
“هل يحق للمطلقة أن تحضن أولادها بعد زواجها؟”
بينا في مقالنا السابق أن الحكم باشتراك الذمة بين الزوجين لمجرد الزواج هو حكم مخالف لعموم القرآن، ولقاعدة “الأصل في الذمة البراءة”، ولمبدأ “استقلال الذمة”، ولـ”إلحاقه الظلم بالزوجين” …، واليوم سنقف إن شاء الله مع التعديل الخامس من التعديلات الأسرية، الذي ينص على ” بقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها”.
المسألة الخامسة: بقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها.
وحاصل هذا التعديل: أن الزوجة المطلقة إن كانت لها أولاد مع زوجها الأول، ثم تزوجت من رجل آخر، فإن حضانتها لأولادها تبقى مستمرة على الرغم من زواجها.
وهذا الحكم مخالف لما هو مقرر عند الفقهاء المعتبرين الذين قضوا بسقوط حضانة المطلقة بعد زواجها، بل لم يقل بهذا الحكم – بهذا الإطلاق – حتى ابن حزم كما سنوضح في هذا المقال والذي يليه.
أولا: أدلة منع المطلقة التي تزوجت من الحضانة.
احتج الفقهاء على انتفاء حق المطلقة المتزوجة في الحضانة، بمجموعة من الأدلة والحجج، أهمها:
أ- من السنة:
1. قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصريح الصحيح المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: “أنَّ امرأةً قالت: يا رسول اللَّه، إنَّ ابني هذا كان بطني له وِعاءً، وثَدْيي له سِقاءً، وحجْري له حِواءً، وإنَّ أباه طلَّقني وأراد أن ينتزعَه منِّي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتِ أحقُّ به ما لم تنْكحي». (رواه الإمام أحمد، وأبو داوود، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي).
فهذا الحديث صريح في أن بقاء الحضانة عند المطلقة مقيد بنكاحها وزواجها، فإن هي لم تتزوج بقي لها الحق في حضانة أولادها، وإن تزوجت سقطت حضانتها، لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث “ما لم تنْكحي “، سواء أكان هذا القول للتعليل، أو للتوقيت.
2. ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانت امرأة من الأنصار تحت رجل من الأنصار، فقتل عنها يوم أحد وله منها ولد، فخطبها عم ولدها، ورجل إلى أبيها، فأنكح الرجل، وترك عم ولدها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: أنكحني أبي رجلا لا أريده، وترك عم ولدي، فيؤخذ مني ولدي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أباها، فقال: “أنكحت فلاناً فلانة”؟ قال: نعم قال: “أنت الذي لا نكاح لك، اذهبي فانكحي عم ولدك”. (رواه عبد الرزاق في المصنف).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على قولها: “فيؤخذ مني ولدي” – أي أن عم الولد سيكون أحق به منها إن هي تزوجت بالرجل الآخر- ولم ينكر عليها ذلك، وفي هذا دليل بين على أن الحضانة تسقط من المرأة بالزواج.
ب- الإجماع:
وهو من أقوى ما استدلوا به في هذا الباب؛ حيث إن العلماء أجمعوا على أن زواج المطلقة يسقط حقها في الحضانة، قال ابن المنذر: ” أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل، أن الأم أحق به ما لم تنكح، وممن حفظنا ذلك عنه يحيى الأنصاري، والزهري، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. وبه نقول”. (الإشراف على مذاهب العلماء، 5/171).
وقال الخطابي: “لم يختلفوا أن الأم أحق بالولد الطفل من الأب ما لم تتزوج، فإذا تزوجت فلا حق لها في حضانة”. (معالم السنن، 3/282)، والتعبير بعدم الاختلاف هو من الصيغ الدالة على الإجماع كما هو معلوم.
وقال ابن عبد البر: “لا أعلم خلافا بين السلف من العلماء والخلف في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج انها أحق بولدها من أبيه ما دام طفلا صغيرا لا يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت منها فسق ولم تتزوج”. (الاستذكار، 7/290).
وقال ابن هبيرة: “واتفقوا على أن الأم إذا تزوجت ودخل بها الزوج؛ سقطت حضانتها”. (الإفصاح، 2/154).
وقال ابن القيم: “أما حجة من أسقط الحضانة بالتزويج مطلقا، فثلاث حجج: إحداها: حديث عمرو بن شعيب المتقدم ذكره، الثانية: اتفاق الصحابة على ذلك”. (زاد المعاد، 6/34-35).
ج- أقوال الصحابة وأقضيتهم.
من ذلك: ما روي عن عكرمة قال: “خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر رضي الله عنهما، وكان طلقها، فقال أبو بكر: هي أعطف، وألطف، وأرحم، وأحنى، وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تزوج”. (أخرجه عبد الرزاق في المصنف)، فقيد أبو بكر رضي الله عنه حق امرأة عمر في الحضانة بعدم الزواج.
د- الحكمة من سقوط حق المطلقة المتزوجة في الحضانة.
بين العلماء أن الحكمة في إسقاط حق الحضانة للمطلقة التي تزوجت، راجعة إلى ثلاثة أشياء:
– إيثارها الزواج وتفضيله على تربية الأولاد.
– ضياع حقوق أولادها بسبب خدمة الزوج.
– إحساس الولد بالنقص والغضاضة، لكون زوج أمه هو الذي ينفق عليه.
قال سلمة بن دينار: “المقتضي لحقِّ المطلقة من الحضانة هو قرابتها الخاصَّة، وإنَّما عارضها مانعُ النِّكاح؛ لما يوجبه من إضاعة الطِّفل، واشتغالها بحقوق الزَّوج الأجنبيِّ منه عن مصالحه، ولما فيه من تغذيته وتربيته في نعمة غير أقاربه، وعليهم في ذلك مِنَّةٌ وغَضاضةٌ”. (حكاه عنه ابن القيم، في زاد المعاد، 6/31).
ولي عودة إلى هذا الموضوع في المقال القادم بحول الله … (لأناقش قول ابن حزم في المسألة … ).
(يتبع ……)