رأي

#مفاهيم #نايضة والأم العازبة

سفيان أبوزيد

لقد طل على المغاربة عمل درامي أشاد به كثير من المغاربة وبدوري أشيد به كمتابع ومساهم في مسيرة الدعوة والإصلاح، أشيد به وسط مستنقعات التفاهة والسفاهة والعفن التي أزكمت وتزكم أنوف المغاربة وتلطخ ذوقهم، وتنخر في نسيج دينهم وقيمهم وعاداتهم، فمنذ أن عقلت ما شاهدت مشهدا خادشا للحياء أو كلمة زنقاوية في فيلم أو مسلسل أو مسرحية مغربية حتى صرنا في عصر الانفتاح والانفلاخ وعصر “اعطيه العصير في جامعة القصر الكبير” في عصر “هز الرجل والخصر” أهم من “هز الفكر”

جاء فيلم #نايضة في هذا الوسط القاتم والمنحط، بفكرة أراها رائعة تخاطب شريحة كبيرة من المغاربة ” سكان البناء العشوائي ” غير القانوني والذي يراد أن تطبق عليهم قوانين الضبط والجباية، فهم في الحقوق وأحق الحقوق – السكن اللائق، العيش الكريم، التطبيب، التمدرس، الصرف الصحي، الاستفادة من خيرات وعائدات خيرات البلاد-، ويتم فتح طاقة الإكرامية والتفضل والهبة للاستفادة من تلك الحقوق في صورة صاحب المقهى – الذي يظن أنه صديق صاحب السلطة ويفتخر بذلك – هم في تلك الحقوق غير قانونيين خارج اللائحة والاعتبار، ولكنهم في الضبط في صورة “المقدم” و”,الگارديان” – وهما كذلك من الطبقة المسحوقة المطبلة التي يسمح لها أن تمارس شيئا من السلطة-.
والجباية من خلال الضرائب وفي مشهد تحديد عدد مقاعد “التريبورتور” فهم قانونييون وتحت سلطة القانون، وقد خالفوا المادة الفلانية من القانون الفلاني، وقد تطبق عليهم العقوبات والدعائر والغرامات…!!!!!

تميز هذا الفيلم بمشاهد في أغلبها غير خادشة للحياء، تجسد الواقع المغربي في كوكبيه، ( كوكب السحق في صورة الكاريان والأحياء الشعبية ) و (كوكب السلطة والمال) في مشهد الوزراء ورواد الفندق خمس نجوم، والبرجان..

ومن واقعيته طريقة تحرك الأجهزة الأمنية، ففي أزمات الجهة المسحوقة إهمال ولا مبالاة، ويكتفى بالمراقبة الضبط والتجسس من خلال عناصر من تلك الطبقة المسحوقة “المقدم” “الگارديان”

وعندما تم المس بعناصر من أصحاب السلطة والمال بطريقة غير مقصودة ولا مدبرة كما قيل ” غير حاصلين ” تحركت كل الأجهزة في رمشة عين تحركا وكأنها متجهة إلى حرب، ( من فوقهم ومن تحتهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم ) وتم استدعاء الخبراء والمتقاعدين وتم إطلاق حالة من الطوارئ وتطويق المكان ووووو..

هذا غيض من فيض واقعية هذا الفيلم مع نظافة مشاهده على عمومها، وهذا يحسب له ويشهد له..

فقد عكس تيار التفاهة في الفكرة، وتيار السفاهة في المشهد..لذلك وضعت أمامه العراقيل والمطبات والحواجز ..

وإن كان الحل الذي ذكر في نهاية الفيلم في صورة تصديق وعود السلطة (legalisation) واستدعاء ضابط التوقيع.. نهاية لا تتناسب مع مجريات القصة ومكانة الفكرة والمتأمل من الحلول لتلك القنابل والملفات المتقدة، والتي تنتظره الطبقة المسحوقة، وكان الأولى أن يختم هذا الفيلم بالمحاسبة والسواسية والإقالة، فلو ختم الفيلم بمحاسبة الوزراء المتورطين، وببرامج تشير إلى بداية مرحلة السواسية، وبقرارات حازمة لإقالة المفسدين من المسؤولين، ستكون تلك الخاتمة في مستوى الحدث والقصة…

ولكن مما أثار انتباهي وإن مر مرور السهم الطاعن القاتل الذي ينخر رمية الدين والقيم، وهو مصطلح ” الأم العازبة ” الذي قيل في مشهد مساعد وزير الداخلية لما أخبر الوزير بمعلومات عن المحتجِزين خاصة السيدة التي بينهم أنها كانت “أما عازبة”

ستقول لي: أليس هذا من تجسيد الواقع؟ أليس بيننا “أمهات عازبات” ؟ قد تكون هذه الواقعة هي التي دعت تلك السيدة إلى القيام بهذا الفعل غير المقصود أو المحسوب!! لماذا تقف عند هذه الجزئية والتي لم تاخذ من الفيلم حيزا كبيرا؟؟

أقول: لقد عبرت بلفظ “مصطلح” ولا أقصد الفعل، ومن أكبر معاركنا اليوم، والتي ينبغي أن تجيش لها الجيوش وترصد لها المراصد، هي معركة المصطلحات، وقد أشار من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لهذه المعركة في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري “يسمونها بغير اسمها” قد ذكرها صلى الله عليه وسلم في الخمر، ولكن الخمر هو مظهر من مظاهر تلك الظاهرة، أي لاستحلال الخمر، أو للتدليس على الناس، أو لتمرير فساده، أو لتخفيف وطأة اسمه الحقيقي، يسمونه بغير اسمه، وهنا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نركز على الحقائق وننطلق من الماهيات، ولا نقف عند الأسماء دائما مع استصحابها، تحسبا واستعدادا لمعركة الأسماء والمصطلحات..

فالأم العازبة كفعل قد تكون واقعا- إن سلمنا جدلا بذلك- وإن كانت لحدود هذا الزمان لا تمثل فئة كبيرة- ولكن بغض النظر عن ذلك فهي واقع..

ولكن هل تعريفها عندنا واسمها عندنا هو ” الأم العازبة ”
لنقف قليلا عند هذا المصطلح..

“الأم” من هي الأم عندنا؟

الأم هي التي أنجبت طفلا أو أطفالا..

هذا الإنجاب كان نتيجة ماذا؟

كان نتيجة زواج دون أن أصفه بالشرعي!!! لأن الزواج الذي يعرفه المغاربة والذي أنتج المغاربة لم يكن إلا الزواج الشرعي..

إذن فالأم عندنا هي التي أنجبت طفلا من زواج شرعي

ستقول لي: وما بال التي أنجبت طفلا من غير علاقة غير شرعي؟

سأسألك: ماذا نسمي العلاقة غير الشرعية!!!

نسميها (زنا) أو (من الحرام) أو (كرش الحرام) هذه هي مصطلحاتنا..

هنا نمر إلى الصفة وهي “العازبة”

العازبة أي غير متزوجة..

وإن أرادت الفتاة المغربية ورغبت في إنجاب أطفال، فهي تفكر أولا في الزواج، وتعيش أحلام الزواج، وأحلام العرس وكل تلك الأحلام الجميلة..

فكيف تنجب طفلا دون زواج؟؟

ماذا نسمي التي أنجبت طفلا دون زواج؟؟

نسميها أنها وقعت في زنا أو في حرام..

هذه هي مصطلحاتنا..

إذن فليس عندنا ولا لدينا شيء اسمه أم عازبة..

لأن الأمومة تشريف وتكليف ووسام ومسؤولية، وليست حملا ووضعا..

إذا رجعنا إلى واقعنا، سنجد بأن هناك فتيات أو محصنات وقعن في الحرام أو في الزنا، وأتين بأطفال، هذه الحالة وهذه الظاهرة قد أعد لها الإسلام برنامجا متكاملا شاملا في الوقاية والعلاج، قد يعتبر الظرف والطارئ والحالة، ويعتبر الفعل وجسامته وما ترتب عليه من عقوبة أو من مفسدة، فالوقاية فيها برنامج تربوي تقوم به الأسرة والدولة من خلال مؤسساتها التربوية والمجتمع من خلال مواثيقه..

والعلاج يكون من خلال التقليل من الظاهرة وتخفيف مفاسدها ومآلاتها..

إذن هناك اعتبار للواقع بقدره في خانته، وليس تطبيعا معه..
وهذا التطبيع هو المراد من خلال هذه المصطلحات الدخيلة القاتلة التي ليست منا ولسنا منها..

فمصطلح “الأم العازبة” هو تطبيع مع جريمة الزنا، تطبيع مع جريمة الخيانة الزوجية، إذ قد تكون أما شرعية من جهة وعند زوج، وأما عازبة من جهة أخرى..
هو تطبيع مع الفساد الاجتماعي
هو تطبيع مع الفساد الأخلاقي
هو تطبيع مع المجاهرة بالفساد
هو تطبيع مع الزنا
هو تطبيع مع ظاهرة اللقطاء
إلى غير ذلك من التطبيعات المدمرة والقاتلة..

لذلك هو ليس مصطلحا عابرا أو كلمة قيلت، وإنما هو سم مدسوس ليصبح معتبرا وفئة واختيار..

لذلك ادعو السيد سعيد الناصري المعروف بوطنيته وتمغربيته وشدة احترامه لدينه ومقدساته، أن يعيد النظر في ذلك المصطلح، إذ قد يعبر عنه بأنها سيدة لها أولاد من غير زواج شرعي، فيتناسب ال مصطلح مع الواقع ومع المعروف في المجتمع المغربي، خاصة وأنه فيلم اجتماعي يناقش قضايا اجتماعية.. وإلا كان محطة لتمرير مثل هذه السموم القاتلة والسهام الفتاكة..وتنتقل من تجسيد الواقع إلى تدنيسه، ( كما تناولته في مقال سابق )

ليس عندنا شيء اسمه “أم عازبة” الأم التي نعرفها هي أمي وأمك وأمه التي عاشت في عفة وطهارة وأنجبت أطفالا من حلال، من رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، إلا أنها بقيت عفيفة تجوع ولا تأكل بثدييها بحجة قساوة الظروف، هذا المعنى وهذا النموذج من الأم هو الذي ينبغي أن يستحضر ويروج له ويبقى ويستمر، لأنها البركة، لأنها المدرسة، لأن الجنة تحت أقدامها..

اللهم احفظ لنا أمهاتنا..واحفظ علينا مصطلحاتنا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى