سياسة

إدريس الأزمي يوضح للنقيب الجامعي موقف الحزب من عقوبة الإعدام

اطلالة بريس

وجه الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، رسالة إلى النقيب عبد الرحيم الجامعي، تفاعلا مع الملاحظات التي أدلى بها حول بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في الشق المتعلق بعقوبة الإعدام.

وقد توصلت إطلالة بريس بنسخة من الرسالة الموجهة إلى النقيب عبد الرحيم الجامعي، وإليكم نصها :

إلى السيد النقيب عبد الرحيم الجامعي

الموضوع: تفاعل مع ملاحظاتكم حول بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في الشق المتعلق بعقوبة الإعدام.

الدكتور إدريس الأزمي الإدريسي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته السيد النقيب،

وبعد،

قرأت ملاحظاتكم حول بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية في الشق المتعلق بعقوبة الإعدام، ولن أبدأ بما بدأتم به من التذكير بمجموعة من البديهيات من الحقوق التي لا فضل ولا مِنَّةَ لأحد فيها على أحد من مثل “وهو رأي أحترمه كما تفرضه علي الأخلاق الديمقراطية وقواعد الدستور”، فهذا من باب الحقوق المحفوظة للجميع وهي المحفوظة في أعلى وأرقى مستوياتها بمقتضى الشرع قبل الوضعي، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم “وَقُلِ اِ۬لْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُومِنْ وَّمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرِۖ”. كما أن هدفي في هذه الرسالة ليس هو إقناعكم بموقفنا من عقوبة الإعدام ففي النهاية لنا موقفنا ولكم موقفكم وفي الاختلاف سعة ورحمة.

لكن دعوني في البداية أن أثير انتباهكم إلى أنكم -وبمجرد تجاوزكم للسطر الأول من الرسالة- نسيتم بسرعة ما ذَكَّرْتُم به من مبادئ وَشَرَعْتُم فِي كَيْلِ مجموعة طويلة ولا متناهية من أحكام القيمة المسبقة والجاهزة التي تُحَقِّرُ رأي الحزب ومرجعيته التي يبني عليها مواقفه، بل ونَصَّبْتُم أنفسكم في موقع الأستاذ الذي يُنَقِّطُ والحاكم الذي لا يأمر إلا بما يرى.

واسمحوا لي أن أتفاعل مع الملاحظات والحجج التي أثرتموها -والتي هي في الحقيقة أحكام قيمة سلبية مسبقة وجاهزة أكثر من ملاحظات وحجج- لِأُبَيِّنُ لكم من جهة أنكم لم تحترموا ما ألزمتم به أنفسكم -مما تفرضه عليكم الأخلاق الديمقراطية وقواعد الدستور-، ولِأُبَيِّنُ لكم من جهة أخرى أن الحجة أَعوَزَتْكم وأنكم لم تُوَفَّقُوا ولم تكونوا مقنعين في دفاعكم عن إلغاء عقوبة الإعدام ورافعتم بتأويلات وتوجهات ثقافية وإيديولوجية تصف الرأي الآخر بالتسرع والاستخفاف والفهم الضيق ودغدغة المشاعر والدعوة إلى العدالة الشعبية والفوضى والجاهلية والانتقام وهلم جرا…، وغلب عليكم الطابع التوجيهي والطلبات الآمرة بمراجعة الموقف من عقوبة الإعدام ليس لأن لديكم ما يسعفكم من الحجج والبراهين ويدعم موقفكم، ولكن لأن هذا رأيكم وهذه قناعتكم وما على الآخرين إلا أن ينضبطوا لها لأنها كذلك والسلام. وهذه لعمري قمة احترام الرأي الآخر والانضباط لأخلاق الديمقراطية وقواعد الدستور.

وقبل أن أعود لبعض الملاحظات، دعوني -أولا- أقرأ وألخص استراتيجية دفاعكم عن رأيكم من عقوبة الإعدام، والتي يمكن اختزالها في كونكم بنيتم دفاعكم وبالرغم من طول كتابكم على أمرين اثنين لا ثالث لهما، وهما –من جهة أولى– لائحة طويلة وكثيفة من التهم وأحكام القيمة السلبية والمسبقة والجاهزة التي كِلْتُمُوهَا لموقف الحزب ومرجعيته، وهي أحكام قيمة خاطئة ومهتزة وهي حجة من أعوزته الحجة، ولا علاقة لها بما حاولتم في كل مرة تأكيده بكون مرجعيتكم هي احترام الرأي الآخر والحقيقة السياسية والقانونية والعلمية والعقلانية والكونية…كما أنكم بنيتم دفاعكم –من جهة ثانية– على قول واحد وهو كون أن الوظيفة الرادعة لعقوبة الإعدام هو “قول بعيد عن الحقيقة السياسية والقانونية والعلمية”، ومرجعكم الوحيد في ذلك هو ما تعلمونه أنتم -وغاب عن الآخرين- من أن نتائج الدراسات التي أعدت من مؤسسات جامعية علمية وحقوقية ومختبرات الرصد الجريمة عبر العالم، أكدت -كلها- أن الجريمة لا تردعها عقوبة الإعدام.

ودعوني أبدا بهذه النقطة الأخيرة من دفاعكم وقولكم بتعميم قطعي لا يمت للعلم بصلة ولا يعتمد حتى فيما يسمى بالعلوم الصلبة أو الدقيقة فكيف به في العلوم الاجتماعية، بأن –كل– الدراسات أثبت عدم وجود الوظيفة الرادعة لعقوبة الإعدام، وقد تعلمون أو لا تعلمون أن هذه الدراسات أو على الأقل بعضها موجه وهدفه خدمة “الحقيقة الواحدة” و”الهدف الواحد” و”النتيجة المعروفة أصلا”، وهي أن هذه العقوبة لا تحد من الجريمة وبالتالي وجب إلغائها. ثم هل تساءلتم هل هناك أو لماذا ليست هناك دراسات من مؤسسات جامعية علمية وحقوقية ومختبرات رصد الجريمة عبر العالم لتبحث وتخبرنا عما إذا كان إلغاء عقوبة الإعدام يردع الجريمة ويكبح تطورها أم لا؟ أم أن هذا السؤال ليس مُهِماًّ لأن المهم هو حق الجاني في الحياة ولا حق للضحية وأن المهم هو الدراسات والنتائج التي تخدم موقف إلغاء عقوبة الإعدام والسلام؟

وأما بخصوص النقطة الأولى من استراتيجية دفاعكم، والمبنية على لائحة طويلة من الأحكام القدحية والمسبقة والجاهزة في حق الحزب، فبالله عليكم هل تليق كتابة هذه الأحكام بمن يحترم الرأي الآخر ويتحاور ويناقش ليدافع عن رأيه وقناعته بخصوص إلغاء عقوبة الإعدام؟ وهل هذه الأحكام تُكَوِّنُ حجة يُعَتَّدُ بها؟

وقبل الخوض في مناقشة بعض ملاحظاتكم، إليكم للتذكير-أسفل هذه الصفحة- لائحة هذه الأحكام مُجَمَّعَةً كما وردت مُتَفَرِّقَةً في رسالتكم لكي تعيدوا قراءتها وتنظروا إلى مدى احترامها للمبادئ التي ذكرتم بها وتقرأوا رأيكم وموقفكم على ضوئها ما دمتم قد سمحتم لأنفسكم بإصدارها في حق رأي وموقف الآخرين.

وبعد هذه اللائحة الطويلة من الأحكام المسبقة والجاهزة، دعوني أتطرق لبعض منها. لقد كتبتم أن موقفنا “يأتي مع الأسف أكثر وضوحا في غرة ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي لحظة تقف فيها الإنسانية أمام أبشع جرائم القتل التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني“، وفي الحقيقة لم أفهم نهائيا أسباب استدعاء هذه المأساة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يقترفها الكيان الصهيوني المجرم في حق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقاومته، وهي بالمناسبة حُجَّةٌ ضدكم وعليكم وليست لصالحكم في هذا الموضوع. ثم أليس في هذا الاستدعاء نوع من “الشعبوية” و “دغدغة المشاعر” التي اتهمتمونا بها؟

لقد وصفتم نعت الحزب لتصويت المغرب على قرار الجمعية العامة بأنه “لا يمكن قطعا أن يعتبر مسارا نحو إلغاء عقوبة الإعدام، بكونهقول فيه تسرع واستخفاف وتقليل من ذكاء المجتمع المغربي وذكاء الحقوقيين وعلماء القانون ونضال المناهضات والمناهضين، فكيف لكم أن تُقْحِمُوا المجتمع المغربي بصيغة الجمع والإجماع، وأن تحكموا عليه وتضمُّوه قسرا إلى الفئة التي لها مثل رأيكم من عقوبة الإعدام؟ فهل استفتيتم المجتمع المغربي؟ وهل من أخلاق الديمقراطية وقواعد الدستور أن تُقحموا مجتمعا بأكمله مع رأيكم؟ وأنتم تعلمون جيدا واستطلاعات الرأي في هذا الموضوع تثبت عكس ما تدافعون عنه.

كما كتبتم أن رأينا بخصوص القصاص الوارد في القرآن العظيم والكريم هو رأي لا وجاهة له، وتَوَجُّهٌ قد يدفع نحو عدالة شعبوية وثقافة الفوضى التي لا تبتغي سوى إثارة الانفعال وإذكاء النعرات وتلبية رغبات الأشخاص…و”دعوة للتعامل مع ظاهرة الجريمة بالمثل أي بقتل القاتل باسم نزوات الانتقام المغلفة بالشريعة وكأن المغرب لا زال رقعة من بلاد جاهلية يحكمها قانون السف والقوة”. وهذا في الحقيقة نوع خطير من التلبيس والخلط غير المقبول أخلاقيا وقانونيا وعلميا -وأنتم رجل القانون-. فبالله عليكم ما علاقة الموقف من جريمة ينص عليها القانون، وعقوبة ينص عليها القانون، ومؤسسات يكلفها القانون بتنفيذ العقوبة طبقا للقانون، ما علاقة كل هذا بالعدالة الشعبوية وثقافة الفوضى والجاهلية والانتقام…؟

كما ورد في كتابكم طلبكم من الحزب: “أن تراجعوا موقفكم من عقوبة الإعدام لأنكم بالدفاع عنها تحرضون على انتهاك الدستور ومبادئ حقوق الإنسان والحق في الحياة على الخصوص، و”أن تتوفقوا عن الخلط بين الديني والسياسي والحقوقي والكونية والخصوصية، وأن تميزوا بين قواعد القانون الوضعي قواعد الشريعة”.

فبخصوص انتهاك الدستور، لا بأس أن أنبهكم إلى أن قراءتكم لمبادئ حقوق الإنسان والحق في الحياة كما ورد في الدستور وبالخصوص في الفصل 20 منه الذي ينص على أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق.”، هي قراءة واجتهاد شخصي يلزمكم وهو بالمناسبة اجتهاد متحيز وغير عادل، إذ ينظر للحق في الحياة ليس لكل إنسان وإنما في اتجاه واحد ولفائدة طرف واحد، وهو جانب الجاني وحق الجاني في الحياة، ثم وأنتم تعتبرون أن “عقوبة الإعدام مهينة للكرامة الإنسانية وأنها من صنف التعذيب والمساس بالحرمة الجسدية للإنسان”، تغفلون نهائيا -كما غفلتم ذلك في رسالتكم الطويلة- وبشكل غريب حق الضحية في الحياة وفي القصاص وفي حفظ كرامته وحرمة جسده، وحقوق ذوي حقوقه وحقوق المجتمع برمته، حيث لم تشيروا لكل هؤلاء بالمرة في رسالتكم، وهذا عيب منهجي يفسر إلى حد كبير انتصاركم ودفاعكم عن إلغاء عقوبة الإعدام لأن زاوية قراءتكم هي حق الجاني في الحياة والجاني وحده وليس حق كل إنسان.

وبخصوص دعوتكم لنا أن نميز بين “قواعد القانون الوضعي وقواعد الشريعة”، لكون الدستور حسب قولكم وأضفتم لها -وكما تعلمون- له مرجعية واحدة هي “القانون الوضعي وليس الشريعة الإسلامية”، فهذا ما تعلم أننا نعلمه وفي الحقيقة فنحن لانعلمه، وهو ما لا يُقِرُّه الدستور نفسه الذي ينص في ديباجته على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية” و “أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدّين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، ويشير في فصله الأول إلى أنه “تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.”، وفي فصله الثالث إلى أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.”، وفي الفقرة الثانية من فصله الرابع إلى أن شعار المملكة: الله، الوطن، الملك.”، وقد أقررتم بأنفسكم أنه قد نجد قواعد من الشريعة الإسلامية في بعض مقتضيات القانون المدني او قانون التحفيظ أو مدونة الأسرة …، فما الذي يجعلكم تحصرونها في هذه القوانين دون غيرها.

كما أن قولكم وبطريقة تقريرية بأن “الأصول التشريعية الجنائية والعقابية بالمغرب ليست أصول مستوحاة ومستقاة من الشريعة بل هي نابعة في مقومات القانون وضعي متفق عليها من أول قانوني جنائي للمغرب سنة 1962 ومن أول قانون للقضاء العسكري سنة 1956…“، هو قول غير منصف ومجانب للصواب لأن تاريخ القانون والتشريع لدى البشرية لم يبدأ لا في 1956 ولا في 1962، والقانون الوضعي الذي تذكروننا به في كل مرَّة وتُسَلِّمُونَ وتستبطنون أنه قانون مستورد جملة وتفصيلا من الغرب ولاعلاقة له بالشريعة الإسلامية، هو دفع لا يقول به حتى علماء وفقهاء القانون بالغرب، بل إن كتاباتهم العديدة تعترف صراحة بمدى التأثير الكبير للشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي في التشريعات الغربية منذ بداياتها الأولى.

وأخيرا، وبخصوص دعوتكم للحزب أن يتوقف عن “الخلط بين الديني والسياسي والحقوقي والكونية والخصوصية”، فأولا هذا حكم قيمة مستورد وخاطئ، فنحن إنما ننطلق معتزين -ودون عقدة نقص أو دونية- من المرجعية الإسلامية لمجتمعنا ولدولتنا عبر تاريخنا الطويل وكما أقرها الدستور، وكذلك باعتبارها مرجعية عالمية للإنسانية جمعاء، مصداقا لقوله عز وجل “وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةٗ لِّلْعَٰلَمِينَۖ”، منفتحين متفاعلين بثقة مع عصرنا، ثم هلاَّ انتبهتم وتوقفتم أنتم ولو قليلا عن هذا الفصل وعن تقريركم بشكل مطلق كما كتبتم بأنها أي المرجعية الكونية تمثل “القيم والمفاهيم التي يفرضها العصر وتتلاءم مع ما هو متعارف عليه دوليا. “، وتفرضها وكأنها عقيدة جديدة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، في حين أنها تبقى اجتهادات بشرية يأخذ منه ما ينفع ويرد منها ما لا ينفع حسب قناعات وخصوصيات المجتمعات والتي هي حق أصيل من حقوق الإنسان.

وتقبلوا السيد النقيب تحياتي وتقديري.

والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى