
لماذا يا تُرى بشَّر روح الله عيسى عليه السلام بقدوم ( أحمد ) وليس ( محمد )؟ وذلك جلي في قوله عز وجل بسورة الصف بالآية السادسة: *… وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ * بينما ذُكِر اسم رسولنا صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم أربع مرات بلفظه الصريح “محمد” مثبتا بالآيات التالية:
بسورة آل عمران (144): {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُل}. بسورة الأحزاب (40): {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ…}.بسورة محمد (2): {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ…}. بسورة الفتح (29): {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ…}.
كما ذُكر باسم “أحمد” مرة واحدة كما أشرنا إلى ذلك بسورة الصف ابتداء: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ * بينما لن تجده مكررا بالمصحف سوى بلفظة ” محمد ” صلى الله عليه وسلم. فما السر في ذلك؟
قد يقول قائل: ربما قد أخطأ سيدنا عيسى في اسمه! وهذا كفر بواح من المستحيل ادعاؤه على كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد يقول آخر: ربما هما في المعنى سيان. إذ ما الفرق بين استهلال الاسم معا بالهمز أو الميم: (أحمد. محمد) ما دام قد أشَّر على صحته رب العزة، ولكن اللسان العربي يأبى هذا الخلط المعنوي في التركيبة بخلاف تخمينه غير الصائب، ف: ( أحمد ) عند ضباط الصرف والنحو أهل التحقيق والتدقيق اسم تفضيل على وزن ” أفعل ” : كأن تقول: ( خالد حامد لربه، ولكن عليا أحمد منه )، فتركيبة هذه العبارة هنا تفيد أن عليا هنا مُفَضَّل على خالد.
أما لفظة ( محمد )، فهي اسم مفعول كأن نقول: ( علي من كثرة حمده لربه صار محمدا ) علما معلوما عند جميع الخلائق. واسم المفعول عند اللغويين لا يُطلق إلا على موجود. ذلك؛ فلو أن كتاب الله صرح على لسان عيسى قائلا: ( يأتي من بعدي اسمه محمد ) لاعتُبِرت سقطة لغوية كبرى في فصيح العربية بالإجماع لأن لفظة (محمد) لكي يتم إطلاقها على شخص ما يجب أن يكون ذلك المرء موجودا بالفعل.. ولقد نبأ الله سيدنا عيسى ببشارة هذا النبي العظيم الكثير الحمد من كل الأنبياء والرسل وأهل الأرض، فصار اسمه معروفا بمحمد أهل الأرض جمعاء، فاستحق عن جدارة أن يكون في النهاية ( محمدا ).. وسيدنا محمد في الآية التي لهج بها أخوه عيسى عليهما السلام لم يكن موجودا آنذاك في حقبته الزمنية، ولهذا أنطق الله المسيح عليه السلام في البشارة العظمى بمفردة ( أحمد )، وكأنه يقول موحيا لأتباعه بأنه سيأتي من بعده رسول هو أكثر منه حمدا لرب العالمين، وفي توقيعه على تلك الشهادة الكريمة إعجاز لغوي شديد ولطيف يدلل على احترام واضح منه لعُلو كعب نبينا عليهما الصلاة والسلام، وسيرته النيرة دالة على المقام الذي بلغه بحبه لبارئه حبا يفوق الخيال وغاية تقفو غاية المراد. يكفي أن نعرض لحادثة ومشهد مؤثر طرأ له في بداية دعوته حينما تقطّعت به الأسباب وتكاثر عليه مجرمو المشركين في الطائف يطاردونه بصبيانهم يلقون عليه بالحصى والحجارة والدم ينزف من قدميه التجاؤه إلى خليله الكبير المتعال بهذا الدعاء المنبئ عن الرضا والقبول بما وقع له، وهو يجأر إلى مولاه داعيا ومستمطرا رحمته: * اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي، وَقِلّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِكَ *. تضحيات جسيمة وحب قوي لرب الأرباب الجواد الكريم معتق الرقاب خوفا من غضبه عليه في هذا التعبير المبكي: * إن لم يكن بك علي غضب لا أبالي… أو يحل علي سخطك *. هذا هو أحمد ومحمد سيدنا وسيد ولد آدم المستحق لهذه الرفعة والعزة والمكانة والشهادة على الأمة.. والذي يؤسَف له ويحز في النفوس أن العديد من المسلمين يحملون هذا الاسم المبارك وهم ملحدون متهوكون في الشرع ضالون ومضلون… والله لو كنت ضابطا عاما للحالة المدنية لجردتهم من ذلك الاسم المقدس الذي سماهم به آباؤهم وأمهاتهم وأقرباؤهم تيمنا بصلاحهم واتباع خير البرية، وألصقت بهم أسماء تليق بحقدهم الدفين للنبي ورب العالمين، ولا داعي لذكر أسمائهم، فهم ظاهرون في السوشيل ميديا بقوة يضربون في أحكام الشريعة، ويشككون الناس في السنة متهمينهما بالقصور عن مواكبة العصرنة والعولمة والحضارة المادية الصرفة، وبذلك يبصمون ويؤكدون على العداوة المستحكمة لنور رب العالمين ونبيه المصطفى الكريم.. ومنهم _ مع كامل الأسف _ مغاربة تابعون لهذا التيار الجارف المشكك في الثوابت الدينية والوطنية بصمام أمانهما أمير المؤمنين الذي صرح غير ما مرة في أنه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا عملا بوصية المرحوم أبيه طيب الله ثراه والآمر في إحدى وصاياه شعبه الوفي بالتشبت بكتاب الله تعالى، واقتداء بجده المصطفى الكريم صادا بما آتاه ربه من حنكة وتوأدة وروية كل المكائد المحدقة بالبلد، ونحن وراءه جميعا من المدافعين والمنافحين لهذا الصرح العلوي المتين قرونا لن تُزعزع قلامة ظفر من كرسيه الجهات الحاقدة من المرتزقة الخونة الساعين إلى الشوشرة، والنيل من سمعة الحكم الرشيد، والازدهار الممتد المديد بمساعدة بعض الضباط عديمي الجدوى ممن يُفترض فيهم التعامل بحسن الجوار لمملكة عاشت قرونا طوالا. هداهم الله طريق الصواب والرجوع إلى الجادة، ولن يضر نباح الكلاب السحاب، والقافلة تسير لضبط المسار وتقويم المسير؛ ولا خوف على ديننا من الاندثار ولو أحاطت به النوائب والأخطار.. فكلما علا صوت الأشرار لإطفاء الأنوار خفُت ضوؤهم بالنهار وانكفأوا حول ذواتهم مسخرة للكبار وعُلالة يتلهى بها الصغار…
أقول قولي هذا مستغفرا الله العظيم عن كل تقصير شاب هذا المقال المعرف بسيد الرجال المأمور بالاتباع في كل شاذة وفاذة صاحب الأسوة العليا والقدوة العظمى المأمور باقتفاء أثره وتطبيق سنته، ومن عصاه وتكلم فيه، فالنار أولى به…