
سأتحدث اليوم عن أمر أفهمه جيدا، عشته وعايشت فيه آخرين، عشت عذاباته كما عشت هناءاته، ألا وهو العمل الجمعوي، العمل المدني، أو العمل التطوعي الذي يكون بخدمة الناس، صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، وهو غير العمل السياسي، الذي يتأسس على الصراع و العراك و المنافسة مع الخصوم السياسيين حول السياسات العمومية الإقليمية والمجالية، الجهوية أو الوطنية.
العمل الجمعوي لا يقبل الاستقالات، ولا ريع فيه، بل الفاعل الجمعوي كما يبذل جهودا مضنية في التأطير و التثقيف و التنشئة الاجتماعية، قد يصرف على برامجه من أمواله الخاصة، ولهذا تأتي هذه الوقفة للمراجعة وإعادة النظر في هذا العمل من حيث فلسفته ورؤيته، فاخترت أن أتحدث في هذا الموضوع لإعادة النظر فيه، وتقديم رؤى جديدة فيه غير مخل بالمبادئ المؤسسة لهذا العمل.
فإذا كان الإنسان مدنيا بطبعه، فإنه يحتاج إلى غيره، يحتاج أن يتعاون مع من سواه، من هنا تأتي قيمة التعاون كأساس الاجتماع البشري، وحقيقتها هو العمل الصادر عن هيئات، وملكات إرادية لا إلى عوامل فطرية، بمعنى أن الفرد يختار بمحض إرادته أن يتعاون مع غيره على اعتبار أن الكل محتاج للكل، وبهذا تتحقق سعادة الفرد و الجماعة بتبادل المصالح، ودرء المفاسد المحدقة بالاجتماع البشري، إذا فالجمعية الفاضلة هي جمعية التعاون المفضي للسعادة الروحية و الجسدية المبنية على تحقيق الإنجازات وإتمام الأعمال، ولهذا عرفها المشرع المغربي في قانون الحريات العامة بتاريخ 15 نونبر 1958 ” الجمعية اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم ونشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم”فالجمعية إضافة إلى هذا هي نظام عضوي يماثل النظام الكوني، كالبدن الذي كل عضو فيه له هيأته وملكته، لكن يخالفها من حيث أن الأفعال في الجمعية إرادية اختيارية وطوعية تلقائية، والرئيس في الجمعية الفاضلة هو كالقلب في البدن، أكمل الأعضاء، و أشرفهم، يشارك الأعضاء في الأعمال ولا يشاركونه في عمله ووظيفته، يهتم بالأعمال الشريفة ولا يشارك في الأعمال الناقصة الخسيسة ، وما تحته من الرؤساء هم مرؤوسي الرئيس يقومون بمهام أنقص، وأعمال أقل على عين الرئيس وسيطرته باعتباره الأكمل و الأعقل، يلقي الأوامر بدون واسطة لما يتوفر عليه من مؤهلات وصفات مرضية.
لكن إذا لم يوجد الرئيس الأكمل فما البديل؟؟؟؟؟
إذا لم تكتمل الخصال الفاضلة في الرئيس وتفرقت في مجموع الأعضاء كونوا مجلسا رئاسيا، أو هيئات تتمتع بصلاحيات رئيسية وشريفة، لأن في كل هيئة ثلاثة أنواع من الأعضاء : الحكماء المؤسسون، يعرفون الحقائق بالبراهين و البصائر، وهناك الأتباع الذين يسيرون على ما يقدمه الحكماء، ثم الباقون الذين يشتغلون بالمثالات و التشبيهات.
فإذا كان الرئيس بهذه القيمة فما الصفات التي تجب أن تتوفر فيه:
1. أن يكون حكيما متعاونا.
2. أن يكون محبا للصدق وأهله ، مبغضا للكذب وأهله.
3. أن يكون كبير النفس محبا للكرامة.
4. أن يكون الدرهم و الدينار و سائر أعراض الدنيا هينة عنده.
5. أن يكون محبا للعدل وأهله ، مبغضا للجور و الظلم وأهلهما .
6. أن يكون قوي العزيمة ، غير خائف ، ولا ضعيف النفس.
7. أن يكون عالما حافظا للشرائع و السنن.
8. أن يكون ذا جودة في استنباط فيما لم يؤثر عن سابقيه .
9. أن يكون ذا جودة في رؤية و استيعاب الحوادث الطارئة الضامنة لصلاح الهيأة .
10. أن يكون ذا جودة إرشادية و توجيهية.
11. أن يكون ذا جودة في بدنه لمباشرة الأعمال الكبرى .
هذه هي فلسفة الجمعية الفاضلة، وهذه هي شروط الرئيس الفاضل و المجلس الرئاسي الفاضل، إلا انه قد تتحول إلى جمعية جاهلة لا تعرف معنى السعادة بسبب غياب قيمة التعاون، وتكون بذلك مقتصرة على قوام الأبدان، تتمتع بالخيرات الممنوحة، و الاكتفاء باللعب و الهزل، طموحها في ذلك حب المجد و الشهرة، ولو بقهر الآخرين من المنافسين، وقد تصبح الجمعية فاسقة، إذا انحرفت عن معاني الجمعية الفاضلة، حيث يسود النفاق و التهاون و الكسل، أو جمعية مبدلة بحيث تغير أراءها وتستمرئ آراء غيرها ، أو ضالة تائهة عن الوجهة الصحيحة،
الخلاصة أن الرئيس الفاضل هو الرئيس الحكيم المتعاون المستوعب لغيره، و أن الجمعية الفاضلة هي التي تنبي على فضيلة التعاون و التآزر قال تعالى : وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}
السبت 11/12/2021 موافق 06 جمادى الأولى 1443