رأي

بقية الحديث … هل هي فعلا قرارات بالحسبان .. أم مجرد زوبعة في فنجان .. ما يحدث في منظومة الصحافة والإعلام ؟ …

د. عبد اللطيف سيفيا

 يقال أن حرمة العرين من قوة الأسد الذي يسكنه ويحرسه ويحميه ، وأن هوان المكان من هوان سيده وصاحب السلطة فيه … وهذا ما يمكن أن نستقيه من هذه الأمثلة الأزلية التي تنبني عليها اسس الحياة في الماضي و الحاضر .

فكمثال واضح على ذلك قوة المملكة المغربية التي لا يختلف عليها اثنان ، والتي ترسخت عبر السنين الأخيرة فيما أصبح المغرب يفرضه من وزن وهيبة وقدر وقيمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي ، بفضل القيادة الرصينة والفاعلة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في بناء الديمقراطية وإنجازاته الرائدة التي حققها جلالته خلال العهد الجديد الذي عرفته المملكة الشريفة والمشاريع الكبيرة التي أطلقها في إطار التنمية البشرية والاقتصادية والصناعية ، وكذلك من خلال العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دول إفريقيا والعالم ، والتي أعطت المغرب إشعاعا منقطع النظير ، واستطاع بفضلها أن يتبوأ مكانة رفيعة و يكسب ثقة الدول والشعوب والأمم واحترامها له وتقديرا للمجهودات الجبارة الساعية إلى استتباب الأمن ونشر ثقافة السلم والأمان والتعاون …

كما يمكن أيضا الاستئناس وضرب المثل في نفس السياق برجالاته وكفاءاتهم العالية كالسيد ناصر بوريطة ومن معه في التمثيلية المشرفة للمغرب ، من خلال التظاهرات واللقاءات بالمنتديات الدولية التي أبلوا فيها البلاء الحسن ، وتمكنوا من تقديم الصورة الحقيقية للمملكة ومواقفها الواضحة و تشبثها بوحدتها الترابية والترافع والدفاع باستماتة عن وحدتها و قيمتها ومؤسساتها ومكتسباتها ورموزها .

كما يمكن أيضا الاعتزاز بالمقاربة الأمنية للمملكة والتي بفضل السيد عبد اللطيف حموشي استطاعت أن تنال الريادة الإقليمية والدولية من خلال مواقفها المشرفة وإنجازاتها الكبيرة في مجال محاربة الإرهاب واستتباب الأمن والتنظيم الذين أبانا عن جدارة واستحقاق وعلو قامة منظومتنا الامنية في عدة مواقف وتظاهرات عالية المستوى ، كالإشراف على أمن التظاهرة الرياضية الدولية التي أقيمت بقطر خلال كأس العالم الفارطة ، وكذلك الألعاب الأولمبية الأخيرة التي أقيمت في فرنسا هذه السنة ومواقف اخرى مشرفة عديدة … هذه الأعمال الجليلة التي كللت بإسناد المغرب في شخص المدير العام للأمن الوطني السيد عبد اللطيف حموشي رئاسة الانتربول الدولي ، بالنيابة في القارة الإفريقية ، ناهيك عن المجهودات الجبارة التي تقوم بها منظومتنا الأمنية في مواجهة الإرهاب ومحاربة الاتجار في المخدرات ومكافحة الجريمة بشتى انواعها و استتباب الأمن داخل البلاد وخارجها …

لكن أمام كل هذه الانجازات المشرفة لهؤلاء الرجال الذين عاهدوا ووفوا ، هناك في الجهة المعاكسة مقاربات مخزية لا تشرف البلاد والعباد ، و كما يقول المثل المغربي العامي ” حتى زين ما خطاتو لولا ” بحيث نجد مجالات أخرى شديدة الأهمية والحساسية تتسم بالتخلف وتعود القهقرى في وقت يتوجب عليها مسايرة خطوات المجالات الأخرى الرائدة التي ذكرناها سابقا وموازاتها ، حتى تتبع تعليمات صاحب الجلالة السامية التي يأمر من خلالها بضرورة سير التنمية في البلاد بوثيرة واحدة ووحيدة وبنظام وانتظام ، لكن للأسف الشديد ، نجد ميادين الاتجاه المعاكس هذه لا تبارح مكانها من التخلف بسبب عجلاتها المغموسة في الوحل وهياكلها الصدئة التي لم تعد تتحمل عبء المسؤولية الملقاة على عاتقها وضعف هؤلاء المسؤولين النكرات في خضم هذا العصر ، عصر السرعة والرقمنة والذكاء الاصطناعي وحسن البديهة ، الذي ليس بينهم وبينه إلا الخير والإحسان ، والذين لا حول ولا قوة لهم إلا في التهاون والانبطاح والتسويف والإهمال والتماطل واللامبالاة والعبث بمصير البلاد والعباد ، مما أكسبهم ضعف الشخصية و سمح أيضا بظهور وجوه أكثر سوءا وقلوب أكثر خبثا … ليعتلي هؤلاء صهوة المناصب التي تم إسنادها إليهم بطرق أو بأخرى بعيدة عن الاستحقاق والكفاءة المرجوة ، ليتسببوا في خراب هذه الميادين والمنظومات الاساسية والهامة كمجال الصحافة والإعلام ، واستغلال فرصة الفراغ القاتل الذي تعيشه الساحة الإعلامية التي تحتضر إكلينيكيا في ما يشبه غرفة الإنعاش الميؤوس منها ، والمبادرة إلى الاستحواذ على المناصب الحساسة لاستغلالها في إقصاء كل من يتوفر على ومضة فكر استقصائي حر ونزيه وضمير حي وشريف يشكل حاجزا أمامهم في السيطرة على الأوضاع والأخذ بزمام الأمور بالنسبة لهذا المجال ، الذي يعد السلطة الرابعة ،لجعلها تنصهر و تذوب في خضم السلط الأخرى وتتحكم فيها لتتحول إلى أداة طيعة وسلطة تحت تصرفها ، لا حول ولا قوة لها ، ووسيلة مهجنة تتبع تعليمات أصحاب القرار وتسير في سياقها خارطة طريق مصالحهم وأهوائهم ، وتطبل لهم وتزمر وتبندر لمخططاتهم وتتراقص على إيقاعاتها مزهوة بما يمنح لها من فتات امتيازات مادية ومعنوية وسلطوية ، تماما كما يزهو الفراش بألوانه الزاهية ، وهو يحوم حول شعلة فتيل الشمعة الجذابة منبهرا بلهيبها الذي سيحترق بناره يوما وتحول أجنحته إلى رماد يذر على عيون البسطاء من الناس ، لتعمى بصائرهم وتهن عزائمهم وتنطفئ أنوار عقولهم ، فيخروا مستصغرين ، خنوعين ، ضعاف الشخصية خاليي الوفاض ، عديمي المروءة ، ولا يؤخرون أو يستقدمون ، بالكاد يسترزقون بالفتات وما تبقى من جثث فرائس الضباع ، وما أدراك ما هي الضباع ، تنهش اللحم وتمزق الجلد وتقضم العظام دون رحمة أو شفقة ، بل تلعق آثار الدماء العالقة بالارض لتمسح آثار جريمتها ، فتختفي معالمها ولا يبقى منها للغير إلا ثلث الخمس .

بحيث يتضح ذلك جليا مما تتعرض له السلطة الرابعة من تلاعبات بأسسها ومقوماتها وعبث بمصيرها وتحويل لمسارها والحد من فاعليتها وإبعادها عن القيام بدورها وتسطير الأهداف المرجوة منها وتحمل المهام والادوار المنوطة بها … والأمثلة كثيرة ومتنوعة في ذلك ، مثلما يحدث في هذه الأيام الاخيرة من مناورات تهدف إلى خلق الضبابية وسوء الفهم وعدم الوضوح والاصطياد في الماء العكر واختلاق المواقف التمويهية والانقضاض عليها ” خفا زربا ” بالنسبة لكل ما يتعلق بممارسة مهنة الصحافة وتفويض السلط لهيئات جديدة فرضت نفسها على الساحة الوطنية وجعلت نفسها الآمر والناهي داخل القطاع بمباركة اصحاب القرار الحكومي المتواطئين في التضليل والتلاعب في المواقف واختلاق البدع والمغالطات المنطقية والتلاعب النفسي ، واستعمال أساليب الدعاية وتحويل انتباه الرأي الإعلامي خاصة والرأي العام على العموم ، وخلق الفوضى في صفوف المعنيين لإدخالهم في دهاليز ومتاهات معقدة يستحيل الخروج منها ، بل بعكس ذلك ، حيث تأخذ الأمور توجها ضيقا باستغلال أصحاب القرار للفرص السانحة والظروف المتاحة ، في كل ما يخدم مصالحهم ويقوي مواقفهم ، مستغلين في ذلك كل آليات العمل والمؤسسات والهيئات وغيرها لتحقيق اهدافهم وفرض خططهم والعمل على إنجاحها بكل الطرق والإمكانيات .

وما دامت السلطة الرابعة عبارة عن وسيلة فائقة القوة في تثبيت الافكار والمبادئ والثقافات والإديولوجيات وجعلها تنتشر بسرعة قصوى في المجتمع ، فإن اخلاقيات الاعلام تفرض على وسائل الاعلام المختلفة ان تقوم بدورها بصدق وامانة وموضوعية ، لكن نتيجة للاحداث المتلاحقة ، اصبحت وسائل الاعلام من خلال ما تقدمه من اخبار ومعلومات تحاول قيادة الجماهير الى تشكيل رأي عام مضلل ، بسبب تعدد الاراء واختلافها ، فضلا عن تضارب المصالح، كما ان عملية صنع الرأي العام في مجتمعاتنا وبالأخص منها بالدول العربية ، تقوم على عملية تشويش شديدة القوة في المدخلات ، وكذلك صعوبة الأحداث وسرعتها قد اسهمت مع الانفتاح الثقافي الكبير والواسع ، والحالة الصراعية التي تبنتها وسائل الإعلام المختلفة، في التأسيس لكل ذلك التشويش ، إذ باتت وسائل الاعلام تمارس عملية التضليل الإعلامي عبر توظيفها لأساليب واستعمالات عدة لتحقيق الهدف من النشاط الإعلامي المقدم ، بحيث يمكن عبر ايصال رسالة معينة ان تخدع او تؤثر على الرأي العام وذلك بنشر معلومات منحازة او مضللة عن عمد عبر المواد الإعلامية المختلفة… مما يوضح خطورة هذا المجال على التأثير في السياقات التي تعيشها البلاد العربية ومنها المغرب ، بحيث فطن أصحاب القرار إلى حاجتهم الملحة والضرورية والقصوى في استغلال هذه الآلية نظرا لخطورتها وقوتها للسيطرة على مجريات الامور وجعلها خاضعة لهم ، بتسخير كل ما من شأنه أن يحسم الموقف لصالحهم باعتماد طرق التضليل والإبداع في اختلاق المواقف وتفويت المناصب لمن هم ليسوا بأهلها ، كي يكون هؤلاء في موقف ضعف خانعبن طائعين لأصحاب الفضل عليهم ، ويصبح الكل يغني على ليلاه ، يتصرفون على عواهن اصحاب القرار ، في تنفيذ أوامرهم وتكريس أفكارهم كتأسيس جمعيات تنصب نفسها الآمر والناهي رامية إلى التحكم في رقاب جنود ومناضلي السلطة الرابعة ، حسب هواها وميولها ومطالب أسيادها وآمالهم وتطلعاتهم ورغباتهم المشكوك في أمرها … والحديث أطول من حكاية ألف ليلة وليلة ن ولا ينتهي إلا بنهاية المفسدين الذين لا ضمير لهم و لا غيرة على البلاد والعباد … وللحديث بقية …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى