رأي

 رأيي في التعديلات المقترحة على قانون مدونة الأسرة (12)  – تثمين العمل المنزلي: بيان ومقترحات –

 د. أحمد كافي أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية

إن المقترحات السبعة عشر التي عرضها وزير الأوقاف، جميعها قابلة للتسديد والضبط والتصويب والتجويد والتدقيق…حتى توافق مقتضيات الشريعة الإسلامية وقواعدها، وتراعي وجود الأسرة بالمغرب، فإن الاحصائيات التي قدمت من المندوبية السامية للتخطيط تؤكد أن الأسرة المغربية مهددة في وجودها، والعقلاء عندما يجدون أنفسهم أمام هذه المشكلات الكبيرة، والتهديدات الماحقة، لا يأخذون بالأقوال الفقهية وإن جوزها الفقه من جهة التنظير، أن نختارها نحن من جهة التنزيل، بل علينا البحث عن الأقوال التي تدفع هذه المخاطر، وتحقق المصلحة العظمى للأمة.

تثمين العمل المنزلي:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهذا المقترح ـ عندي ـ هو الوحيد الذي لم أجد له مساغا شرعيا، أو عقليا، أو مجتمعيا، يحيك الشبهة في قبوله. بل هو عندي أخطر اقتراح يهدد الأسرة المغربية، ويدفعها إلى أن تتحول كينونتها وتتغير طبيعتها.

التثمين:

ـــــــــــــ

وهو إعطاء ثمن للزوجة على خدمتها في بيتها. وهذه الأعمال معروفة عند الناس، وأنها تشمل الطبخ والكنس والتنظيف…وغيرها من أعمال البيوتات.

تغيير طبيعة الزواج:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إن هذه المقترح ـ بغض النظر عن سوء النية أو صلاحها عن القائلين به ـ فإنه وضعنا أمام مؤسسة ربحية وشركة، ولم نعد أمام زواج وأسرة. وعلى الناس بعد إقراره أن لا يتحدثوا عن المكارمة والفضل والإحسان، لأن تحويل وجهة الزواج وطبيعة الأسرة، لا يجيز لكم الحديث ـ بعد اليوم ـ عن هذه المعاني التي أصررتم فيها على تحويل طبيعة الزواج الفطرية، فجعلتموها شركة تؤدي فيها الزوجة مهمتها، لتأخذ حقها بعد هذا الأداء.

ماذا أصابكم؟

ـــــــــــــــــــ

وعندما ننظر في الالتزامات المالية ابلتي يجتهد بعض القوم لانتزاع أكبر قدر ممكن من الحقوق بحق أو بغير من الزوج، لتصيب في كيس الزوجة. وأصبحت هذه المقترحات جميعها لا تتحدث عن المرأة، بل تتحدث عن الزوجات. فلم يوجد مقترح واحد يتحدث عن الأمهات، ولا عن البنات، ولا عن الأخوات، ولا عن العمات…

* فإذا أخذت الزوجة: حق كدها وسعايتها(المادة49 من مدونة الأسرة)

* وأخذت: الربع أو الثُّمن إرثا شرعيا، لقوله تعالى:” ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين“(النساء:12).

* وأخذت الثَّمن عن العمل المنزلي، والذي لا نعلم قدره إلى اليوم.

فماذا ترك هذا السعار ـ في انتهاب الحقوق لصالح الزوجة ـ للأسرة وجميع أفرادها؟

وإذا كان عند الرجل أربع نسوة، أو ثلاث، أو اثنين. فسنصبح أمام تثمين مضروب في عدد زوجاته. وكل زوجة لا تقبل أن ينقص ثمن عملها المنزلي عن الأخريات.

فأين هو الرشد في هذا المقترح؟

لا للنفقة:

ــــــــــــــــ

وعلى الذين اقترحوا هذا المقترح وناضلوا من أجله، أن يعلموا شنيع الجرم الذي رفعوا لواءه. وأن يعلموا أن هذه الزوجة التي حولتم وظيفتها ومكانتها من زوجة مكرمة إلى خادمة في البيت تأخذ أجرة على خدمتها. وأن تقتنعوا ـ من اليوم ـ بأن لا حق لها بعد ذلك في النفقة، ولا في الطعام ولا في الكسوة…

وعلى الثمن الذي ستأخذه عن عملها في المنزل أن تقتطع منه ما تنفق به على نفسها وجميع حاجياتها متى أرادت ذلك. فالزوج غير مطالب بأداء الثمن مرتين.

وأما الاستمتاع الجنسي فهو حق متبادل بينهما كما قرر جمهور الفقهاء ذلك. وليس أمرا ينفرد به أحدهما عن الآخر.

الأجر مقابل العمل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي الكون كله، هناك منطق في الشغل معروف، ألا وهو: الأجر يتبع العمل. فإن وُجد العمل لزم الأجر، وإن نقص العمل نقص تبعا لذلك مقدار هذاالأجر، وإن عُدم فقد وجب حبس الأجر عن المتقاعس عن أداء العمل.

فعلى الأزواج أن يكون عندهم كتاب العمل المنزلي، يحدد فيه كل يوم القيام بالعمل أو بجزء منه أو بتركه.

وقد تستبشع بعض المناضلات هذا التصوير. فلهن ما استبشعن أمام ما قدمن من مقترح مستبشع، هذه صورته وحقيقته. وما دمن يحرصن على الثمن على العمل، فيجب الرضا بقانون العمل، ولا يطلبن الزبدة وثمنها كما يقولون.

هل يعجبكم تشريد الزوجة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومنهن من تواجه رافضي تثمين العمل بالمنزلي، وتقول: إن الزوجة التي تكون في كنف زوجها، ثم تقع الفرقة بينهما بعد مدة زمنية، تصبح فيه معدمة ومعرضة للتشريد. أفلا يكون التثمين هو إحدى وسائل حماية المرأة من هذه الوضعيات المأساوية؟

جواب العقلاء:

ــــــــــــــــــــــــ

إن هذه الوضعيات الحرجة التي يتعرض لها أي إنسان في وطننا، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، والتي تحرجنا جميعا متزوجين أو عزابا، مما يجب استنكارها والانتهاض لمحاربة هذه الظواهر المشينة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع، فقد برئت منهم ذمة اللهتعالى.“(مسند أحمد).

ولكن المعالجة لا تكون بالظلم، ولا بإزالة ضرر عن إنسان وإلقائه على إنسانآخر. وقد حرمه صلى الله عليه وسلم بالقول: لا ضرر، ولا ضرار”(موطأ مالك).

والضرر: هو ما يجترحه البعض فيصيبون غيرهم به في حياتهم. والضرار هو مواجهة الضرر بضرر مثله، أو مواجهته بإلقائه على الآخرين.

المقترحات في باب التشريد:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وإذا كنا قد عبرنا بكل وضوح على أن الانسان بغض النظر عن جنسه أو سنه…يجب تكريمه. فإننا نقترح في إطار هذا الاختلال الموجود في واقعنا، والذي تعاني منه طائفة من الأطفال، والرجال، والنساء على قلة...وغيرهم. أن نبحث عن الحلول الشرعية التي لا تصادم ما استقر في الطبائع السليمة.

وإذا كان الداعي من اقتراح تثمين العمل المنزلي هو الحفاظ على كرامة الزوجة المطلقة بعد طلاقها. فلماذا نقصر هذا المطلب على الزوجات، ونترك جميع أفراد المجتمع يواجهون أقدارهم.

وبناء عليه نقترح لمواجهة هذه المعضلة، ما يلي:

أ ـ تحميل الدولة المسؤولية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لماذا لا نواجه الحقائق بوضوح، ونتوجه إلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في تكريم الإنسان في مسكنه وتعليمه وصحته. فإن الدستور في المادة 31 قد حمل الدولة المسؤولية الكاملة أمام جميع المواطنين والمواطنات، في وجوب الاستفادة من العلاج والعناية الصحية، ومن الحصول على تعليم ذي جودة، ومن السكن اللائق…

والأزواج ذكورا أو إناثا إذا وجدوا في وضعية صعبة، يجب أن تتحمل الدول مسؤوليتها في هذا الباب. فلا يليق بنا أن نخلي الدولة مما وجب عليها، ونثقل به كاهل الأزواج الذين هم في غالبهم من الضعفاء ومتوسطي الحال.

وإذا كانت الموارد المالية للدولة لا تسمح لها بذلك، فإن عليها أن تفرض نسبة معقولة على كل قادر على العمل، وعلى المؤسسات الربحية… تُجمع في صندوق السكن اللائق للمواطنين والمواطنات ممن هم في حالة حرجة واحتياج.

والغرب الذي يوفر أساسيات العيش الكريم ليس بأحسن منا في هذا الباب. وهو يقوم بهذه الواجبات المنوطة به، من خلال الاقتطاعات المسؤولة والمعقولة، فيوظفها في مجالات تحقيق هذا التكريم. فعلينا أن نتحمل جميعا فاتورة الكرامة الإنسانية، ونتقاسم مسؤولية ما ينوب أي واحد منا في حياته.

ب ـ المتعة:

ــــــــــــــــــ

وعلينا أيضا أن نحمل جزء من هذه الوضعية الصعبة على الأزواج ليس من باب تثمين العمل المنزلي، بل من باب المتع للمطلقات، بحيث نناضل من أجل الجدية في المتعة الواردة في المادة 84 من مدونة الأسرة، والتي تقضي بتحميل الزوج المتعة في حال الطلاق، ويراعى في تقديرها: فترة الزواج، والوضعية المالية للزوج، وأسباب الطلاق، ومدى تعسف الزوج في توقيعه”.

فإن لم يكن نظام المتعة وافيا بالغرض، فيجب إصلاحه من غير وكس ولا شطط. وسنصبح أمام متعة للمطلقة، يكون منها مقدار من المال محترم يكفي لسكن لائق للزوجة إذا هي طلقت، فإن لم يكن كافيا، تحملت الدولة الفارق من خلال صندوق السكن اللائق.

الأمور بمقاصدها:

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

والغرض من هذه المقترحات ونظيراتها أن لا نربك نظام الأسرة وما استقرت عليه، وأن نحترم الذمة المالية لعباد الله في أرضه، ولا ندخل الفزع في قلوب المواطنين، ولا نكون نحن بتصرفنا ممن يزهدون في الزواج ويضيقون عليه، ونكون قد فتحنا الباب مشرعا أمام اختيارات أخرى للناس في باب المعاشرة بين الذكور والإناث..

(يتبع إن شاء الله تعالى)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى