رأي

 رأيي في التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة (11) : زواج الصغير(القاصر) 

د. أحمد كافي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علينا أن نؤكد أن هذه المعركة التي افتعلها خصوم الزواج مع زواج الصغير(القاصر) قد عرفت منذ مدة بعيدة، المواجهة على صعيدين:
الصعيد الأول: معركة المصطلحات الشرعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والاجتهاد في التنفير منها. وهذه المعركة قد فشلت مع مدونة الأسرة في دفع القوم في اتجاه الاستعداء على المصطلحات الشرعية(أنظر ما بينه أحد أعضاء اللجنة التي كلفت بصياغة مدونة الأسرة، وهو الدكتور مصطفى بنحمزة في كتابه: فقه الأسرة/ مرافعات مقدمة إلى لجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية. حيث بيَّن بوضوح المصطلحات التي شن القوم غارتهم عليها). ولذلك لا يستغرب أن تجد وزير العدل اليوم يرفض مصطلح المتعة مع أنه قرآني ونبوي، ويصفه بأنه من المصطلحات الحاطة بكرامة المرأة.
وعندما ننظر في المصطلحات التي يقترحها القوم، نجدها تمتاح من قاموس الغرب، ثم يرتبون على انتفاخهم بالمصطلحات الغربية الغريبة الهجوم على مصطلحات هوية الإسلام والمسلمين، ويكيلون لها ما شاء لهم من السباب والهجو. وقديما قال شيخ العربية مصطفى صادق الرافعي:” ولا تجد ذا دخلة خبيثة في الدين إلا وله مثلها في اللغة”.
معركة المصطلحات(1):
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وربنا عز وجل في كتابه الكريم قد أمرنا بخوض معركة المصطلحات مع الذين لا يكنون ودا للشريعة. وأن انعدام الود ليس متعلقا بأحكامها، بل يشمل حتى لغتها الحاملة لها. ومن ذلك قوله تعالى:” يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم”(البقرة:104).
ومع أن الكلمتين من حيث اللغة لهما معنى واحد يشتركان فيه(راعنا، أنظرنا)، ولأن الأولى تحمل معاني قبيحة مثل قباحتهم مع الأحكام الشرعية، فقد أمر المسلمين أن يختاروا: أنظرنا، وأن يهجروا: راعنا، ولا يجعلوا الكلمة بسبب ما تحمله من القباحة مصطلحا لهم، بل دعوهم يتميزون بها، وتميزوا أنتم بمصطلحاتكم، كما تتميزون بأحكامكم.
النبي صلى الله عليه وسلم ومعركة المصطلحات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلم صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتركوا أي مصطلح لا يحمل المعاني الشرعية، أو يحمل معارضة لها..وهذا كثير في الأحاديث النبوية الشريفة، حيث أمر ونهى صلى الله عليه وسلم المسلمين بالقول لهم: لا تقولوا…وقولوا…
من نماذج ذلك:
ـــــــــــــــــــــــــ
* قوله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا، العنب والحبلة”( ).
* قال صلى الله عليه وسلم: ” لا تقولوا: الطبيب ولكن قولوا: الرفيق فإن الطبيب هو الله”( ).
* قال صلى الله عليه وسلم:” لا يقولن أحدكم: زرعت، ولكن ليقل: حرثت “، قال أبو هريرة: ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل:” أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون” “().
* قال صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا العتمة…ولكن قولوا العشاء”( ).
معركة المصطلحات(2):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد حذفوا مجموعة من المصطلحات الشرعية أو التي تعبر عن هويتنا، من ذلك:
** حذف الغليظ: كان تعريف الزواج في المدونة السابقة أنه ميثاق غليظ، وهو إحالة على قوله تعالى: واخذن منكم ميثاقا غليظا. فأبقوا في المادة الرابعة على الميثاق، وحذفوا الغليظ حتى يتساوى عندهم الزواج مع أي عقد من العقود الأخرى.
** حذف كلمة النكاح، وأصروا على أن يكون عوضها: الزواج.
** حذف عبارة: تكثير سواد الأمة. وأصبحت الأسرة غير معنية بهذه المقصد الشرعي الهوياتي.
** كانت الصيغة الأولى: الزواج ميثاق ترابط شرعي بين رجل وامرأة…وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين، وقوامة الزوج بالمعروف، طبقا لأحكام هذه المدونة. واعترض ثلاثة أعضاء من اللجنة ووافق باقي الأعضاء: 14 عضوا..
وفرضوا أنفسهم وعبارتهم على الأغلبية: وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة. حيث أرادوا لهذه المؤسسة أن لا يكون لها رأس، وأن تعمل برأسين، على خلاف جميع المؤسسات في العالم التي لا بد لها من رأس أو مسؤول أول(أنظر الصراع في باب المصطلحات، كتاب أحد أعضاء اللجنة، الدكتور مصطفى بنحمزة في كتابه: فقه الأسرة/ مرافعات مقدمة إلى لجنة مراجعة مدونة الأحوال الشخصية).
الصعيد الثاني: معركة الأحكام الشرعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن زواج القاصر يجب معالجته وتناوله من خلال المرجعية الشرعية، ولا يستأسدن أحد علينا بوجوب المراجعة من خلال المرجعية الكونية، ويفرض علينا الاستقواء بهؤلاء.
أنواع زواج الصغير(القاصر):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعند النظر في حديث الفقهاء عن هذا الزواج، فإنهم يقسمونه إلى قسمين، هما:
الأول: زواج الصغير(القاصر).
الثاني: تزويج الصغير(القاصر).
وهذا الأخير تكاد كلمتهم تتق على رفضه، وعدم القبول به. فهم يمنعون تزويج الصغير بما يشبه الاتفاق عليه.
وأما الأول، فإنهم يذهبون إلى قبوله بما يشبه الاتفاق على القبول.
الفرق بين النوعين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
والفرق بين النوعين أن زواج الصغير، هو الزواج النابع من إرادة الصغير، فتى أو فتاة. ولربما أجبر أهله عليه، ولربما وقع التهديد بالموافقة عليه أو التصرف بتصرف غير مقبول.
وأما تزويج الصغير، فهو إرادة الكبار يريدون فرضها عليه. وقد رفضه أهل العلم ومنعوه، لأنه إكراه على أمر من الأمور، ومعهود الشريعة: لا إكراه في الدين، أي في اعتناقه أو في القيام بأحكامه.
ويستندون في الرفض على عمومات الشريعة في رفض الإجبار، وعلى ما ورد من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم في أمثال هذا النكاح. ومن هذه الأحاديث، ما رواه غير واحد من أهل الحديث: عن عبد الله بن بريدة، قال: جاءت فتاة إلى عائشة، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع من خسيسته وإني كرهت ذلك. قالت: اقعدي حتى يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذكري ذلك له. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأرسل إلى أبيها، فجاء أبوها، « وجعل الأمر إليها». فلما رأت أن الأمر جعل إليها، قالت: إني قد أجزت ما صنع أبي، إني إنما أردت أن أعلم هل للنساء من الأمر شيء أم لا؟”(سنن الدارقطني).
فزواج الصغير هو الزواج النابع من إرادة الصغير، وأما تزويج الصغير فهو الزواج المفروض عليه من الكبار، ولا رغبة للصغير فيهـ بل لربما لا يفكر فيه أصلا.
لماذا قبلوا زواج الصغير(القاصر)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد علمت أن تزويج الصغير مرفوض لوجود الإكراه الذي لا تقبل الشريعة الإسلامية به، ولا ترضاه ابتداء، ولا ترى معنى لترتيب أحكام الانشراح عليه. وأما زواج الصغير فقد قبلوه للأسباب الآتية:
السبب الأول: إرادة الصغير
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولأنه إرادة الصغير ورغبته القوية في ذلك. والوقوف في وجه الرغبات ليست من معهود الشريعة.
السبب الثاني: الحفاظ على العرض
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن الحفاظ على العرض يستوجب القول بقبوله. ومن الحفاظ على العرض الخوف من الوقوع في الزنا، أو هروب الفتى والفتاة وتصرفهم خارج إطار الشرعية الدينية. فقبلوا به مراعاة منهم للعرض والحفاظ عليه.
وفي كتب الفتاوى والنوازل يتحدث الفقهاء عن ىنماذج من هروب الفتيات والفتيان بهذا السبب أو بغيره.
وإذا كانت المواثيق الغربية لا تعطي بالا للأعراض، وتمنع الزواج أو تجتهد في منعه، وتيسر العلاقات الرضائية(الزنا). فإن منظومة القيم الشرعية على النقيض من هذه المنظومة، وترى أن الزواج إن كان فيه من اعتراض على بعض جزئياته، فهو أهون من موبقات الزنا.
الطلاق والمرض مع زواج الصغير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومما يذكره القوم في التنفير من زواج الصغير، الإصرار على أن بعض الدراسات تؤكد على أن هذا الزواج ينجم عنه الطلاق، كما يعرف ظهور الأمراض النفسية على أصحابه…فلذلك يجب منعه.
جواب العقلاء:
ـــــــــــــــــــــ
وأما الجواب على هذه الدعوى العريضة، ففيما يلي:
1ـ إن أي زواج إلا وله فرص الديمومة والاستمرار، أو الطلاق والافتراق. والطلاق في زواج الصغير لا يقع حتما بسبب الزواج المبكر، بل له أسباب كثيرة، ليس الصغر هو المحدد الأساسي والوحيد فيها.
2ـ إن الذي يريد إطلاق مثل هذه الدعوى، يستوجب في حقه أن يقدم لنا تفسيرا عن نسبة طلاق الكبار. وهي بالتأكيد تقترب من 50٪ اليوم. وهذه كارثة وطنية. فهل نمنع زواج الكبار بعلة وجود الطلاق؟
3ـ والأمانة العلمية تقتضي أن نحاط علما بنسبة الطلاق في أنكحة زواج الصغار(القاصر)، حتى نعقد المقارنة بين طلاق هذه الفئة مع فئة الكبار، وأيها أفحش؟ وحتى نتتبع أسابها، ومن يدري أن لا يكون السبب في ذلك هو الصغر أو الكبر.
4ـ وأما كون زواج الصغير(القاصر) تنجم عنه أضرار صحية. فهذه دعوى عريضة هي أيضا، ومزايدات لا معنى لها. لأن صاحب الإرادة في الشيء، هو الذي قد يتعرض لمضاعفات صحية إذا منع من مراده. وقد تتدهور صحته النفسية إذا نحن منعناه من رغبته التي ملأت عليه شغاف قلبه.
والفقهاء عندما قبلوا زواج الصغير، كانت الصحة عندهم مرعية، فقبلوه بشرطين اثنين:
الشرط الأول: إرادة الصغير أولا.
الشرط الثانية: إطاقة الزواج والوطء.
زواج الصغير والمواثيق الدولية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا نحن عدنا إلى زواج الصغير، لا نجد في هذا الاستقواء بالمواثيق الدولية ما يذهب إليه بعض المناضلين والمناضلات إليه زورا. ولكن الذي نجد ما يلي:
أولا: المواثيق الدولية لا تمانع في زواج الصغير
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ففي اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1989م، قد حددت الطفولة حتى الثامنة عشرة، فإن دخل الفتى أو الفتاة في سن الثامنة عشر لم يعد طفلا وأصبح يتوفر على سن الأهلية القانونية. وتزيد هذه الاتفاقية قائلة:” ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”.
وهي اتفاقية لم تراعي المنظومة الشرعية للمسلمين، وإنما راعت قوانين جميع الدول التي يوجد عندها الزواج لأقل من ثمانية عشر سنة، وهي في غالبها غربية…تصل في بعضها إلى ثلاثة عشر، وخمسة عشر.
* جميع الدول الأوربية بما فيها روسيا: سن الزواج القانوني 16 سنة، باستثناء أستونيا، البلد الأوربي الوحيد الذي يسمح بالزواج في سن: 15 سنة.
* وفي الكثير من الولايات المتحدة الأمريكية: تقبل المحاكم الزواج في سن 14 سنة.
* الأورغواي: سن الزواج القانوني:123 سنة للإناث، و14 سنة للذكور.
* الإكوادور: سن الزواج القانوني:123 سنة للإناث، و14 سنة للذكور.
عند بعضها إلى ثلاثة عشر سنة.
فعلى الذين يريدون فرض سن 18 سنة كحد أدنى للزواج، أن يعترضوا على هذه الدول الغربية التي هي نموذجهم، وأن يحتجوا على المواثيق الدولية التي أعطت للدول حق مراعاة قوانينها الوطنية.

(يتبع إن شاء الله تعالى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى