيبة الإسلامية المخبارتية،وكنا كلما طرحنا فكرة او برنامجا للنضال يذكر الدين ويقحم الاسلام،وذات يوم سالته:هل تصلي
قال: لا
قلت: ابدا بالصلاة والعبادة !”
أنا أتذكر المحفوضي جيدا وكان لقبه الحركي “الليبرالية ” يجب أن نعترف بأن مرحلة السبعينات كانت مرحلة اليسار بامتياز حيث كان اليساريون يسيطرون على الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ثم بعد رفض التلاميذ انخراطهم في الوداديات أسسوا النقابة الوطنية للتلاميذ و فعلا مجموعتنا التي فيها مصطفى المعتصم كنا ننتمي للنقابة الوطنية للتلامبذة وكان الطاهر محفوضييرطر المجموعة التي ننتمي إليها. و فعلا لم نكن آنذاك نصلي لكن كنا نصوم و نؤمن بالله و ملائكة و كتبه ورسله. بينما النقاش مع الماركسيين كان حول وجود الله و حول الإسلام. طبعا لم يكونوا يجهرون بإلحادهم في مجلة أنفاس ،فالشيوعيون مثل الشيعة يمارسون التقنية ، لكن كانوا يفعلون ذلك أثناء مناقشاتهم و في النشرات السرية التي كانوا يوزعونها مثل” المناضل” و “إلى الأمام” ، ما معنى أن تكون ماركسيا لينينيا ؟ هو أن تؤمن ب المادية الجدلية أو الديالكتيكية، و المادية التاريخية أي أن تؤمن أولا بأسبقية المادة على الروح و أن المادة خلقت نفسها بنفسها و لا وجود لخالق لها و أن هذه المادة تتطور بشكل ديالكتيكي. أما الإيمان بنظرية المادية التاريخية فتتطلب الإيمان بالصراع الطبقي أي الإيمان بالحتمبة التاريخية التي تبدأ بالمشاعية البدائية ، ثم مجتمع العبيد ثم الإقطاعية ثم الرأسمالية و بعد ذلك الشيوعية التي ستأتي بعد الصراع الطبقي بين الطبقة البرولتارية و الطبقة الرأسمالية و حين تعم الشيوعية العالم ينتشر العدل و تختفي الدولة. هكذا تعلمنا من كتبهم. أليست هذه الأفكار مناقضة للدين ؟كان الكتاب الذي يروجونه بكثرة هو كتاب جورج بوليتزر “المبادئ الأساسية للفلسفة ” les principes fondamentaux de la philosophie ” إلى جانب كتب ماركس و لينين و أنجلز. و روجي غارودي حين كان ماركسيا قبل أن يعتنق الإسلام، و ماكسيم رودنسون الذي يكتب عن الإسلام انطلاقا من الصراع الطبقي ،و عدد من كتب الشيوعيين الغربيين منهم أو العرب. ففي كتابه “النظرية المادية للمعرفة ” يبدأ روجي جارودي بتعريف المادية فيقول ؛”المادة هي ماهو موجود خارج روحي و خارج كل روح و التي لا تحتاج لأية روح لكي توجد ”
هذا ما كانت تردده حركة 23 مارس و إلى الأمام و حركة لنخدم الشعب و كل الشيوعيين ،و هذا هو الخلاف الذي كان بيننا و بينهم. لقد كانوا يعتبرون فكرهم هو الفكر العلمي الذي يعتمد المادة أو الفيزيقا و فكر غيرهم فكر خرافي يعتمد على ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا. كما هو ملاحظ هذه التعابير اضمحلت اليوم و كل أحلامهم سارت سرابا و رأينا كيف انهار الإتحاد السوفياتي و كيف نهجت الصين اقتصاد السوق لتتقدم. بينما هم كانوا يوهموننا بأن الصين جنة الأرض و بأن الثورة الثقافية شيء مبهر و أن القفزة الكبري إلى الأمام (هنا جاءت منظمة إلى الأمام) خطوة مهمة نحوة الشيوعية الحقيقة، فإذا بكل هذه الأوهام ماهي سوى “سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ،حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فوجد الله عنده فوفاه حسابه”. بفالثورة الثقافية التي كانوا يفتخرون بها أدت لهلاك ملايين الناس و تم الحكم على عصابة الأربعة التي كانت وراءها ،و القفزة الكبرى أدت إلى هلاك ما يقارب 30 مليون صيني. و يعترف الصينيون أنفسهم بأن الثورة الثقافية أخرت الصين أكثر من 10 سنوات. فما كانوا يعتقدون بأنه جنة هو في الحقيقة جحيم ،نفس الشيء يقال عن كوباكاسترو و كوريا الشمالية و ألبانيا والفيتنام و سائر الدول الاشتراكية. يجب أن نعترف بأننا كنا ضحايا الوهم. و أن الحركات السرية سواء كانت شيوعية أو إسلامية لا يمكن أن تجلب سوى الشر. يجب الإنطلاق من الواقع المغربي الذي هو نتاج تاريخ و ثقافة و هوية راسخة في المجتمع.
رأينا اليوم بأن أصحاب المطرقة و المنجل انقسموا إلى جزيئات لا وزن لها داخل المجتمع. و أن عدد من قياداتهم أصبحوا إما وزراء أو سفراء أو مسؤولين عن مؤسسات كبرى و إما بقوا يجترون أحلام الماضي و أصبحوا طوباويون أكثر من الطوباويين الذين كانوا يعيبونهم . بل منهم من أصبح أكثر رأسمالية من الرأسماليين ، و رأينا كيف سحب أحدهم قانون الإثراء الغير مشروع. على كل حال نحن أولاد اليوم و النقاش اليوم لم يعد إيديولوجيا ، و كل هذا النقاش ليس سوى نقاشا بيزنطيا يؤخر أكثر مما يقدم. التحدي اليوم هو كيف سنسير ببلدنا إلى الأمام (ليس بالمفهوم الماوي) انطلاقا من ثوابت أمتنا ، كيف سنحارب الفقر ،و كيف سنقلص من الفوارق الطبقية ، و كيف سنحارب الفساد ، و كيف سنقيم العدل و غيرها من القيم التي ستعود نتائجها على بلدنا بالرخاء و التقدم و الإزدهار. كان على هذا التيار أن يأخذ الدروس من المراجعات التي قامت بها الصين خصوصا أن عناصره يلقبون أنفسهم بالماويين. التجربة الصينية تجربة رائدة و مبهرة حقا الصينيون وصلوا إلى ما وصلوا إليه من خلال مراجعة أخطائهم و استقراء للواقع ،و استحضار كل ماهو مفيد من ثراتهم و تربية شعبهم.