
إيقاف بيت الزوجية عن التركة، أو احتفاظ أحد الزوجين به بعد وفاة الآخر..
أول ما نبتدئ به مناقشة هذه المسألة هو الوقوف عند المصطلحات:
فنبدا بالمصطلح الأول وهو “إيقاف” أو “احتفاظ”
هذان اللفظان لا وجود لهما في المصطلح الشرعي بمدلولهما المراد..فالإيقاف من أوقف، وأوقف ووقف من الوقف وهو باب معروف من أبواب التبرعات، ولا مكان له هنا ولا مجال..
وقد نبهني فضيلة الشيخ عادل رفوش حفظه الله إلى أن مصطلح ” الإيقاف ” وارد في باب المواريث وهو إيقاف بعض التركة عن القسمة لعذر مانع من القسمة كالحمل مثلا، إلا أن الإيقاف في صوره المعتبرة يكون لتعذر قسمة المال أو جزء منه..لمانع لا يمكن إزالته أو تداركه.. ولا يكون على حساب الحقوق، بأن نفيد أحد الورثة على حساب الآخر، فالنقص فيها يسري على الجميع حتى يزول ذلك المانع..خاصة وأن هذا الضرر المشار إليه هنا يمكن إزالته بطرق أخرى ممكنة بل قد تكون واجبة سيأتي معنا بعضها…
وإذا أخذنا لفظ ” الاحتفاظ ” فهل هو التملك، أو العمرى والرقبى أم ماذا؟
لذلك لابد من توضيح وبيان المصطلحات حتى تبنى عليها احكام واضحة، فالغموض والهلامية والتدليس ليست من شيم التعاريف والمصطلحات.. وبالتالي فهذا التعديل ينبغي أن يلغى بالكلية لأن دلالته غير واضحة للغاية..
المصطلح الموالي وهو بيت الزوجية..
فما هو بيت الزوجية؟
الْبَيْتُ لُغَةً: الْمَسْكَنُ، وَبَيْتُ الرَّجُل دَارُهُ
وَبَيْتُ الزَّوْجِيَّةِ: مَحَلٌّ مُنْفَرِدٌ مُعَيَّنٌ مُخْتَصٌّ بِالزَّوْجَةِ، لاَ يُشَارِكُهَا أَحَدٌ فِي سُكْنَاهُ مِنْ أَهْل الزَّوْجِ الْمُمَيِّزِينَ، وَلَهُ غَلْقٌ يَخُصُّهُ وَمَرَافِقُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي الدَّارِ، عَلَى أَلاَ يُشَارِكَهَا فِيهَا أَحَدٌ إِلاَّ بِرِضَاهَا . وَهَذَا فِي غَيْرِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ يَشْتَرِكُونَ فِي بَعْضِ الْمَرَافِقِ . ( الموسوعة الفقهية الكويتية)
والمناط فيه الوسع والقدرة والعادة، كما اتفق على ذلك الفقهاء..إذ قد يكون غرفة وقد يكون قصرا وقد يكون ما بينهما..ويسمى كذلك بيت الطاعة..
والسؤال المطروح هنا هل يدخل بيت الزوجية أو بيت الطاعة في التركة أم لا؟
الجواب:
انطلاقا من التعريف السابق للتركة وما يدخل فيها – وبيت الزوجية مال – وبما أن كل الأموال التي يملكها الميت داخلة في تركته، فإن بيت الزوجية يدخل في التركة باتفاق بين الفقهاء لا خلاف بينهم في ذلك، وبالتالي تنتقل ملكيته إلى الورثة..
والدليل على ذلك:
من الكتاب آيات الميراث: قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين……. الآيات [النساء:11].
ومن السنة:
لما أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من مات وترك مالا فماله لموالي. . . ”
أضف إلى ذلك اتفاق الفقهاء على أن الأموال التي في ملكية الزوج تدخل في تركته بعد وفاته .
والحقوق المتعلقة بالتركة غير حق الورثة هي ثلاثة لا رابع لها:
1- مؤونة تجهيز الميت من كفن وتغسيل وقبر..
2- الديون المتعلقة بعين التركة..
3- وصية الميت..
إذن من خلال هذا التدقيق المحكم نجد بأن بيت الزوجية إن كان ملكا للزوج فإنه يدخل في التركة، فتنتقل ملكيته إلى الورثة..
ولا معنى لمفهوم “الاحتفاظ” به أو “إيقافه”، وهذا تحكم وتعسف وافتئات على الشريعة لا دليل عليه، ولا أثر له، بل هو حرمان لذوي الحقوق حقوقهم وذلك كبيرة من الكبائر، فالله عزوجل هو من حدد التركات وقسمها، فكيف يخرج منها ما هو منها، (أأنتم أعلم أم الله)
ولو كان بيت الزوجية خارج ما يقسم للورثة لذكر في الحقوق المقدمة على حق الورثة، ولم يذكره أحد على الإطلاق، ومن هنا يظهر جليا أن بيت الزوجية أو الطاعة داخل في التركة قولا واحدا..
ومن التدليسات الخطيرة في هذا التعديل، أنه ذكر بأن كلا الزوجين يستفيد من هذا التعديل فكل من الزوجين له حق الاحتفاظ ببيت الزوجية بعد وفاة الآخر، وهذا في ظاهره عدل ومساواة!!!
ولكن إذا نظرنا إلى الواقع، سنجد بأن 99% من بيوت الزوجية المملوكة، هي في ملك الأزواج، وبالتالي فالمستفيد الوحيد من هذا التعديل هو الزوجة وليس الزوج، فلا معنى ان تقول لصاحب البيت، ستحتفظ بالبيت بعد وفاة زوجتك!!!!!
ومن مآلات هذا التعديل..أنه يورث التخوف والحذر بين الزوجين، فكم من زوج قد يبيع بيته أو يكتبه في اسم أمه التي تسكن معه، خشية أن ترمي بها زوجته إلى دار العجزة بعد وفاته، وقد يظلم زوجته وأولاده بتصرفه هذا، إذن فعوض أن نخفف من المظالم فإننا سنزيد مظالم أخرى، لم تكن في الحسبان..
ومن مآلات هذا التعديل، ظلم باقي الورثة في حقهم في الميراث، وهذا قد يولد ضغينة وبغضاء، لأنه لا ينبغي أن ننظر إلى المسألة من زاوية ضيقة، بل ينبغي النظر لها من جميع الزوايا، وألا نتجاوز المحكمات من شريعتنا..
ومن مآلات هذا التعديل مخالفة صريحة لمحكمات الشريعة،
فالتركة = مال الميت،
وبيت الزوجية من مال الميت
إذن فبيت الزوجية من التركة..
ولمخالفة المحكمات مفاسد عظيمة، أخطرها الجرأة على دين الله، وعلى المقدسات..
إلى غير ذلك من المآلات الخطيرة على الأسرة والمجتمع..
ستقول لي: ألم تبق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في بيوتهن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأمر بالنسبة المهاجرات اللواتي توفي أزواجهن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبقائهن في بيوتهن..
هاتان الروايتان، لا ترقيان ليصبح مدلولهما قانونا مفروضا، لأن الأولى فعل، والفعل لا يفيد الوجوب بحال، أضف إلى ذلك أن المحكوم لهن بذلك أمهات المؤمنين اللواتي لهن وضع خاص والله تعالى قال فيهن ( لستن كأحد من النساء ) إضافة إلى مكانتهم، فمكانتهن تقتضي أن يخرج المسلمون من بيوتهم لسكنوهن فيها تعظيما وتكريما، فهن أمهاتنا، ولكن ليبقى لهن وقارهن خصهن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الخصيصة، إضافة إلى أنهن بقيت في بيوتهن بحكم العدة المستمرة، كما قال سفيان بن عيينة، لتحريم الزواج عليهن…وبكل هذه الخصائص ينتفي القياس على هذا الأصل، ولو كان القياس سائغا، لماذا لم يأخذ به الإمام مالك، وهو إمام دار الهجرة، وحجرات أمهات المؤمنين كانت في المدينة، وهذا أمر مشهور شائع، فلماذا لم يصر الأمر عمل من عمل أهل المدينة؟ لماذا لم يأخذ الخلفاء الراشدون بهذا القياس؟ لماذا لم يأخذ به التابعون؟ لماذا لم يعمل به أئمة المذاهب؟ هذا كله يدل على أنه لا مجال القياس على هذا الأصل..
ويقال في رواية سكنى المهاجرات ما يقال هنا..لا يرتقي ذلك إلى أن يصير قانونا مفروضا..وكل ما ذكر من سبيل الإرفاق، هو من باب التفضل والتكرم لا من باب الإلزام والفرض، فالأصل في حقوق العباد أنها مبنية على المشاحة والمحاسبة، ولا يؤخذ من حق إلا بطيب خاطر..
والله عزوجل كما أوجب على الزوج كامل نفقة زوجته، فرض لها بعد وفاته من ماله، الربع أو الثمن، ولأبنائه بين النصف والثلثين والتعصيب..
هذا ما فرضه الله عزوجل، وهذا عدل الله الذي قال في نهاية سورة النساء التي قسمت فيها الفرائض (يبين الله لكم أن تضلوا) فبيان الله وحكم الله هو الهداية، وغيره هو الضلال المبين، وإن بدا عدلا!!!
تلك الفروض التي فرضها الله، هو ما يجب أداؤه، فإن لم تف بالكفاية سواء في السكنى أو في المعاش، فالدولة ملزمة بإتمام تلك الكفاية، فهذا واجب الدولة، والله عزوجل قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم بصفته ولي أمر الناس ( النبي أولى بالمومنين من أنفسهم ) فالدولة أولى بالناس من أنفسهم، فالواجب عليها أن تحقق لهم كفايتهم، وتتممها لهم، لا أن تحرم أناسا من حقوقهم لتفيد بها أناسا آخرين ظلما وعدوانا..
فلو كان هؤلاء صادقين في خشيتهم على تشرد الزوجة مع أطفالها بعد وفاة الزوج، لخصصت ميزانية لتلك الزوجات اللواتي يخشى تشردهن، وخصصت لهن مساكن بعد انتهاء عدتهن، ولها في تغطية ذلك موارد شتى أهمها مورد الزكاة المهمش والمهمل!!!
هكذا تحل الإشكالات بصدق وشفافية، وليس بنسف محكمات الشريعة، والكذب والتدليس وبعث المخاوف والمفاسد والشكوك..