رأي

السعى في خراب المساجد..!!

مسرور المراكشي :

تحذير صريح من جبار السماوات والأرض، إلى كل من يعتدي على حرمة المساجد، و لقد جاءت مقترنة بإسمه و نسبها إليه، و هذا زيادة في تعظيم مكانتها مع وجوب توقيرها كذلك، حيث قال : (.. وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا..)، وهذه إشارة أخرى تؤكد كذلك وجوب استقلالية منابر المساجد، وأن الخطباء عليهم تبليغ الرسالة وقول الحق، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن يأمروا بالمعروف وينهو عن المنكر، طبعا في اعتدال ورفق يراعي وسطية الإسلام، وإذا لم تكن الأمور كذلك فاعلم أن الخطيب قد غش في تبليغ رسالة المنبر، وأنه قد ( مال ) مع أصحاب المال والسلطةوالجاه، ولقد أبدع العالم والفيلسوف والطبيب إبن رشد، في وصف هذا الوضع المختل حيث قال : ( إذا رأيت الخطيب يحث الفقراء على الزهد والصبر على الفقر دون الحديث عن سارقي قوتهم، فاعلم أنه لص بملابس واعظ )، واليوم نرى نهب المال العام جهارا نهارا دون حسيب ولا رقيب، و كذلك احتكار كل السلع مع الغلاء الفاحش، والمنابر في صمت القبور و لا من يحرك ساكنا، ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ)، إن تخريب المساجد مرتبط في دهن الكثير من الناس باستعمال الفأس و الجرافة، إن هذا ياسادة يعد نوعا من التخريب المادي البليد، وذلك عندما يقوم الطغاة بتحطيم جدران المسجد وإسقاط صومعته، لكن أخطر أنواع التخريب هو التخريب المعنوي، وذلك بتعطيل دور المسجد في معركة الإصلاح، وتحريف خطب المنابر عن قول كلمة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا النوع من التخريب الذكي يمر في غفلة وصمت، ودون إثارة حفيظة العامة من رواد المساجد، وذلك لتجنب إيقاظ ( الفتنة) النائمه لعن الله من أيقظها..!!، وهذا من فرط دهاء ومكر بعض الأنظمة العربية، فقد تجدهم يسارعون في بناء المساجد وتزيينها، حيث تشاهد عمران المساجد ماشاء الله مآذن شاهقة بمكبرات صوت حديثة، زخارف في كل مكان ومنابر منقوشة أضواء مع مكيفات، لكن الحقيقة هي أن هذه المساجد مجرد خراب في خراب ولو كانت تبدوا في الظاهر قائمة..!!، لهذا سأقوم بتوضيح نوعي التخريب المادي والمعنوي، إن السعي في خراب المساجد ومنع ذكر الله فيها، قد يختلف من دولة إلى أخرى حسب الأوضاع السياسية والأمنية السائدة فيها، ولنأخذ على سبيل المثال أو ضاع المساجد في فلسطين المحتلة، فهناك وضع استثنائي حيث يكون تعامل المحتل مختلفا، ففي غزة مثلا يتم تخريب المساجد ماديا و بشكل مباشر بطائرات لF16، حيث تصبح أثرا بعد عين بسبب ضربها بقنابل تزن الأطنان من المواد الشديدة الإنفجار، وهذا تخريب مادي بليد يرى بالعين المجردة، وهناك عشرات المساجد في غزة مسحت تماما عن الأرض، أما في الضفة الغربية فهناك منع المصلين من ذكر الله بأسلوب مغاير، حيث تحالف جيش الاحتلال الإرهابي مع قطعان المستوطنين، في التضييق على الفلسطينيين بمنع الراغبين من تأدية الصلاة، نموذج المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، حيث سعى المحتل إلى تهويده بعد تقسيمه زمنيا مع اليهود، حيث أقاموا فيه كنيس ثم منعوا بعد ذلك المصلين الفلسطينيين من دخوله، ولقد حاول المحتل تكرير نفس التجربة في المسجد الأقصى، حيث جرب كل الأساليب والحيل تارة يكون المنع من أجل تمكين المستوطنين من إقامة طقوس تلمودية، ومرة أخرى يكون المنع بسبب الأعياد الدينية، وهناك كذلك التضييق على المصلين يوم الجمعة، بدعوى الخوف من اضطرابات أمنية بسبب الحرب في غزة، حيث يمنع الشباب من الصلاة ويسمح فقط لمن تجاوز سنه الخميس بالولوج، كما تقوم سلطات الاحتلال بقمع المرابطين في المسجد الأقصى، و تمنعهم من التصدي لقطعان المستوطنين، أما في الدول العربية فالمنع والتخريب يكون في الغالب معنوي، وبشكل ذكي يفرغ المنبر من محتواه الدعوي الكفاحي وكذا المسجد، حيث يصبح الأمر مجرد طقوس وشكليات لا أثر لها في الواقع، وتغدو خطب الجمعة عبارة عن الدعوة للمندوب و المستحب و المباح، من الأكل والشرب و كيفية الغسل و تغسيل الميت…، هذا جيد لكن هناك كذلك الدفاع عن قوت المواطن وعن المظلوم، فهذه الأمور كذلك هي من صميم دين الإسلام العظيم، دون أن ننسى الدعاء مع إخواننا المجاهدين في فلسطين وغزة المحاصرة، لقد أحرجت برلمانية من المعارضة وزير الأوقاف، عندما فضحت تناقض وزارته حيث قالت : ( لماذا تم توجيه الخطباء للدعوة إلى الجهاد في أفغانستان، ولم تقوموا بنفس الشئ مع غزة ومنعتم حتى الدعاء معها ) ، وكان جوابه مرتبكا وغير مقنع تماما، حيث قال : ( لم نمنع أحدا من الدعاء مع غزة ولكن لا نريد تسييس خطبة الجمعة..!! )، صحيح ليس هناك منع مكتوب ولكن هناك منع عملي، كيف ذلك..؟ الجواب : قد يكون هناك خطيب نشيط يدعو مع المقاومة في غزة، و يحث الناس على دعم المقاومة بالمال و بمقاطعة بضائع الأعداء، و يفضح جرائم الكيان ضد المدنيين العزل، وقد يستمر هذا الإمام لبعض الوقت فقط، ثم يختفي فجأة ودون سابق إنذار ولا يعرف احد سبب غيابه، ثم يظهر مكانه خطيب جديد قد فهم اللعبة والدرس معا، وأكيد أن هذا الأخير لن يكرر ما فعله صاحبه بالدعاء مع أهل غزة، وعند الإستفسار عن سبب فصل الخطيب الأول، يكون الجواب دبلوماسياً ملتويا ولا يذكر الحقيقة أو السبب الرئيسي في فصله، أما عن الخوف من تسييس الخطبة كما قال وزير الأوقاف، فهذا التبرير يمكن أن يصدقه فقط السذج من الناس، والكلام عن منع ( التسييس) لم يعد ينطلي على احد، فهذه الوزارة نفسها تشتغل مع باقي الوزارات، في حكومة تعمل بالسياسة و في السياسة وإلى السياسة، وتبعاً لذلك يعد خطيب الجمعة غارق في السياسة من أم رأسه حتى أخمص قدميه، لكنها سياسية الدولة في تدبير الشأن الديني، والذي ينقص المسؤولين هو الشجاعة ليعترفوا بأن الخطيب غير مستقل، وأنه مجرد عبد مأمور ينفذ( سياسية) الحكومة والدولة، إن مسألة خلط خطبة الجمعة بالسياسة ليس بالأمر الجديد، لقد تم الزج بخطيب الجمعة في قضايا الإرهاب، وهذا شأن سياسي يخص وزارة الداخلية، وبمناسبة تنظيم المغرب مؤتمر المناخ في مراكش (كوب 22)، طلب من خطيب الجمعة تناول مسألة المناخ والحفاظ على البيئة، وهذا من اختصاص وزارة البيئة والطاقة والتنمية المستدامة، المهم أن خطيب الجمعة يعد بمثابة (الجوكير)، تستعمله الحكومة عند الحاجة ويمكنه التدخل في شأن كل الوزارات، لكن الطريف هو عند تدخله في اختصاص وزارة الصحة، لقد تم توحيد و توجيه خطب الجمعة قبل سنوات، إلى موضوع يخص ملح الطعام وهو نوعان هناك ملح ( اليود ) و الملح العادي، حيث حذر خطيب الجمعة جزاه الله خيرا، المواطن المغربي الصالح من تناول الملح العادي وعدم الإقتراب منه، لأنه يشكل خطراً على صحة المؤمن كما جاء في الحديث 🙁 .. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف..)، و عليه تناول ملح الطعام الصحي الغني بمادة ( اليود ) فهو الأنسب، والسؤال هو كيف إذن سمح للإمام بالكلام عن ملح الطعام بالأمس القريب..؟ ولا يسمح له اليوم بالحديث عن غلاء هذا الطعام..؟، لقد أصبح المواطن عاجزا عن شراء هذا الطعام، فبالأحرى تذوق الملح سواء العادي أو ب( اليود)، ولم يسمح للخطيب كذلك بالحديث عن من تسبب في أزمة غلاء هذا الطعام، أو ذكر المستفيد من هذه الأزمة أو الذين نهبوا خيرات البلاد، وكانو سببا في ركوب المواطن قوارب الموت، ناهيك عن كلامه في مسألة توزيع ثروات البلاد بالعدل، ملاحظة أنا لست ضد تسييس خطبة الجمعة، لكن في اعتدال ودون تسطيح أو استحمار للمواطن، وانا مع ترك الحرية للخطيب في صياغة خطبة الجمعة، إن المغرب يستعمل القوة الناعمة في ضبط الحقل الديني، عكس ما تقوم به الكثير من الدول العربية، حيث يتم اعتقال كل خطيب قام بالدعاء مع أهل غزة، أو انتقد مثلا سياسة الدولة في تنظيم حفلات (الترفيه )..!!، لهذا أصبح المغرب نموذجا يحتذى به في ضبط المجال الديني بشكل مرن، و في ترويضه كذلك حركات الإسلام ( السياسي)، لهذا طلب من وزارة الأوقاف تعميم هذا المنهج ( الحكيم)، في إفريقيا والعالم العربي وباقي الدول الإسلامية، لكن المضحك هو تعامل الجزائر مع قضية غزة، فإذا كانت وزارة الأوقاف المغربية تمنع الدعاء مع غزة بطرق ملتوية وغير مباشرة، فهناك على الأقل حرية تنظيم المظاهرات و المسيرات نصرة لغزة، اما في الجزائر فلم يعد المنع فقط داخل المساجد، بل تعداه إلى منع المصلين من التظاهر في الشارع نصرة لغزة، وحجة العسكر الجزائري عجيبة و هي : ( نحن دولة غير مطبعة، إذن لماذا نخرج في مظاهرات و مسيرات تضامنية مع غزة..)، وهل كل شعوب العالم التي تخرج في مظاهرات مساندة لغزة مطبعة..؟، يجب عليكم يا جهلة ان تفرقوا بين الشعوب والأنظمة، ولكم مثل واضح هو توقيع التطبيع في امستردام بأيدي و أرجل مغربية، مسرور المراكشي يوجه رسالة عاجلة لوزارة الأوقاف، إنه من العيب والعار أن تبقى عشرات المساجد في مراكش والحوز، مغلقة منذ أكثر من عام بسبب الزلزال والناس يصلون في الشارع، مع العلم أن هذه الوزارة غنية ولها إمكانات كبيرة، لقد تم ترميم وإصلاح وبناء عدة أماكن بسبب مردودها المادي، وبقية المساجد مغلقة وإذا استمر هذا الوضع البئيس بعد هذا النداء، فقد يعد هذا الأمر من المنع الغير مباشر لذكر الله في المساجد….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى