رأي

مفاهيم المدونة والتعديلات بين الفقه والمآلات

بقلم سفيان ابو زيد

للتعديل معان منها: إقامة المعوج أو إثبات وتقرير العدالة، والأول هو المقصود هنا، ولا شك بأن إقامة وتقويم المعوج أمر مطلوب، وهو من مقاصد الشريعة، فهو أحد أنواع مصالحها، فالشريعة جاءت لإحداث مصالح، وبيان أخرى وتعزيز ثالثة، وتقويم مفاهيم وتصورات وسلوكات ومعتقدات، هذه هي شريعتنا، إذن فالقيام بالتعديل هو أمر سنني شرعي، موافق للحداثة التي خلق عليها الإنسان، موافق للشريعة التي جاءت لجلب المصالح ودرإ المفاسد..

هذا التعديل من حيث الأصل..

فإذا اقتربنا من التعديلات التي نحن بصددها فلابد مما يلي:

عرض تلك التعديلات

مناقشتها فقهيا

ذكر مآلاتها

اقتراح حلول موافقة للشرع تقوم بالمقصود..

التعديل الأول:

وجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد..
هذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء فذهب جمهور الحنفية وهو قول الشافعي في القديم إلى أنها تجب بالعقد، واستدلوا على ذلك بعموم قول الله تعالى ( لينفق ذو ستة من سعته ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)

ولكن لم يقتصروا على العقد ولكن ذكروا مآل ذلك العقد الذي هو الحبس، أي أن المرأة بعد عقد النكاح فقد حبست نفسها لذلك الزوج وتلك الأسرة، خدمة وطاعة وتمتيعا، فهي ممنوعة من الاكتساب، فكان نفع حبسها عائدا إليه وبالتالي فقد وجبت النفقة عليه بالمقابل، فلابد من استحضار هذا المآل، وليس الاقتصار على مجرد العقد اللفظي أو الكتابي..فالمرأة تزوجت وفي نيتها وقصدها حبس نفسها على تلك الأسرة طاعة وخدمة وتربية وانشغالا، وفي المقابل نلزم الزوج بالنفقة من البداية..فهذا لا أرى فيه إشكالا لتوافقه مع مقصد الزواج في التأبيد، ومقصد الفضل..
وذهب جمهور الفقهاء، من المالكية والحنابلة وهو رواية عن أبي يوسف وهو قول الشافعي في الجديد، إلى أن العقد لا يوجب النفقة، وهي تجب بالتمكين، مستدلين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، عند عقده على عائشة وهي ابنة ست سنين ولم ينفق عليها إلا بعد أن دخل بها، فلو كان حقا لها لأنفق عليها، وهذا يدل على عدم وجوب النفقة بالعقد،
لأنه لا يتعلق بعقد عوضان مختلفان، وعوض العقد المهر، والنفقة مجهولة المقدار، والعقد لا يوجب مالا مجهولا، وبالتالي فالذي يوجب النفقة هو التمكين من نفسها..
ولا ارى اختلافا جوهريا بين هذين القولين إلا عند الخلاف والشقاق، أما وقد تم العقد، وحبست الزوجة نفسها في بيت الزوجية، وهذا نوع من التمكين، لأن المقصود من التمكين ألا يحول حائل من استمتاعه بها، وهذا يتوافق كذلك مع مقصد التأبيد ومقصد الفضل، فما تعاقد الزوجان إلا لتمكن الزوجة نفسها، وإلا لينفق عليها، إلا أن تعذر ذلك التمكين، فننظر في سبب التعذر ونعمل الأصل في أن النفقة لا تجب إلا بالتمكين..ولكن الذي ينبغي أن يسود ويرسخ في بدايات الزواج هو التأبيد والحبس والفضل..

ولا أدري ما سبب هذا التعديل وما الدافع له، فالأصل العمل بما في المذهب إلا أن نحتاج إلى النظر في غيره لحاجة ماسة، هذا هو المنهج الذي تردده الجهات الرسمية المكلفة بالشؤون الدينية، فما الدافع إلى هذا التعديل؟
ستقول لي الدافع مثلا هو حالة الخلاف، كأن يعقد رجل على امرأة، ولا يدخل بها؟ فهل تجب لها النفقة في تلك المدة أم لا؟
فإذا قلنا بأنها تجب بالعقد، فقد وجبت وإذا قلنا بأنها لا تجب ننظر فيما بعد..
أقول: هذه الإشكالات كلها نوقشت ووجدت لها حلول منطقية والموضوعية، فقد ناقش الفقهاء التمكين وعدمه ومن المتسبب في عدمه تل هو الزوج أم الزوجة، وكل تلك الاحتمالات، ويمكن أن نضيف احتمالات أخرى ونجد لها حلولا في ضوء الراجح من المذهب..
ولكن الدافع لمثل هذا التعديل هو ذلك التركيز وتلك النظرة المنكبة والمحصورة على ما يتعلق بالمرأة، دون نظر لحق الرجل، أليس من حق الزوج بعد عقد النكاح الحصانة والتحصن والإستمتاع بحلاله، ونوال الأجر المرجو من ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ( أيأتي أحدنا أهله، ويكون له أجر، قال: أرأيت إن وضعها في حرام أكان عليه وزر كذلك إن وضعها في حلال كان له أجر)
فقضية التمكين والإستمتاع قضية مهمة وحق مهم، لذلك لابد من النظر إليه كذلك، وكما أسفلت والفقهاء الذين قالوا بأن العقد كاف في وجوب النفقة، اشترطوا الحبس، والحبس نوع من التمكين، فقد استحضروا هذا الحق، واشترطوه وأكدوا عليه، لكن هؤلاء المعدلون، ينتقون بنية مبيتة، ليزيدوا في إشعار حروب الأسر ويضرموا نيرانها..
فالقضية جد بسيطة، إذا قلنا بأن النفقة تجب بالعقد، نضيف بأن تحبس الزوجة نفسها على هذا الزواج، وأن تكون نية كلا الزوجين إتمام المسيرة الزوجية عندها تجب النفقة بكل حب ورغبة..
هكذا تعالج قضايا الزواج وليس بشد ليا نقطع ليك..
هذا التعديل الأول، ونرجئ التعديل الثاني إلى الحلقة القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى